يعتقد المتابعون لتطورات الموقف الأميركي من الجيش اللبناني، أنه وليد نتائج الحرب الصهيونية على لبنان. وأن أسباب معاقبة قائد الجيش العماد رودولف هيكل، بإلغاء ثلاثة مواعيد رسمية رفيعة المستوى كان يستعد لها قبل أسبوع في واشنطن، تنحصر في عدم التزام المؤسسة العسكرية بالخطة الأميركية لنزع سلاح المقاومة بمعزل عن نتائجها على الداخل. لكن، يبدو أن المشكلة ناجمة عن تحريض أكبر تقوده إسرائيل في الولايات المتحدة على الجيش بوصفه جزءاً من المشكلة، داعية إلى مقاربة أميركية – غربية مختلفة بحجّة أن جزءاً من الجيش يدعم حزب الله. كما يطالب العدو بفرض عقوبات على بعض الأقسام في الجيش.
لكن هذه المرة، وصل التحريض إلى مراحل غير مسبوقة، يتشارك فيه اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة وشخصيات في الكونغرس وشخصيات لبنانية تمتهِن الوشاية، خصوصاً أن المعطيات الآتية من الخارج، تؤكّد أن إلغاء المواعيد، لا يعكس موقفاً أميركياً موحّداً، ولا يعبّر عن البنتاغون أو القيادة المركزية، بدليل البيان الأخير الصادر في منتصف شهر تشرين الأول على لسان الأدميرال براد كوبر بأن «شركاءنا اللبنانيين يواصلون قيادة الجهود لضمان نجاح نزع سلاح حزب الله»، مؤكداً «أنّنا ملتزمون بدعم جهود القوات المسلحة اللبنانية، التي تعمل بلا كلل لتعزيز الأمن الإقليمي».
الرسالة السياسية مما حصل لم تعد تحتاج إلى كثير عناء لتفسيرها، وهي موجّهة بالدرجة الأولى إلى الرئيس جوزيف عون الذي فهمها ونقلها إلى محيطين به. وبحسب معلومات «الأخبار» يؤكد عون في مجالسه أن ما حصل «مرتبط بالدرجة الأولى بمجموعات لبنانية تحرّض عليه هو نفسه وتريد تخريب علاقته مع الأميركيين». وثمّة قناعة اليوم بأن تصعيد الحملة الأميركية على الجيش، وإن كان يأتي بالشكل في سياق رفض العماد هيكل دهم المنازل بحثاً عن سلاح حزب الله من دون العودة إلى القضاء المختص، فإن واشنطن ترمي بكل ثقلها للضغط على المؤسسة العسكرية لإحداث تغيير داخلها.
وقد خلق الضخّ الإعلامي من قبل العدو الإسرائيلي وأعداء حزب الله في الداخل جواً في محيط الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ولا سيما في وزارة الخارجية الأميركية يتحدّث عن «ضرورة فصل قيادة الجيش عن رئاسة الجمهورية، من خلال إقالة هيكل أو دفعه للاستقالة»، على اعتبار أن ذلك «سيؤدّي إلى تسريع عملية نزع السلاح، حيث إن قائد الجيش الجديد لن يلتزم بمواقف عون التسووية بل بالقرارات التي تتخذها الحكومة اللبنانية، ما يؤدّي أيضاً إلى عزل عون». والمشكلة هنا، لا تقتصر على موضوع نزع السلاح بل تتعداه إلى الموقف من التفاوض مع العدو الإسرائيلي، أي إنها تتجاوز معيار المصلحة الوطنية.
وبحسب المعلومات الأميركية المصدر، فإن اللوبي اللبناني المُعارِض لرئيس الجمهورية، لا يتوقف عن الدفع في اتجاه الانتقام من كل من لا يريد الامتثال للأوامر الأميركية حتى لو كانَ رأس الدولة والمؤسسة العسكرية، ولتصفية حسابات سياسية داخلية كما هو الحال بين «القوات اللبنانية» وعون.
فلم يعُد خافياً أن «القوات» كانت واحدة من الجهات التي قصدها رئيس الجمهورية حين تحدّث عن بخّ السموم على اللبنانيين، فيما اضطرت هي في الأمس إلى الرد بشكل مموّه على عون الذي قال بأن «الجيش لا يأبه بما يتعرّض له من حملات التجريح والتشكيك والتحريض»، مدّعية أنّ الرد هو على إعلام الممانعة الذي يتحدّث عن «وشايات مزعومة».