ليست المرة الأولى التي يشير فيها رئيس الجمهورية صراحة إلى عمليات الدس الرخيصة التي يمارسها البعض ليس فقط ضد الحكم بل ضد لبنان، هذا البعض الذي بات واضحاً مدى ارتباطه بمطابخ داخلية تعمل ليل نهار على تشويه صورة العهد في الخارج والنيل من حرمة الجيش وقدسيته، وإذا كان البعض قد أعلن أن للأميركيين سفارة كبيرة في بيروت وهم على اضطلاع بدقائق الأمور وحيثياتها، فإن هذا شيء وإن عمليات نقل الأخبار والدسائس إلى الإدارة الأميركية بواسطة لبنانيين معروفو الهوى والهوية شيء آخر. ففي الحالة الأولى فإن تزويد الإدارة بمعلومات حول أنشطة الحكومات المعتمدة لديها هي عملية بحت تقنية وتدخل ضمن النشاط الدبلوماسي، أما في لحالة الثانية فإن تزويد الخارج بمعلومات ووثائق وتحاليل يشكل عملاً تجسسياً إن لم نقل تخريبياً. وقد بات ظاهراً للعيان نشاط الغرف السوداء الممولة من قبل لبنانيين والتي تضم إعلاميين وسياسيين ومحللين ومدى تأثيرها إن على الداخل وإن على الخارج، حتى أن الأصابع تشير إلى الارتباط الوثيق لهؤلاء مع أجهزة المخابرات الخارجية الذين يعملون بشكل يومي بغية تفخيخ المواقف اللبنانية.
بعد تفخيخ زيارة قائد الجيش هنالك محاولة لتفخيخ نتائج اجتماع باريس
لقد اعلن السفير الأميركي في بيروت عن وجود مساعٍ حثيثة لإعادة تفعيل زيارة قائد الجيش إلى واشنطن، وأن الأمور وُضعت على السكة الصحيحة لتسهيل هذه الزيارة بعد أن تم تفخيخ موعدها الأول والتي كان مزمعاً حدوثها في وقت سابق، ومن المعلوم أن هنالك من سعى في السر وفي العلن إلى إظهار الجيش بموقف المقصر أو الغير قادر على إتمام عملية حصر السلاح جنوب الليطاني. ولكن سرعان ما جاء اجتماع باريس والذي عقد بحضور قائد الجيش ومشاركة موفد السعودية الأمير يزيد بن فرحان والموفد الفرنسي إلى لبنان جان إيف لودريان والموفدة الأميركية إلى لجنة الميكانيزم مورغان أورتاغوس، ليبرهن عكس ذلك، هذا وقد اسفر اجتماع باريس عن اتفاق أطرافه الثلاثة فرنسا والولايات المتحدة والسعودية على دعم الجيش محدداً شهر شباط المقبل موعداً لعقد المؤتمر الدولي لمساندة القوات المسلحة اللبنانية. وأشار بيان الإليزيه أن ممثلي الدول الثلاث اتفقوا وفي إطار سعيهم لتوفير الدعم للبنان في جهوده الرامية إلى تنفيذ وقف الأعمال العدائية مع إسرائيل على إنشاء لجنة عمل ثلاثية للتحضير للمؤتمر المذكور، وأعربت الأطراف عن دعمها للقوات المسلحة اللبنانية وللتضحيات التي تقدمها. ولكن وبالرغم من كل ذلك وبالرغم من التقييم الإيجابي لعمل الجيش عملت بعض المطابخ ومن ضمنها أفرقاء سياسيين إلى إعطاء صورة مغايرة عن الواقع في محاولة لإظهار الجيش وكأنه لا يقوم أو لا يريد القيام بواجبه في عملية حصرية السلاح، وفي معرض التاكيد على ذلك عمد هؤلاء إلى بث اخبار مفادها أن الدول الثلاثة غير راضية عن عمل الجيش وبالتالي كان تأجيل موعد مؤتمر دعم الجيش إلى شباط المقبل.
الغرف السوداء المحلية تقوم بعمليات الدس ولكنها ليست وحدها
كان مفاجئاً أن يقوم أفرقاء منتمين إلى الحكومة إلى التصويب على الجيش، وذلك في معرض إظهاره بموقع الضعيف والغير قادر، ولكن الأدهى أن يقوم هؤلاء بانتقاد الأعمدة الثلاثة للحكم أي رئاسة الجمهورية والمجلس والحكومة مدعين أن هؤلاء يشكلون مظهراً من مظاهر الترويكا المتجددة التي كانت قائمة في الزمن السوري. من هنا فإن الحكومة ومكوناتها المؤلفة من الثنائي ونواف سلام والحريرية السياسية والقوات اللبنانية والإشتراكي وغيرهم، باتت في موقع لا تحسد عليه وبالتالي فإن التركيبة المؤلفة من الجميع ولكن طبعاً باستثناء التيار الوطني الحر باتت لا تشكل أكثرية للحكم إنما أكثرية للتعطيل، وبالتالي فإنها مهددة بالانفجار في أية لحظة، وبالتالي فإن إعادة النظر فيها أصبحت واجبة. بالرغم من أن الحكم ومنذ نشأته نعم بدعم دولي لا سابق له حتى أن الخطوات التي سبق وأعلنها لا سيما في موضوع حصرية السلاح لم تكن لتتم لولا الدعم الدولي لها، والسؤال المطروح " شو عدا ما بدا "؟ فهل انفخت الدف إيذاناً بتفرق العشاق؟ لقد بات واضحاً أن البعض بدا يراهن على عملية إسرائيلية بدعم أميركي وشيكة الحدوث وهم يحاولون الهرب من المركب الذي يتهاوى وكما يقول المثل الفرنسي " sauve qui peut ". إن رهان الحكم وإعلانه عن قرب تنفيذ عملية احتواء السلاح وتوسيعها إلى شمال الليطاني أي ما بين النهرين لتشمل السلاح الفلسطيني في المخيمات، يتطلب حكومة متجانسة متماسكة لذا بات من الضروري تشكيل حكومة جديدة قادرة على المضي في المرحلة القادمة وذلك إنقاذاً لمصداقية الحكم.