A
+A
-أولاً: إنّ مُهمّة لجنة تقصّي الحقائق هي من صُلب مهمات لجنة المال والموازنة بموجب المادة 142 من النظام الداخلي لمجلس النوّاب، الذي أنشأ هذه اللجنة لمواكبة ومراجعة ما يُعتبر من القرارات والأحداث، التي لها انعكاسً مباشر على مكانة الدولة والمؤسّسات، كما على حقوق المواطنين. فهذه التسمية ليست ظرفيّة وليست عابرة إنّما تؤشّر لاحدى الوظائف الاساسيّة للجنة المال والموازنة.
ثانياً: بعد صدور "خطّة التعافي الماليّة الخاصّة بالحكومة اللبنانيّة" وتبيان الكثير من الأمور التي تمسّ بحقوق المواطنين التي يصونها الدستور، وبعد تبيان التعارض في المقاربات والخيارات بين الأطراف المعنيين بهذه الخطّة، كان لا بدّ للجنة المال والموازنة من خلال لجنة تقصّي الحقائق أن تقوم بدورها الرقابي الأساسي لجمع المعنيّين كافة بهذه الخطّة من وزارة المال والمصرف المركزي وجمعيّة المصارف والهيئات الاقتصاديّة لدرس منطلقات هذه الخطّة وفهم الاختلافات بين الأطراف كافة ومحاولة تقريب وجهات النظر والولوج الى مقاربات تحفظ حقوق اللبنانيّين أولاً كما تؤمّن تصحيحاً حقيقيّاً وعميقاً للاختلالات التي يُعانيها لبنان والتي تراكمت على مدى السنين كما تُمكّن الاقتصاد من ولوج باب التعافي والنموّ.
ثالثاً: لقد تردّد أخيراً في بعض الأندية أنّ لجنة تقصّي الحقائق اعتمدت أرقاماً مُغايرة للأرقام التي وردت في خطّة الحكومة. إنّ هذا سوء فهم في أقلّه، لأنّ الأرقام هي من مسؤوليّة الحكومة وحدها. إنّما الأرقام هي نتيجة مقاربات وتقديرات واقتراحات حُلول لا بُدّ من أن يُصار إلى تجميع الكلمة حولها بالحدّ الأدنى من التوافق. وهذا ما قامت به اللجنة، عِلماً أنّه كان من المفترض أن تقوم الحكومة بهذا المسعى قبل انتاج خطّتها لما لهذه الخطّة من مفاعيل وانعكاسات جوهريّة واساسيّة على كلّ مفاصل الحياة الاقتصاديّة في لبنان.
إنّ مهمّة اللجنة هي إنضاج طبخة التوافق وتوحيد الكلمة وتقوية موقع التفاوض.
رابعاً: إنّ الاختلاف في الرأي هو منهج ديموقراطي سليم وفي كلّ مشروع قانون أو اقتراح قانو يُصار الى درسه وبحثه تفصيليّاً في ما يُسمّى مطبخ القوانين ألا وهو اللجان النيابيّة. فطرح أي مشروع قانون أو خطّة أو اقتراح على اللجان يجب أن يُصار الى تشريحه ودرسه ليس من باب الخصومة إنّما من باب التكامُل والتأكُّد من أنّ كلّ ذلك يصبّ في خانة المصلحة العامة التي تحفظ حقوق اللبنانيّين.
خامساً: إنّ أي تفاوض في أمور جوهريّة وأساسيّة يجب أن ينطلق من نظرة استراتيجيّة لإدارة المفاوضات ومن موقع تفاوضي يؤهّل لنيل أفضل الشروط، ومن قيادة صارمة في إدارة المفاوضات لتحسين النتائج وهذا ما تعمل اللجنة على تأمينه للحكومة وللفريق المُفاوض.
سادساً: إنّ تواصل اللجنة مع فريق صندوق النقد الدولي أخيراً ما كان إلاّ لتأكيد ضرورة أن تكون الإصلاحات هي الباب الأساسي لأيّ عمليّة لاسترجاع الثقة وبدء مرحلة التصحيح. وأنّ توحيد النظرة بين الأفرقاء كافّة هدفه تقوية موقع الحكومة وليس أضعافها، وإن كل مندرجات هذا الملفّ يبقى من مسؤوليّة الحكومة وحدها وما دور اللجنة إلاّ إنضاج الظروف وتوحيد المقاربات وخيارات الحلول المُتاحة.
سابعاً: لقد ورد في صلب النظام الأساسي لصندوق النقد في المادّة الأولى من الفقرة 5 ما معناه: "إنّ هدف الصندوق إعطاء الثقة للأعضاء عبر جعل الموارد العامّة مُتاحة بشكل موقّت واعطاؤهم فرصة تصحيح عدم الاختلال في ميزان المدفوعات من دون اللجوء الى تدابير مُدمّرة للنموّ الوطني والدولي".
وانطلاقاً من ذلك وبناءً على تاريخ تعامل الصندوق مع الدول التي عانت تعثّرات ماليّة، لم تعتذر إدارة الصندوق عن درس امكان وضع برنامج دعم إلاّ إذا اعتبرت ان الحكومة التي تطلب ذلك غير شرعيّة كما حصل مع فنزويلا.
ثامناً: إنّ المفاوضات ليست سهلة والشروط يمكن أن تكون مؤلمة وصعبة ولكن على القيادة اللبنانيّة أن تُثبت قدرتها على استيعاب حتميّة التغيير المطلوب لبدء مرحلة اصلاحٍ حقيقيّ وعميق.
إنّ لدى لبنان الكثير من الإمكانات ولدى اللبنانيّين الكثير من القدرات والدولة ليست مُفلسة ومعظم الدَّين هو داخلي لذا فإن سبل وامكانات المُعالَجة تبقى متوافرة إذا أسرعنا جميعاً في فهم حقيقة لا مفرّ منها مهما طال الزمن ألا وهي أنّ هناك لبنانيّين يعانون ولبنانيّين يهاجرون ولبنانيّين يفقدون الأمل لأنّ الطبقة السياسيّة التي تحكمهم لا تودّ أن تعترف بأنّ وقت التغيير الكُلّي والعميق قد حان وليس ثمّة مؤشرات تُبشّر بذلك.