A
+A
-تخلّل الحفل عشرة أعمال, منهم من تأليف الأخوين عياد وساري خليفة والقسم الآخر يعود للمؤلف الكبير شربل روحانا. بدأ الحفل بميّاس لشربل روحانا التي تتمركز حول " قدك الميّاس" ولكنّ يحيطها بمقدّمات وجمل موسيقية ترتكز على الجو الطرب الحلبي, ألأندلسي, العراقي , أللبناني, ولكن محافظاً على لغة ومنهجية العود المتجذرة أكاديمياً داخل فلك التقاسيم والنفحة الشرقية المخيّمة دائماً وأبداً. ألمقطوعة الثانية شاش باش (Shesh Besh) للأخوين خليفة تأتي بالألحان الشعبية التركية أيام السلطنة العثمانية, فيما يُعرف بالموسيقى الكلاسيكية التركية مبنية على تقاسيم مشتركة ما بين العود والتشيلو كثنائي, والبيانو تقسيم مرافق للآلتين.
ثالثاً سوار(Siwar) لروحانا الذي كيفما تأخذه رياح النوتات ألاتينية, إلاّ أن يأبى بإرجاعها شرقاً. لاتينية الريتم والموسيقى, ولكنّ مشدودة للعاطفة أللبنانية, ومُهندسة موسيقيّاً بالسرعة, بالنوتات داخل الجمل وطريقة العزف ضمن المنهاج الهندسي للعود. مونومانيا (Monomania ( في الترتيب الرابع لساري وعيّاد خليفة تفرض لغة البوب الأميركي, مع التقاسيم البدوية على التشيلو مُصدراً صوت الربابة الحزين, بالإضافة إلى تقاسيم العود التركية والكلاسيكيّة على البيانو والتشيّلو في القفلات, أللافت هو تكرار الجمل لأكثر من مرة لخلق الريتم الإيقاعي للمقطوعة وترسيخ بساطة النوتات وقربها من السامعين لخلق التفاعل.
صلاة (prayer) لآل خليفة خامساً, هي مقطوعة للبيانو والتشيلو بجمل مختلفة ومتكاملة للآلتين . لغتها الموسيقية هي النيو كلاسيكية بأسلوب المناجاة, مع الإنخفاض والإرتفاع في الموسيقى أللذين يعبران عن الجو الداخلي للمؤمن المصحوب بحرارة الإيمان, مع التنويه بعزف التشيلو لبعض الجمل على الجو الشرقي للتراتيل. يعود روحانا في سادس المقطوعات مع الروزانا ( Rosana ) ألفلكلورية في بلاد الشام, مع إعتماد نغمات هارمونية مستوحاة من اللحن الأساسي حفاظاً على جوهرها, فيضيف الجو ألأسباني في البداية كلازمة مضافة, ثم ينتقل إلى المغنى, فيجمع المؤلف بلاد الشام وبلاد الأندلس عبر إعطاء أللون الأسباني نفحة بلاد الشام, مع إعتماد إيقاع اللف الأسباني لإمكانية تطبيق المفاهيم الموسيقية.
سابع جدول الحفل, أغنية تركني الليل أيضاً لشربل روحانا, وهي من لون البوسا نوفا (Bossa Nova), مع أبرز الإبداعات لجعل نوتات الجاز الاتيني ملعباً لتقاسيم العود.
الأغنية الثانية أيضاً للمؤلف روحانا أتت ثامناً, هي سلامي معك ( Salami Ma3ik) وهي من النمط الكلاسيكي الشعبي اللبناني. هي مستوحاة من التيمية أللبنانية العامّة وليست من رحم الفلكلور.
ألتاسعة قبل الأخيرة غالف هوليك ( Gulfholic ) للثنائي خليفة تبدأ بالجو الخليجي, ثم ينتقل الإيقاع بسرعة متزايدة إلى أجواء الفانك ( Funk) والجاز بترابط وسلاسة وصولاً إلى قفلة, وبعدها تتابع إلى الجو المغربي البطيء, وبعدها الجاز مع تقاسيم التشيلو معتمداً أسلوب الربابة لرعاة الصحارى الخليجيين, مع خاتمة بأسلوب الجاز. وأخيراً مقطوعة الجذور المشتركة ( Common Roots ) مبنية على أساس توليفات لأصول مشتركة في الـتأليف الموسيقى أوجدها المؤلف بتركيبة النوتات الواحدة تلو الأخرى مع إختلاف الثقافات ما بين أسبانيا ودول البلقان. فالتنقل ما بين الكلاسيكي الأسباني من روح الكونسرتو دي آرانجويز( Concerto de Aranjuez) للمؤلف الأسباني يواكين رودريغو, مع تغيير المزاج إلى موسيقى غجر البلقان على إيقاع فوكس ( Fox) ومن ثم إلى الفلامنكو اللذي يصل إلى شواطئ لبنان, يدخل أجواءه, مدنه وقراه بإيقاع المقسوم.
إن معول روحانا التأليفي والأكاديمي أينما ضرب في أرض الموسيقى, سيستخرج عوداً حاملاً معه مقطوعات عملية وسمعية, تزيد من العازفين مهارة ومن السامعين شغف, تذوّق ومتعة.
كانت أمسية ميلادية, بانورامية, موسيقية,عالمية, حضارية وثقافية حيث عمّت الصالة المكتظّة بالفرحة والبهجة أللتين فقدهم الجمهور بشكل مستدام في بلدنا المتالّم لبنان. كما نتمنى لجمعية ومعهد فيلوكاليا المزيد من النشاط, الحيوية والتقدّم.
