في خطوة تصعيدية لملاحقة التسريبات والمعارضة الداخلية، يخطط «البنتاغون» لفرض اتفاقات عدم إفشاء صارمة، وإجراء اختبارات كشف كذب عشوائية على آلاف الموظفين داخل مقره، من ضمنهم عدد من كبار المسؤولين، حسب وثائق حصلت عليها صحيفة «واشنطن بوست» من شخصين مطلعَين على الخطة.
ووفقاً لمذكرة مسوّدة أعدّها نائب وزير الدفاع ستيف فاينبرغ، فإن جميع أفراد القوات المسلحة، والموظفين المدنيين، والمتعاقدين العاملين في مكتب وزير الدفاع وهيئة الأركان المشتركة، ويُقدّر عددهم بأكثر من 5000 شخص، سيُلزمون بالتوقيع على اتفاقات تمنع مشاركة أي «معلومات غير علنية» من دون موافقة مسبقة أو عبر قنوات محددة.
كما تنص وثيقة أخرى على إنشاء برنامج لاختبارات كشف الكذب (البوليغراف) بشكل عشوائي، دون تحديد من تشملهم هذه الفحوصات، ما يفتح الباب لتطبيقها على الجميع من كبار الضباط إلى المساعدين الإداريين.
وتندرج هذه الإجراءات ضمن استراتيجية أوسع تعتمدها إدارة ترمب و«البنتاغون» لاستبعاد المسؤولين الذين يُعتبرون «غير موالين بما فيه الكفاية»، أو يُشتبه في تواصلهم مع وسائل الإعلام.
ورفض المتحدث باسم «البنتاغون»، شون بارنيل، التعليق على تفاصيل هذه التوجيهات، واصفاً تغطية الصحيفة بأنها «غير صحيحة وغير مسؤولة».
ضابط عسكري كبير يرتدي الزي الرسمي المزخرف بالوسام والشهادات العسكرية في اجتماع دعا إليه وزير الدفاع الأميركي بيتر هيغسث (رويترز)
ضابط عسكري كبير يرتدي الزي الرسمي المزخرف بالوسام والشهادات العسكرية في اجتماع دعا إليه وزير الدفاع الأميركي بيتر هيغسث (رويترز)
تكتيكات ترهيبية
ورأى مسؤول سابق أن الإجراءات لا تهدف إلى مواجهة التجسس الأجنبي بقدر ما تهدف إلى إخراس من يُعتقد أنهم يسربون معلومات للصحافة.
وقال: «هذه تكتيكات ترهيبية تهدف بالأساس إلى خلق مناخ من الخوف داخل بيئة العمل».
كما اعتبر أن سياسة عدم الإفشاء الجديدة ليست إلا تكراراً للقيود الحالية، مشيراً إلى أن التواصل مع الصحافة يتطلب إفصاحاً مسبقاً. وأي حديث علني يجب أن يخضع للمراجعة سواء كان الحدث مصنّفاً أم لا.
وأضاف: «من يتم اطلاعه على برامج استخباراتية يكون أصلاً ملزماً باتفاقات سرية سارية».
وأوضح المحامي المتخصص في قضايا الأمن القومي، مارك زايد، أن هذه الخطوة تهدف إلى فرض الولاء السياسي وليس إلى حماية الأمن القومي، وسأل: «لماذا يتم فرض (البوليغراف) الآن؟ ولماذا اتفاقات عدم الإفشاء الواسعة؟ الأمر يبدو كأنه محاولة لتخويف الموظفين وتشديد السيطرة».
قيود غير مسبوقة على الإعلام
يتزامن هذا التوجه مع تشديد وزير الدفاع بيت هيغسيث للقيود على الصحافيين داخل «البنتاغون»، إذ لم تُعقد سوى 6 مؤتمرات صحافية في القاعة الرئيسية منذ يناير (كانون الثاني)، اثنان منها فقط عقب الضربات الجوية التي شنتها قاذفات B-2 على إيران في يونيو (حزيران). وكانت الإدارات السابقة تعقد مؤتمرات أسبوعية بشكل منتظم.
كما قلّصت الوزارة عدد الصحافيين المسموح لهم بمرافقة الوزير في جولاته، في حين لم يعقد رئيس هيئة الأركان المشتركة، الجنرال دان كين، أي مؤتمر صحافي مستقل حتى الآن.
وبتوجيه من هيغسيث، أُجبرت العديد من وسائل الإعلام على إخلاء مكاتبها داخل مبنى «البنتاغون»، في حين تلقّت أفرع الجيش تعليمات بتقليص تعاملها الإعلامي.
تهديد بسحب الاعتماد الصحافي
وفي خطوة أثارت قلق المؤسسات الإعلامية، فرض «البنتاغون» مؤخراً على الصحافيين توقيع اتفاق يمنعهم من جمع أو طلب أي معلومات، حتى لو كانت غير سرية، ما لم تكن مصرحاً بها رسمياً، مهدداً بسحب الاعتماد الصحافي لمن لا يلتزم بذلك. وأمهلت الوزارة الصحافيين حتى نهاية الشهر الحالي للتوقيع.
وفي سياق مماثل، ألغى «البنتاغون» مشاركته في الفعاليات والمؤتمرات الفكرية العامة، التي كانت عادة منابر للحوار بين القادة العسكريين والخبراء. وقالت الوزارة في يوليو (تموز) إن القرار جاء لضمان «عدم ربط اسم وزارة الدفاع أو مصداقيتها بأي منتدى أو جهة تتعارض مع قيم هذه الإدارة».