حبيب البستاني*
لقد كان مفاجئاً وخطيراً الاعتداء الأخير الذي طاول ضاحية بيروت الجنوبية، فخلال الأسبوع المنصرم قام الطيران الحربي الإسرائيلي بغارات صاروخية استمرت لساعات، وقد اعتبر هذا الخرق الأعنف منذ دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، وقد جاء القصف بدون أي سبب يذكر إذ لم تسبقه أية عمليات أمنية للمقاومة أو أي قصف أو تهديد للمستعمرات الشمالية ولمستوطنات إصبع الجليل. حتى أن العدو الإسرائيلي لم يكلف نفسه مجرد تبرير هذا القصف، فالعدو يجد نفسه بحل من التبريرات إذ إن كل المجتمع الدولي ودول القرار بجانبه والدول الغربية تسانده تحت شعار "أنصر أخاك ظالماً أم مظلوماً". وأظهر الاعتداء الإسرائيلي أن لبنان مكشوف بالكامل وأن كل شيء فيه مباح وأن أرضه وسماؤه ومياهه مستباحة، وبات وطن الأرز وحيداً يصارع التنين كما كانت حاله على مدى عصور وعصور، وهو ينتظر "مار جرجس" لكي يقوم بقتل التنين على شاطىء خليج بيروت، هذا التنين الذي يطالب يومياً بضحايا جدد، ثمناً لابتعاده عن الاعتداءات الهمجية حتى أنه لم تبق في بيروت صبية أو بنت ملك لكي يعتدي عليها، وأصبح اللبنانيون كل اللبنانيين يعيشون الأسطورة ذاتها وهم كلهم بانتظار الخلاص في زمن غابت فيه المعجزات وأصبحت لغة الحرب والبطش لغة المرحلة.
لبنان هو المقصود
لقد بات واضحاً أن لبنان واللبنانيين هم المستهدفون، فلا حزب الله ولا المقاومة ولا حتى قوى الممانعة هم السبب، وإن كانت الاعتداءات طاولت البيئة الحاضنة للمقاومة ومحيطها الجغرافي، في محاولة لتغطية السموات بالأبوات، وفي مخطط مكشوف الهدف الحقيقي منه هو ضرب البلد ومقوماته الحياتية وزعزعة استقراره، وكأننا نعيش أجواء ما قبل العام 2000 عام التحرير حيث كانت إسرائيل تقوم باعتداءاتها في بداية موسم الصيف من كل عام، وذلك لضرب الموسم السياحي والاصطياف في ربوع لبنان. لقد هال إسرائيل قدوم هذا العدد الكبير من السياح والمصطافين لا سيما نوايا الأشقاء الإماراتيين والخليجيين الذين ملأوا الطائرات والمطارات وحجزوا كل الرحلات القادمة إلى بيروت. وأصبح من المتعذر لا بل من المستحيل الحصول على مقعد شاغر على متن هذه الطائرات وذلك بالرغم من العدد الكبير للرحلات الإضافية التي أعلنت عنها كل شركات الطيران.
ردود الفعل
بعيد الاعتداءات قام الحكم والحكومة بإصدار بيانات الاستنكار والشجب معربة عن عدم قبولها بمنطق القوة والتهديد، ولكن ذلك لم يرتق إلى حد تقديم شكوى إلى مجلس الأمن، مما اعتبره الكثيرون تقصيراً إن من قبل وزارة الخارجية أو من قبل رئاسة الحكومة، إذ إن الشكوى كانت أكثر من ضرورية حتى وإن كان ذلك وحده لن يحول دون قيام العدو باعتداءاته، وقد اعتبر أكثر من مراقب أنه كان ينبغي على وزارة الخارجية استدعاء سفراء الخماسية وإبلاغها عن عدم رضى لبنان على هذه الانتهاكات الكبيرة. ولكن ردة الفعل الأكبر كان بيان قيادة الجيش بعيد الهجمات إذ إن هذه القيادة لم تكتف ببيان الاستنكار بل هددت بإمكانية انسحابها من لجنة وقف إطلاق النار، سيما وأن وجودها في هذه اللجنة أصبح بدون فائدة وهي لا تريد أن تلعب دور شاهد الزور الذي يرى ولكنه لا يستطيع القيام بشيء. كذلك كان لقيادة الجيش دوراً مهماً إذ إنها قامت وقبيل الاعتداءات بإرسال قوة عسكرية للكشف عن الأماكن التي أعلن العدو عن نيته لاستهدافها، وابلغ لجنة وقف إطلاق النار وبالتالي أُبلغت إسرائيل بأن لا أسلحة أو مصانع مسيرات في هذه البقعة المستهدفة ولكن إسرائيل قامت باعتداءاتها وكأن بيان قيادة الجيش لا يعنيها لا من قريب أو من بعيد. لقد برهنت قيادة الجيش عن شجاعة كبيرة وحس بالمسؤولية من طريق تصرفاتها قبل وبعد الاعتداءات، لياتي تحركها وتواجدها في الضاحية الجنوبية خير دليل على أنها هي من تمسك بالأرض وهي تستطيع الدخول والقيام بدورياتها شمال وجنوب الليطاني، مما يعني وبصريح العبارة أن لا مناطق خارجة عن سلطة الدولة وأن لا صحة لمزاعم العدو وعملائه، الذين لا هم لهم سوى التصويب على لبنان وقواه العسكرية.
العبر
لقد اعتبر أكثر من مراقب أن أول من يخرب موضوع حصرية السلاح هو العدو الإسرائيلي وبعض المزايدين في الداخل والخارج، وبالتالي فإن الاعتداءات لن تزيد اللبنانيين إلا تعلقاً بالسلاح، وبالتالي فالجميع يطرح السؤال عن الجهة المسؤولة عن حماية الناس وأرزاقها؟ ومن يحمي الحق اللبناني في مياهه وأرضه؟ صحيح أن ميزان القوى قد تغير في المنطقة وأصبحت إسرائيل هي اللاعب الأقوى إلا أن ذلك لا يعني استسلام اللبنانيين، فاللبنانيون كل اللبنانيين هم مع حصرية السلاح ولكنهم أيضاً مع حق الدولة إن لم نقل واجبها بالدفاع عن الأرض والعرض والمقدسات.
كاتب سياسي*