A
+A
-وحتى قبل الحرب التي دمرت البنية التحتية في البلاد، عانت سوريا من أزمات اقتصادية عديدة بسبب حكم آل الأسد سواء الأب حافظ الذي حكم سوريا من 1971 وحتى عام 2000 أو الابن بشار الذي استمر في الحكم خلفاً لأبيه حتى ديسمبر 2024.
عاش المواطن السوري تحت حكم قمعي استنزف موارد البلاد وأدخلها في أزمات عديدة انتهت بحرب أدت إلى ارتفاع معدلات الفقر لنحو 90% من المواطنين مع موجات نزوح داخل سوريا وخارجها بالملايين.
وزير الإعلام السوري: سوريا الجديدة تحاول الاستثمار بالتنمية وليس الدخول بمعارك إقليمية
سوريا
سوريا والشرعوزير الإعلام السوري: سوريا الجديدة تحاول الاستثمار بالتنمية وليس الدخول بمعارك إقليمية
ومع اندلاع الحرب تعرضت سوريا لعقوبات اقتصادية نتج عنها انكماش الاقتصاد السوري مع تراجع حاد في الأنشطة الإنتاجية وانهيار القطاعات الاقتصادية المختلفة وتدمير عدد كبير من المصانع وتراجع المساحات الزراعية.
انهيار الليرة
كما انهارت الليرة السورية بمعدلات قياسية حيث ارتفع سعر الدولار الأميركي من مستوى 50 ليرة في عام 2011 إلى نحو 15 ألف ليرة عند سقوط بشار الأسد، قبل أن ترتفع الليرة قليلاً إلى مستوى 11 ألف ليرة للدولار حالياً.
ومع انهيار الليرة السورية ارتفعت أسعار السلع والخدمات لمستويات كبيرة وسجل تضخم أسعار المستهلكين مستوى بلغ نحو 140%، بالإضافة إلى انهيار منظومة الدعم التي كانت تساعد الأسر السورية في التأقلم مع تداعيات الانهيار الاقتصادي.
قبل عام رحل بشار الأسد تاركاً احتياطي نقد أجنبي لدى مصرف سوريا المركزي لا يتجاوز 200 مليون دولار، بالإضافة إلى مخزون من الذهب يصل إلى 26 طناً فقط.
كما ترك بشار تركة شهدت تراجع الاستثمارات العامة وانهيار الاستثمار الخاص ما أدى إلى توقف شبه كامل لعجلة الاقتصاد السوري، بالإضافة إلى انهيار إنتاج النفط بسبب النزاعات المسلحة في عدد من المناطق التي تضم آبار النفط السورية، حيث تراجع الإنتاج من مستوى 380 ألف برميل نفط يومياً قبل الحرب إلى أقل من 90 ألف برميل يومياً سواء في المناطق التي كانت خاضعة لسيطرة النظام أو التي تقع خارج نطاق سيطرته.
الفقر المدقع
وتشير البيانات الاقتصادية إلى أن سوريا لم تواجه "الفقر المدقع" قبل الحرب التي شنها النظام السوري السابق على شعبه، ولكن بعدها ارتفعت معدلات الفقر بجميع أنواعه لمستويات غير مسبوقة، حيث طال الفقر 90% من الشعب السوري.
ووفقاً لبيانات سابقة لبرنامج الأمم المتحدة للتنمية، فقد سجل الناتج المحلي الإجمالي لسوريا انخفاضاً كبيراً ليمثل فقط نحو 15% من القيمة المسجلة قبل اندلاع الحرب في عام 2011، أي أن اقتصاد سوريا سجل انكماشاً بنسبة بلغت 85%.
إعادة الإعمار هي الهدف الأول للحكومة السورية في الوقت الحالي، خاصة مع بدء مرحلة رفع العقوبات التي كانت مفروضة على النظام السوري السابق وأهمها "قانون قيصر" الذي أعلنت الحكومة الأميركية عن اقتراب المراحل النهائية للتصديق على إلغائه في الكونغرس الأميركي.
ووصف حاكم مصرف سوريا المركزي عبدالقادر الحصرية، ما يحدث بشأن رفع العقوبات المفروضة على سوريا بـ "المعجزة".
وأكد الحصرية، في تصريحات يوم الخميس الماضي، أنه من المتوقع صدور قرار من الكونغرس الأميركي بإلغاء قانون قيصر في وقت قريب.
صندوق النقد
كما عادت سوريا إلى التعاون مع المؤسسات المالية الدولية بعد سنوات من القطيعة في عهد النظام السابق، حيث بدأت التواصل مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي منذ شهر أبريل الماضي من أجل التعاون لدعم استقرار العملة ووضع خطة السياسة النقدية.
