A
+A
-في ظل تأكيد إسرائيل سعيها إلى إنشاء مناطق أمنية في سوريا ولبنان وقطاع غزة، وتنفيذ ضربات استباقية ضد ما تعتبره تهديدات محتملة، برزت مؤشرات واضحة على تصاعد التباين مع واشنطن بشأن إدارة هذه الملفات.
فقد عقد المبعوث الأميركي إلى سوريا، توم باراك، محادثات في القدس نقل خلالها رسالة أميركية وُصفت بالحادة، مفادها أن اغتيال القيادي في حركة حماس رائد سعد يُعدّ انتهاكاً لاتفاق وقف إطلاق النار في غزة، وأن لواشنطن خطوطا حمراء يتعيّن على إسرائيل مراعاتها، ولا سيما في الساحة السورية.
وتأتي زيارة باراك في سياق مساعٍ أميركية لضبط قواعد الاشتباك، في وقت ترى فيه إدارة الرئيس دونالد ترامب أن الضربات الإسرائيلية داخل الأراضي السورية تقوّض الجهود الأميركية الرامية إلى مساعدة حكومة أحمد الشرع على تثبيت الاستقرار، وتضعف فرص التوصل إلى ترتيبات أمنية جديدة بين سوريا وإسرائيل، كما تعرقل الانتقال إلى المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، وتؤثر سلباً في مساعي البيت الأبيض لتوسيع الاتفاقيات الإبراهيمية.
ملامح انزعاج أميركي متزايد من سلوك نتنياهو
تكشف تصريحات الخبير في السياسة الخارجية الأميركية هارلي ليبمان خلال حديثه إلى "غرفة الأخبار" على "سكاي نيوز عربية" عن مستوى غير مسبوق من عدم الرضا داخل إدارة ترامب تجاه أداء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وخصوصا في ما يتعلق بإدارته للملفات الإقليمية الحساسة.
ووفق ليبمان، لم تعد واشنطن تنظر إلى نتنياهو بوصفه "شريكاً جيداً"، بل ترى أن سياساته باتت تضعه على مسار عزلة دولية متنامية، وهو أمر قد لا يعبأ به على المستوى الشخصي، لكنه يصبح إشكالياً حين ينعكس سلباً على صورة الرئيس الأميركي نفسه.
ويؤكد أن الرسالة الأميركية لنتنياهو كانت واضحة: لا يمكن لإسرائيل أن تمضي في سياسات تضر بالمصالح الأميركية الإقليمية، ولا سيما في لحظة تسعى فيها واشنطن إلى إعادة ترتيب أولوياتها في الشرق الأوسط، وبناء مسارات تهدئة وتطبيع أوسع.
تقارب أميركي مع سوريا الجديدة ورسائل متناقضة إقليميا
في سياق متصل، يشير ليبمان إلى أن الولايات المتحدة تُظهر مؤشرات انفتاح على النظام السوري الجديد بقيادة أحمد الشرع، مستشهداً بإلغاء "قانون قيصر" عقب تصويت في مجلس النواب، باعتباره إشارة سياسية لافتة إلى استعداد واشنطن للتعامل مع الواقع السوري المستجد.
ويضع ليبمان هذا التحول في إطار رؤية أميركية أوسع تهدف إلى خفض منسوب التوتر الإقليمي، وهو ما يتناقض – وفق تقييمه – مع السلوك الإسرائيلي الذي لا يقتصر على زعزعة الاستقرار، بل يضر أيضاً بمصالح إسرائيل نفسها، خصوصاً في ما يتعلق بتوسيع الاتفاقات الإبراهيمية.
الاغتيالات والاتفاقات الإبراهيمية.. معادلة متناقضة
يرى الخبير في السياسة الخارجية الأميركية أن العمليات الإسرائيلية، وعلى رأسها سياسة الاغتيالات، لا تخدم المساعي الأميركية لتوسيع دائرة الاتفاقيات الإبراهيمية.
ويضرب مثالاً بعملية اغتيال قائد بارز في حركة حماس كان من بين منظمي هجمات السابع من أكتوبر، موضحاً أن إسرائيل، وفق تقديره، نجحت في تصفية معظم القادة الذين خططوا أو نفذوا تلك الهجمات، ولم يبقَ سوى قائد واحد يقيم في قطر، فشلت محاولة اغتياله.
خلاف حول وقف إطلاق النار وتباين في تفسير الوقائع
تطرّق ليبمان إلى التوتر الذي شاب العلاقات الأميركية – الإسرائيلية على خلفية وقف إطلاق النار، حيث تعتبر واشنطن أن إسرائيل هي من انتهك الاتفاق، بينما تصر تل أبيب على أن حركة حماس بادرت بالخرق عبر استهداف القوات الإسرائيلية.
غير أن الولايات المتحدة، وفق ليبمان، لم تقبل هذا التفسير، وأبلغت إسرائيل بشكل صريح أن دعمها الأميركي ليس مضموناً في حال لم تلتزم تل أبيب بمسار السلام، مؤكداً أن هذا الموقف يعكس استعداداً أميركياً لاستخدام أدوات الضغط السياسي.
الخطوط الحمراء.. أمثلة على فرض الإرادة الأميركية
قدّم ليبمان ثلاثة أمثلة اعتبرها دليلاً واضحاً على قدرة الرئيس ترامب على فرض خطوطه الحمراء على الحكومة الإسرائيلية. المثال الأول تمثل في الموقف الأميركي الحازم الرافض لضم الضفة الغربية، وهو موقف غير مسبوق لرئيس أميركي، بحسب تعبيره.
أما المثال الثاني، فكان إجبار نتنياهو على تقديم اعتذار علني لأمير دولة قطر عقب محاولة اغتيال استهدفت مفاوضي حماس في ملف الرهائن، إلى جانب التزامه بعدم تكرار هذا السلوك. فيما تمثل المثال الثالث في فرض واشنطن على إسرائيل قبول خطط وقف إطلاق النار، رغم إصرارها السابق على القضاء الكامل على حركة حماس.
