لينا ن.
ينطلق الدكتور عماد إدوار مراد في مقاله في "نداء الوطن" بعنوان "حليف الحليف حليف، سردية مختلفة عن العلاقة بين "التيار الوطني الحر" وحركة "أمل"، من فرضيّة جاهزة، ثم يضع على قياسها ترتيباً غير مكتمل لا هو موثّق ولا تو موصوعي، في محاولة لتظهير العلاقة بين التيار الوطني الحر وحركة أمل كتحالف استراتيجي ثابت، متجاهلًا الفارق الجوهري بين التقاطع المرحلي والتحالف العضوي. وهذه مغالطة سياسيّة ومنهجيّة معًا.
منذ عودة العماد ميشال عون سنة ٢٠٠٥، لم يُخفِ التيار الوطني الحرّ توصيفه لرئيس المجلس النيابي كرمز من رموز الدولة العميقة. وما يسميه المقال “تليينًا في الخطاب” لم يكن سوى تمييز واعٍ بين الخصومة السياسية وعدم الانزلاق إلى خطاب طائفي بعد حرب تموز ٢٠٠٦، وهو خيار وطني لا يُحوَّل إلى دليل تحالف.
الخلط المتعمّد بين الوجود في ضفّة سياسيّة واحدة في لحظة انقسام عمودي وبين التحالف الاستراتيجي الدائم، يُسقط المقال في قراءة تبسيطيّة. فالتيار لم يكن يومًا جزءًا من بنية “الثنائي الشيعي”، ولم يوقّع أي ورقة سياسية مع حركة أمل، فيما الوثيقة الموقّعة مع حزب الله واضحة ومعلنة، وكذلك ما آلت إليه نتيجة الترسّبات التي لحقت بها.
أما الاستشهاد بمحطّات ٢٠٠٧-٢٠١١، والاعتصامات والانسحابات النيابيّة، فهو تجاهل للسياق. تلك المرحلة كانت صراعًا على توازن النظام السياسي وصلاحيات رئاسة الجمهورية ودور المسيحيين، لا اندماجًا في مشروع حركة أمل. والدليل أن الخلاف بقي قائمًا، وظهر بأوضح أشكاله في عهد الرئيس العماد ميشال عون. ومعروف مَن تحالف مع مَن لتعطيل مشاريع الإصلاح والتدقيق والتعيينات، بشهادة الوقائع لا الشعارات.
أما الادعاء بأن التيار غطّى “فساد أمل”، فيتجاهل حقيقة أساسيّة: التيار لم يمتلك يومًا أكثرية نيابيّة ولا سلطة منفردة تسمح له بالمحاسبة، بل اصطدم مرارًا بجدار الدولة العميقة التي يشكّل من ينتمي إليهم الدكتور عماد إدوار مراد سياسياً أحد أعمدتها أقلّه منذ سنة ٢٠٠٥. والخلافات العلنيّة، من الموازنة إلى الكهرباء إلى التعيينات وغيرها الكثير، موثّقة ولا تحتاج إلى اجتهاد.
في المقابل، يتغاضى الكاتب عن التاريخ المميّز للعلاقة بين الرئيس نبيه بري والقوات اللبنانية، التي لم تكن يومًا علاقة قطيعة مبدئيّة كما يُراد تصويرها. فمنذ ما بعد الطائف، شكّل بري مظلّة أساسيّة لإعادة تعويم القوات سياسيًا، وساهم في فتح قنواتها مع النظام السوري السابق، ثم كان شريكًا في تسويات مفصليّة داخل المجلس النيابي والحكومات المتعاقبة، وصولًا إلى تقاطعات واضحة في مراحل انتخابيّة وتشريعيّة وميدانية (وليس آخرها واقعة عين الرمانة سنة ٢٠٢١). هذا التاريخ، الذي يعرفه أهل السياسة، يُغفله الدكتور عماد إدوار مراد عمدًا لأنّه لا يخدم سرديّة الاتهام.
التيار الوطني الحرّ لم يكن “حليف أمل”، بل في الغالبية الغالبة من الأحيان خصم معسكر التقاطع والتناغم والتآلف بين أمل والقوات.