وقال صندوق النقد الدولي، في منتصف نوفمبر الماضي، إنه بدأ مناقشات بشأن وضع إطار مناسب للسياسة النقدية لسوريا من شأنه أن يدعم ضمان انخفاض التضخم واستقراره.
وأضاف الصندوق، بعد ختام زيارة فريق الخبراء إلى دمشق، أن السلطات السورية تمكنت من اتخاذ موقف متشدد على الصعيدين المالي والنقدي في ظل القيود الكثيرة التي تواجهها.
وأشار صندوق النقد الدولي إلى أن الاقتصاد السوري يظهر مؤشرات على التعافي.
فيما أكد حاكم مصرف سوريا المركزي أن المحادثات مع صندوق النقد تناولت السياسة النقدية والاستقرار المالي والمالية العامة ومجالات أخرى.
وقال الحصرية: "صندوق النقد سيعمل معنا في بعض المبادرات وسيقدم لنا المساعدة الفنية لكننا لم نتوصل بعد إلى برنامج معهم".
وقال عضو جمعية المحللين الماليين في سوريا، فراس حداد، إن عودة سوريا إلى اجتماعات صندوق النقد والبنك الدولي بعد انقطاع نحو 20 عاماً تمثل أهمية كبيرة للاقتصاد السوري، خاصة من خلال التعاون مجدداً مع مؤسسات التمويل الدولية.
وأضاف حداد في مقابلة مع "العربية Business"، أن سوريا تعمل على التوافق مع متطلبات مجموعة العمل المالي "FATF" الخاصة بمكافحة غسل الأموال حتى يتم شطب سوريا من القائمة الرمادية.
وأوضح أن سوريا واجهت أزمات فيما يتعلق بملف غسل الأموال والحوكمة وطريقة إدارة القطاع المالي في سوريا بشكل عام، وإزالة سوريا من القائمة الرمادية خلال الفترة المقبلة سيساهم بشكل إيجابي في جذب الاستثمارات للسوق السورية.
وأضاف أن الاستقرار الأمني في سوريا يمثل محوراً أساسياً في جذب الاستثمارات الأجنبية، خاصة أن رأس المال الأجنبي يتخوف من الاستثمار في أي مكان يشهد توترات أمنية سواء كانت داخلية أو على المناطق الحدودية.
البنك الدولي
وبالإضافة إلى التعاون مع صندوق النقد، بدأت سوريا مرحلة جديدة من التواصل مع البنك الدولي من أجل وضع وثيقة مشروع إصلاح المالية العامة، وذلك في إطار التعاون المشترك لتعزيز كفاءة إدارة المال العام وتطوير نظم الرقابة والحوكمة المالية في سوريا.
وتتضمن محاور المشروع، تعزيز الشفافية المالية، وتطوير آليات الرقابة الداخلية والخارجية، ودعم القدرات المؤسسية للأجهزة الرقابية، بما يسهم في الاستخدام الأمثل للموارد العامة وتحسين كفاءة إدارة المال العام.
وقدر البنك الدولي تكلفة إعادة الإعمار في سوريا بحوالى 216 مليار دولار استناداً إلى نتائج تقييم يشمل الفترة الممتدة من 2011 إلى 2024.
ووفقاً لبيانات البنك الدولي تقدر "الأضرار المادية المباشرة للبنية التحتية والمباني السكنية وغير السكنية الناتجة عن الحرب بنحو 108 مليارات دولار"، 52 ملياراً منها إجمالي الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية وحدها.
وتوقع البنك الدولي في تقريره أن "تتراوح تكاليف إعادة إعمار الأصول المادية المتضررة بين 140 و345 مليار دولار"، موضحاً أن "أفضل تقدير متحفظ يبلغ 216 مليار دولار"، يتوزع بين 75 مليار دولار للمباني السكنية، و59 مليار دولار للمنشآت غير السكنية، و82 مليار دولار للبنية التحتية.
وتشكل الكلفة التقديرية لإعادة الإعمار نحو عشرة أضعاف إجمالي الناتج المحلي المقدر لسوريا لعام 2024، ما يبرز حجم التحدي والحاجة الماسة إلى الدعم الدولي.
جذب الاستثمارات
بعد تشكيل الحكومة السورية الجديدة تم وضع خطة لجذب الاستثمارات إلى سوريا سواء كانت أجنبية أو من خلال إعادة الثقة للقطاع الخاص السوري من أجل ضخ استثمارات جديدة تساهم في إعادة التعافي.
