HI,{{username}}
Manage account
Change password
HEADLINES
{{headlineCount}} new {{headlineCount == 1 ? 'update' : 'updates'}}
+ MORE HEADLINES

زيارة باراك: تقاطع الديبلوماسية مع الجبهات المفتوحة

21
JUNE
2025
  • {{article.caption}}
  • {{article.caption}}
A
+
A
-
Print
Email
Email
A
+
A
-

أنطوان الأسمر -

حلّت زيارة توم باراك، السفير الأميركي في تركيا والمبعوث الخاص إلى سوريا، إلى بيروت، في لحظة إقليمية بالغة الحساسية، تختلط فيها المسارات العسكرية بالرهانات السياسية، من جبهات غزة والجنوب إلى طهران وتل أبيب، مروراً بمسقط وبيروت. لكن هذه الزيارة، على الرغم من طابعها الديبلوماسي، لا تخلو من أبعاد استراتيجية عميقة، تُشير إلى عودة أميركية متأنّية إلى الملف اللبناني، في توقيت لا يمكن عزله عن حسابات الحرب والسلام في المنطقة.

على وقع التصعيد المتنامي بين إيران وإسرائيل، ومع ازدياد احتمالات المواجهة المباشرة، تحاول واشنطن أن تمسك بخيوط اللعبة في إحدى أكثر الساحات هشاشة، وهي لبنان، عبر قناة باراك، الشخصية التي تجمع بين الطابع الرسمي والبعد الرمزي، بوصفه لبنانياً أميركياً مطّلعاً على تعقيدات البلد وتوازناته الطائفية والسياسية. وهذا البعد الشخصي، وإن بدا تفصيلاً بروتوكولياً، إلا أنه يضفي على الزيارة طابعاً خاصاً، ويكشف عن نية أميركية في إعادة بناء جسور التواصل التي انهارت جزئياً في ظل الانكفاء الأميركي النسبي في السنوات الأخيرة.

ما حملته زيارة باراك من دلالات، لا يقتصر على لبنان فحسب، بل ينسحب على خريطة النفوذ والمصالح في الشرق الأوسط. فبينما تنشط القنوات الخلفية بين واشنطن وطهران في سلطنة عمان، يظهر أن لبنان عاد ليشكّل إحدى أوراق التفاوض غير المعلنة، سواء كجبهة مفتوحة أو كأرض محايدة تُستخدم لتمرير الرسائل والضغوط.

بحسب المعلومات المتداولة، حمل باراك في جعبته رسائل ثلاثية الأبعاد:
-أولاً، تذكير بضرورة التزام لبنان بالقرار 1701 وضبط الوضع في الجنوب، بما يشمل منع حزب الله من التصعيد أو الاستفزاز.
-ثانياً، محاولة تقييم الواقع اللبناني في ضوء التجاذبات الحاصلة تحديدا في ملف السلاح والهشاشة السياسية والاجتماعية.
-ثالثاً، الدفع باتجاه تفعيل الدور الأممي، ولا سيما توسيع هامش تحرك "اليونيفيل" وربما إعادة النظر في مهمّتها بما يواكب التحوّلات الأمنية.
لا يخفى أن واشنطن، من خلال هذه الزيارة، تواصل محاصرة حزب الله سياسياً، بعدما أثبتت العمليات الأخيرة أن الحزب بات حذراً جداً في كيفية انخراطه في المواجهة الكبرى التي تخوضها طهران. وقد فهمت واشنطن، كما تل أبيب، أن الحزب يتجنّب الانزلاق إلى حرب مفتوحة، وأنه يعيد ترتيب أولوياته بما يحمي الداخل من الانهيار الكامل، ويؤمّن له الاحتفاظ بجزء من قوته الردعية في الجنوب.

غير أن هذه المعادلة لا تبدو مستقرة. فإسرائيل لم تُنهِ عملياتها في الجنوب، ولا تزال تخرق السيادة وتحتفظ بوجود عسكري في نقاط لبنانية، ما يُضعف أي مناخ دولي يسعى إلى ضبط سلوك الحزب فقط من دون مساءلة إسرائيل. لذا قد تصطدم الرسائل الأميركية التي حملها باراك بالواقع الميداني، الذي لا يُتيح حلولاً أحادية الجانب، بل يتطلب مقاربة شاملة تنطلق من ضرورة إنهاء الاحتلال واستعادة السيادة، قبل الحديث عن نزع السلاح كاملا.

اللافت في زيارة باراك، هو توقيتها الذي يتزامن مع التغيّر في تركيبة فريق الأمن القومي المسؤول عن المنطقة، مما يعزّز الانطباع بأن الإدارة الأميركية بصدد إعادة رسم مقاربتها تجاه بيروت. وبدلاً من الاعتماد على خطابات المواجهة المباشرة، تحاول واشنطن توظيف أدوات الضغط الناعم، عبر زيارات وتواصل مباشر مع مختلف القوى، في محاولة لصوغ حلٍّ واقعي يراعي موازين القوى الداخلية ويمنع الانهيار الكامل.

وفي خلفية المشهد، تبقى الحسابات المرتبطة بالملف النووي الإيراني والمفاوضات غير المباشرة مع طهران حاضرة بقوة. فلبنان بات إحدى ساحات اختبار النفوذ، وواشنطن تريد أن تضمن ألا يتحوّل ورقة إيرانية تُستخدم عند الحاجة.

خلاصة زيارة باراك، والدينامية الأميركية عموما، أن لبنان لا يزال في عين العاصفة، لا فقط بفعل قربه الجغرافي من خطوط النار، بل بسبب ضعفه السياسي وقلّة مناعته الاجتماعية - الديموغرافية. لذا في الإمكان مقاربة زيارة الموفد الأميركي على أساس أنها تشكّل فرصة – وربما إنذاراً – بأن اللحظة الإقليمية لا تحتمل المزيد من التخبّط الداخلي. فإما أن ينجح لبنان في تثبيت وضعه على خط الحياد، أو ينزلق من جديد إلى مواجهة قد تكون أكثر تدميراً من سابقاتها.

لكن الأكيد أن واشنطن عادت إلى لبنان، وإن عبر قنوات غير تقليدية، وهي تستعدّ لمواكبة المرحلة المقبلة من المواجهة الإيرانية–الإسرائيلية، حيث لبنان ليس تفصيلاً، بل مفصلاً حاسماً في لعبة الشرق الأوسط الجديدة.


MORE ABOUT
ADVERTISE HERE
JUST IN
TRENDING
HEADLINES
{{headlineCount}} new {{headlineCount == 1 ? 'update' : 'updates'}}
+ MORE HEADLINES
TRENDING