حبيب البستاني*
صحيح أن العام المنصرم حمل سلسلة من المآسي والحروب ليس على لبنان فحسب بل وعلى كل المنطقة، من الخليج الفارسي أو العربي لا فرق إلى حروب ما سمي بالشرق الأوسط الجديد، فإسرائيل لم تستثنِ أحداًمن اعتداءاتها فاختلطت دماء غزة مع دموع اللبنانيين، حتى أن دولة قطر أخذت نصيبها من القصف الإسرائيلي الذي كاد يشعل حرباً إقليمية لولا تدخل الولايات المتحدة في اللحظة الأخيرة لاستيعاب الوضع والذي ادى إلى الإعلان عن خطة ترامب لغزة، والتي تتضمن إنهاء حالة الحرب وإعادة الإعمار التي تتطلب حوالي الخمس سنوات لتنفيذها. هذا باختصار شديد بانوراما أحداث العام 2025 . أما بالنسبة إلى لبنان فلقد حدثت متغيرات كبيرة ليس أقلها إعلان الحكومة عن خطة حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية، هذه الخطة التي وضعها الجيش اللبناني والتي من المنتظر أن تنتهي المرحلة الأولى منها قبل نهاية العام الحالي، والتي تقضي بحصر السلاح بيد الدولة جنوب خط الليطاني. وكانت خطة الجيش وبعدما لاقت ترحيباً من قبل معظم اللبنايين، إلا أن المشككين وما أكثرهم راحوا يجوبون العالم معلنين عدم جهوزية الجيش لتنفيذ خطته وعدم قدرته على بسط سلطة الدولة على منطقة جنوبي الليطاني، إلا أن خطة الجيش نجحت وهو على وشك الإعلان عن تنفيذها بالكامل في منطقة جنوبي الليطاني وذلك قبل انتهاء العام الحالي.
الجيش ماض في خطته لحصر السلاح
لقد جاءت زيارة البابا لاوون الرابع عشر التاريخية إلى لبنان وذلك قبيل انتهاء السنة الحالية، لتبرهن للقاصي والداني أن لبنان لم يزل حياً وهو يشكل واحة للسلام وفسحة للتلاقي، وأن لبنان لا يقاس بالمساحة الجغرافية بل بالبعد الحضاري والإنساني الذي جعل من وطن الأرز وطناً لا يشبه إلا ذاته، فلبنان لا يشكل دولة فقط إنما هو رسالة. وهكذا شكلت زيارة الحبر الأعظم صفعة لكل الذين كانوا يراهنون على إلغائها او إرجائها في أحسن الأحوال. وبعثت برسالة قوية إلى كل دول العالم مفادها أن لبنان يستحق الحياة وأن لا قوة في الأرض تستطيع النيل منه أو إلغائه، طالما أبناؤه يتمتعون بروح الحياة والمثابرة يجمعهم وحدة المسار ويتساوون في وحدة المصير. وهكذا حركت زيارة قداسته المياه الراكدة وتحرك معها العالم وتحركت الدبلوماسية الرفيعة لتؤكد على ضرورة الإبقاء على لبنان. ولقد أعطى ذلك زخماً إضافياً للجيش اللبناني، بالرغم من تفخيخ البعض للزيارة إلى واشنطن، ليقوم قائده بزيارة باريس التي حضرها ممثلون عن الولايات المتحدة وفرنسا والسعودية الذين أعلنوا عن مؤتمر لدعم الجيش اللبناني والقوى المسلحة اللبنانية في شباط من العام الجديد. على وقع كل هذه الإيجابيات ينطلق الجيش في استكمال المرحلة الثانية من خطته لحصر السلاح شمالي خط الليطاني وفي منطقة ما بين النهرين، معتمداً من جهة على الدعم الدولي لمده بالسلاح والإمكانيات، وعلى دعم سياسي محلي وعالمي يجبر بموجبه إسرائيل على الوفاء بالتزاماتها لتسهيل مهمة الجيش. فإذا كان صحيحاً أن الجيش ملتزم بتطبيق حصر السلاح إلا أنه مصر على ضرورة التزام الدولة العبرية بما كان واتفق عليه، وهذا ينص على إعادة الأسرى والاعتراف بالحدود الجنوبية وإخلاء التلال والمناطق التي احتلتها إسرائيل في حربها ضد المقاومة ولبنان.
لبنان على طريق التعافي
طبعاً لا تزال الطريق طويلة وشاقة لاستعادة لبنان عافيته واستقراره، لكي ينعم وطن الأرز بالازدهار والطمأنينة على كل الصعد، لا سيما منها الأمنية والسياسية والاقتصادية. فعلى المستوى الأمني لا بد من إقرار الجميع بأن الدولة هي ملاذهم الوحيد وأنه بالتالي يصبح من المفروغ منه أن تقوم الدولة بأجهزتها العسكرية والأمنية بتولي كل الأمور العسكرية على كافة تراب الوطن. كل ذلك في سبيل الدفاع عن أرض الوطن وحدوده وسلامة أبنائه، فتصبح الدولة مسؤولة ليس فقط عن الوطن إنما أيضاً عن المواطن. أما في الموضوع السياسي فلا بد أن تقوم الدولة بإعادة تكوين السلطة من طريق إجراء انتخابات نيابية في مواعيدها، وذلك بغض النظر عن القانون وشكله، من دون الغرق في مستنقعات لا جدوى منها، وهي تقوم على المطالب والمطالب المضادة التي من شأنها تقويض الانتخابات وتحول دون إعادة تكوين السلطة. إن تعديل اي قانون للانتخابات يتطلب وقتاً وهو مما يجب فعله في بداية عمر المجلس النيابي ليتسنى للجميع دراسته. أما الموضوع الاقتصادي فإن الدولة مطالبة بوضع قوانين وخطط ليس الهدف منها فقط وضع الحلول الآنية إنما تطبيق منطق المحاسبة بحيث لا يتم إطلاق سراح المتورطين بسرقة العصر من مصرفيين وغيرهم وذلك بحجة تأمين الودائع، إن إعادة هيكلة المصارف هو اللبنة الأساسية في اي عملية إصلاح مالي واقتصادي. فهل تحمل السنة الجديدة تحقيق آمال اللبنانيين بعدما أثكلت المآىسي العام المنصرم؟. مع تمنياتنا للجميع بسنة جديدة تحمل في طياتها كل الأمل والفرح، ولوطننا الحبيب كل الأمان والازدهار.
كاتب سياسي*