وبدورها قدمت الحكومة تسهيلات غير مسبوقة للشركات، منها إعفاءات ضريبية ورفع القيود على استيراد المعدات والمواد الخام، بالإضافة إلى تخفيض أسعار الطاقة للقطاع الصناعي.
ونتيجة لهذه الإجراءات ارتفع عدد الشركات المسجلة في سوريا منذ بداية العام الحالي وحتى نهاية شهر سبتمبر الماضي إلى 11.17 ألف شركة.
كما أعلنت سوريا عن قفزة نوعية في تسجيل فروع ووكالات الشركات الأجنبية بعد سلسلة إجراءات تنظيمية لتبسيط المعاملات وجذب الاستثمارات الخارجية.
ووفقاً للبيانات الرسمية، سجلت دائرة فروع ووكالات الشركات الأجنبية منذ شهر ديسمبر الماضي نحو 50 فرعاً لشركات أجنبية و40 وكالة خارجية.
وقال عضو جمعية المحللين الماليين في سوريا، فراس حداد، إن سوريا تحتاج إلى استثمارات كبيرة بعد فترة الحرب الطويلة التي عاشتها البلاد.
وأضاف حداد أن الفترة الماضية شهدت توقيع صفقات استثمارية في سوريا، ومن المتوقع الإعلان عن استثمارات جديدة خلال الفترة المقبلة مع استكمال خطة إصلاح الاقتصاد السوري.
تطوير قطاع الطاقة
منحت الحكومة السورية قطاع الطاقة أولوية في استراتيجية إعادة الإعمار، وذلك لدعم القطاع الصناعي وحل أزمة انقطاع الكهرباء لساعات طويلة ما يؤدي إلى ارتفاع التكاليف الاستثمارية.
وفي سبتمبر الماضي، أصدر الرئيس السوري أحمد الشرع قراراً باستحداث وزارة تسمى وزارة الطاقة تتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي والإداري، مقرها دمشق، بهدف تحقيق التكامل في العمل وتحسين الأداء وتوفير الخدمات الأساسية بالشكل الأمثل.
وحلت وزارة الطاقة محل كل من وزارة النفط والثروة المعدنية ووزارة الكهرباء ووزارة الموارد المائية في كل ما لها من حقوق وما عليها من التزامات، وتتولى الوزارة المهام والاختصاصات التي كانت تتولاها هذه الوزارات.
وقررت وزارة الطاقة تخفيض أسعار بيع الكهرباء للقطاع الصناعي، كما تم تخفيض قيمة الرسوم والغرامات المالية المفروضة على المصانع السورية.
ووقعت الوزارة مذكرات تفاهم بقيمة 7 مليارات دولار مع شركات دولية لتطوير مشاريع الكهرباء في سوريا.
كما حصلت سوريا أيضاً على منحة من البنك الدولي بقيمة 146 مليون دولار لتحسين إمدادات الكهرباء ودعم التعافي الاقتصادي.
وخلال الفترة الماضية بدأت الحكومة السورية مفاوضات مع شركات دولية عاملة في قطاعي النفط والغاز من أجل تطوير حقول النفط القائمة في سوريا وبدء مرحلة جديدة من الاستكشافات.
تجارب إعادة الإعمار
إعادة إعمار سوريا لن تكون أول نموذج لنهوض الدول بعد الحروب المدمرة، وعلى سبيل المثال يمكن الإشارة إلى التجربة الفيتنامية للتعافي بعد الحرب، وفقاً لما ترصده بيانات لوكالة الأنباء الفيتنامية.
بعد ثورة أغسطس في عام 1945 وتأسيس جمهورية فيتنام الديمقراطية تعرضت فيتنام للغزو الفرنسي لتدخل في حرب استمرت 9 سنوات وأدت إلى انقسام البلاد، ثم حرب أخرى ضد الولايات المتحدة استمرت نحو 20 عاماً حتى تم توحيد البلاد مرة أخرى في عام 1975.
وبعد الحرب واجهت فيتنام أزمات اقتصادية عديدة حتى بدأت في عام 1986 مرحلة جديدة من النمو الاقتصادي اعتمدت على التنمية الصناعية والتحول الرقمي في جميع المجالات، من إدارة الدولة، والتعليم، والرعاية الصحية، إلى الإنتاج والخدمات.
وتحولت فيتنام إلى أحد أهم مراكز التصنيع على مستوى العالم، كما أصبحت من أسرع الاقتصادات الآسيوية نمواً، مع زيادات متواصلة في معدلات الاستثمار الأجنبي المباشر بدعم من الحوافز الكبيرة المقدمة للمستثمرين.
