(غادة حلاوي)
تنظر مصادر أمنية رفيعة بعين القلق إلى جولة رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو في المنطقة العازلة جنوب سوريا، مبدية خشيتها من أن تكون مقدّمة لعدوان إسرائيلي بهدف فرض أمر واقع عسكري من جنوب سوريا باتجاه جنوب لبنان مروراً بالبقاع.
موضوع الحرب لم يعد يقتصر على ما يُتداول في تصريحات المسؤولين الإسرائيليين، إذ وصلت إلى لبنان أصداء تنذر بعمل إسرائيلي ما، فنتنياهو لن يتراجع، وقد عبّر أكثر من مرة عن عدم ثقته بقدرة الجيش اللبناني على سحب سلاح حزب الله. ومنذ مدة ليست ببعيدة بدأت الصحافة الإسرائيلية تُصوّب سهامها واتّهاماتها نحو الجيش، معتبرة أنه مقصّر في عمله في جنوب لبنان.
ويمكن اعتبار قرار واشنطن بإلغاء جدول زيارة قائد الجيش اللبناني العماد رودولف هيكل بمثابة رسالة تأييد للموقف الإسرائيلي. فقد عُوتِب هيكل على استعماله كلمة "العدو" في إشارة إلى إسرائيل، فاستنفرت واشنطن.
ولم يكن ممكناً لقائد الجيش الالتزام بالزيارة بعدما تمّ تغيير جدول لقاءاته واقتصرت على شخصيات مغايرة لما كان متفقاً عليه. اعتذر هيكل، فشنت الولايات المتحدة هجوماً عليه بما يكشف بوضوح عن خلاف عميق معها ومع من يدعمه، أي رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون.
إسرائيل ليست عدواً!
وفي تعليلها لخلفيات الخلاف مع قائد الجيش، أبلغت واشنطن لبنان امتعاضها من بيانه الأخير الذي استخدم فيه عبارة "العدو" للدلالة على إسرائيل، وهو يدرك أنها مدعومة من الولايات المتحدة.
والأخطر من إلغاء الزيارة احتمال اتخاذ قرار أميركي بوقف المساعدات للجيش اللبناني، ما ينعكس على المساعي إلى عقد مؤتمر لدعمه في الرياض. وقد تزامن قرار الإلغاء مع زيارة الموفد السعودي الأمير يزيد بن فرحان، الذي قصد لبنان مبلّغاً بوقف القطيعة الاقتصادية مع بيروت، ومباركاً توقيع 14 اتفاقية عالقة بين البلدين، إلى جانب بحث تفاصيل مؤتمر دعم الجيش وإعادة الإعمار.
استفسر بن فرحان عن القرار وخلفياته وأبعاده، معبّراً عن خشيته من أن يؤثر سلباً على مؤتمر دعم الجيش ويؤخر انعقاده، واعتبر أنّ البحث في تفاصيل المؤتمر لم يعد ممكناً قبل معالجة الأزمة المستجدّة، خشية أن تعارض واشنطن عقده مطلع العام المقبل، ريثما يكون الجيش اللبناني قد سلّم أولى تقاريره بشأن سحب السلاح من جنوب الليطاني، على أن تبدأ بعدها المرحلة الثانية الأكثر تعقيداً في شمال الليطاني.
وبحسب ما فهم من حديث الموفد السعودي، فإن المساعدات ستكون على مراحل وخاضعة لما يحققه الجيش اللبناني في موضوع سحب سلاح حزب الله وحصره بيد الدولة. وقد استوضح بن فرحان المراحل التي قطعها ملف حصرية السلاح، وجدوى الحوار الذي يخوضه رئيس الجمهورية مع حزب الله بشأن سلاحه. وفي اللقاءات التي عقدها، ناقش أيضاً موضوع الانتخابات النيابية وتأثير تأخير إجرائها وتصويت المغتربين. وبينما كان مستمعاً بإيجابية لفكرة التأجيل وتصويت المغتربين محلياً، عبّر في لقاءات أخرى عن تمنيّه إجراء الانتخابات في موعدها، وبدا أكثر ميلاً لذلك. وعلى خلاف عادته، اختصر لقاءاته وكان أبرزها زيارته إلى معراب.
