الأخبار: على رغم توافد المشاركين باكراً، سرعان ما قرّر «المجلس الإسلامي العلوي» فضّ الاعتصامات المطالبة بالفدرالية، على خلفية العنف المفرط الذي قابلتها به السلطة الانتقالية.
رنا محمد-
قبل وقت قليل من انطلاق اعتصامات «طوفان الكرامة» في مدن الساحل السوري ومصياف وريفَي حماة وحمص، أصدر «المجلس الإسلامي العلوي الأعلى في سوريا والمهجر» بياناً طالب فيه المتظاهرين بالعودة إلى منازلهم حفاظاً على سلامتهم، وذلك على خلفية القمع الذي تعرّض إليه المتظاهرون على أيدي مناصري السلطة وبعض عناصر الأمن العام، محمّلاً «سلطة الأمر الواقع، المسؤولية المباشرة عن قمع المتظاهرين العُزَّل، بعد استخدامها كل أشكال الإرهاب والترهيب: من نحر باستخدام السكاكين والسواطير، وإطلاق الرصاص الحيّ بشكل مباشر»، فضلاً عن عمليات دهس عند دوّار الأزهري في اللاذقية.
وأسفرت هذه الوقائع التي «تُعدّ انتهاكاً فاضحاً للقوانين الأساسية والمواثيق الدولية»، عن وقوع ضحايا لم يُعرَف عددهم على وجه الدقة، فضلاً عن إصابة عشرات المدنيين. وكانت السلطات الانتقالية استدعت الدبابات والأرتال العسكرية إلى مناطق الساحل، وفرضت حظراً للتجوال فيها، وسط معلومات عن بدء حملة اعتقالات في عدد من المدن والقرى. أيضاً، أطلقت أيدي البدو في عدد من قرى ريف حماة الغربي، كالمحروسة وأصيلة المحيطة بها، حيث دخلت دراجات نارية وسيارات وأطلقت النار بشكل عشوائي، فيما لم تسلَم المحال التجارية والمنازل. كذلك، سُيّرت دوريات أمنية في تلك القرى، في محاولة لتخويف الأهالي ومنعهم من المطالبة بحقوقهم.
يدافع البعض بأنّ الفدرالية باتت تُطرح كآلية لـ«تفادي الانفجار لا لتوسيعه»
ويُعدّ هذا التحرُّك الثاني من نوعه في أثناء الأشهر الأخيرة، وهو جاء ليعبّر عن تزايد الشعور بالتهديد وغياب الأمان لدى شرائح واسعة من أبناء الطائفة العلوية، خصوصاً في ظلّ استمرار الانتهاكات والجرائم، وآخرها التفجير الذي استهدف مسجد الإمام علي بن أبي طالب في حمص، وعدّته المرجعية الروحية للطائفة، تعبيراً عن «تهديد وجودي» تتعرّض إليه.
وشكّلت هذه الوقائع، وفق المشاركين الذين بدأوا بالتوافد باكراً، نقطة تحوُّل أنهت التردّد في المشاركة العلنية، رغم التحذيرات ومحاولات إغلاق الطرق المؤدّية إلى الساحات. ويقول مشاركون إنّ لافتات كتبت في بعض المناطق لتصوير التحرّك على أنه دعم للنظام السابق، بينما يؤكّد المحتجّون أنّ مطالبهم تتعلّق بحقوق «العيش الآمن»، ووقف الاعتقالات التعسّفية، ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات بعقلية عدالة انتقالية لا تقوم على مبدأ العقاب الجماعي.
كسر حاجز الخوف
وفي ما دلّ على وضع أكثر تنظيماً من ما كان عليه الاعتصام السابق، بدأ توافد المشاركين قبل الموعد المحدّد، في ظلّ التركيز على مطالب واضحة وتجنُّب الهتافات الطائفية. ويشير أحمد، الشاب الثلاثيني من ريف حماة الغربي، الذي حمل لافتة كتب عليها «الفدرالية إنهاء للتهميش وتأسيس للعيش المشترك»، إلى أنّ «الفدرالية ليست تقسيماً كما يروّج البعض. نحن نبحث عن إطار قانوني يحفظ حياتنا. يتّهمون العلويين بالانفصال وهم يتجاهلون أنّ غياب الأمان هو ما دفعنا إلى المطالبة بإدارة محلّية تحمينا. نحن لسنا دعاة صراع، لكن لا يمكننا الاستمرار تحت التهديد الدائم». ويضيف، في حديثه إلى «الأخبار»، أنّ حوادث القتل التي تصنَّف باعتبارها «فردية» لم تَعُد حالات معزولة، بل باتت سلسلة طويلة وضعت الشبان بين خيارات: البقاء محاصرين في منازلهم، أو المخاطرة بالهجرة، أو الاعتقال.
وسجّل الاعتصام أيضاَ، قبل الإعلان عن فضّه، حضوراً ملحوظاً للنساء، في ما اعتبر مؤشّراً إلى تغيّر المزاج العام. وتروي نهى، المدرّسة من قرى اللاذقية، أنها تعيش كغيرها من الأمهات والزوجات «في ظلّ خوف يومي على أبنائنا: الاعتقال أو الخطف صار احتمالاً حاضراً في كلّ لحظة. حتى بيوتنا لم تَعُد آمنة. الفقر والحصار وغياب الرواتب يدفعنا إلى المطالبة بحقوق أساسية، لا بامتيازات. نريد فقط أن نعيش بكرامة». وتلفت إلى أنّ الكثير من النساء فقدن المعيل بعد حلّ الجيش السابق وانقطاع الرواتب، ممّا جعل المشاركة، رغم المخاوف، «أقلّ قسوة من الصمت».
وإلى المدن، برزت مشاركة القرى الريفية التي تعاني مستويات مرتفعة من الفقر. وتقول صحافية من ريف حماة: «كان الناس يخشون المشاركة حتى في أبسط المواقف السلمية، لكن بعدما وصل الضغط حدّاً لا يُحتمل، قرّر الأهالي أنّ الصمت لم يَعُد يحميهم. كتبوا لافتات عن العيش المشترك وإخراج المعتقلين وحماية الحريات. هذا ليس مشروع انفصال، بل محاولة للنجاة». وتشير إلى أنّ استمرار التعامل مع المناطق العلوية بوصفها «مسؤولة جماعيّاً عن النظام السابق» خَلَقَ شعوراً عاماً بالخطر، مدافِعةً بأنّ الفدرالية باتت تُطرح كآلية لـ«تفادي الانفجار لا لتوسيعه». وفي الاتجاه نفسه، يقول طالب الحقوق وسيم، الذي اضطرّ إلى ترك دراسته في حمص والانتقال إلى اللاذقية: «الدوريات تنتشر في قريتنا منذ الصباح لمجرّد علمهم بأنّنا سنشارك. الشيخ غزال غزال تحوّل إلى صوت جامع لأنه يعبّر عن معاناتنا بطرق سلمية. لو استمعت السلطة المؤقّتة إلى هذه المطالب مبكراً لما وصلنا إلى هذا الوضع. نطالب بالحماية، لا بالمواجهة».