الأزمة طوقت زيارة بن فرحان
الأزمة الأميركية مع قيادة الجيش طوقت زيارة بن فرحان وعدّلت جدول أعمالها السياسي، بحيث اختُصر موضوع دعم الجيش وربطه بالموقف السياسي من المؤسسة العسكرية، بينما بقي موضوع إعادة الإعمار مرهوناً بحصرية السلاح وخطة الجيش. أما الجديد في ما بحثه بن فرحان فهو المتعلق باتفاق الطائف، في ظل رأي لبناني يتحدث عن حاجة ملحّة لإعادة النظر بالاتفاق بعد التغييرات التي شهدتها المنطقة، خصوصاً أنه اتفاق شارك فيه النظام السوري السابق وكان مؤثراً في صياغة الكثير من بنوده.
كل هذه المواضيع بقي البحث فيها معلّقاً على تطورات الموقف الأميركي من المؤسسة العسكرية والقائد الأعلى للقوات المسلحة، أي رئيس الجمهورية، الذي أصابته سهام الهجوم على هيكل، لتكون رسالة أميركية شديدة اللهجة للدولة اللبنانية التي لم تُحرّك ساكناً علناً، لكنها تخوض نقاشاً عبر قنوات أميركية لشرح أبعاد القرار ومخاطره وتأثيره السلبي على المؤسسة العسكرية وعملها. فكيف يتم التصويب على مؤسسة مطلوب منها أن تتسلم مسؤولياتها وتبسط نفوذها على كامل الأراضي اللبنانية، ولصالح من يكون هجوم كهذا؟
غادر يزيد بن فرحان لبنان وبقيت ذيول الأزمة موضع نقاش، ربطاً بالوضع في الجنوب واستمرار العدوان الإسرائيلي، وهو الموضوع الذي سيحتل صدارة البحث في اللقاء الثلاثي الذي سيعقد خلال الأيام المقبلة في باريس بين المستشارة الفرنسية التي زارت لبنان مؤخراً، آن كلير لوجاندر، والأمير يزيد بن فرحان، والمبعوثة الأميركية مورغان أورتاغوس.
هدف الاجتماع إيجاد حل للوضع في جنوب لبنان عبر المفاوضات. وقد عبّرت المستشارة الفرنسية كما المسؤول السعودي عن ارتياحهما لإبداء رئيس مجلس النواب نبيه بري مرونة في المشاركة بموفد مدني في المفاوضات غير المباشرة مع إسرائيل، واعتبار ذلك خطوة إيجابية.
لكن ما تبلغه لبنان، وهو الأخطر، أنّ إسرائيل غير مستعدة لقبول أي شرط مسبق للمفاوضات، ولا حتى وقف العدوان، وهي تنتظر انتهاء المرحلة الأولى لعمل الجيش كي تبني على الشيء مقتضاه. ونقلت مصادر دبلوماسية تحذيراً جدياً للبنان بأن رئيس وزراء إسرائيل قد يكون بصدد شنّ ضربات جديدة بعد انتهاء المهلة المعطاة للجيش لإنهاء عمله جنوب الليطاني، وأنه في حال وُجد تقصير في أداء الجيش، فستقوم إسرائيل بما تراه لازماً لسحب سلاح حزب الله وإبعاد خطره.
وتجري اتصالات عبر قنوات دولية مختلفة للتصدي لاحتمال كهذا، خصوصاً أن لبنان أبدى استعداداً للتفاوض، وأن حزب الله أبلغ الرئيس عون أنه سيقف خلف الدولة في أي قرار تتخذه بشأن المفاوضات بعد وقف العدوان.
(المدن)
