<
18 December 2025
“القوات”: أكبر ماكينة دعاية مجانية للتيار الوطني الحر - بسام الترك

‎غرق التيار الوطني الحر لفترة في وهم سياسي، مفاده أن مجرّد تذكير المسيحيين بتاريخ وجرائم سمير جعجع الموثّقة تاريخيًا وقضائيًا، والمحفورة في ذاكرة أجيال ما زالت حاضرة وشاهدة، كافٍ لمنع المتقلّبين والوسطيين من التفكير، ولو للحظة، بالتصويت لمصلحة “القوات اللبنانية”.
هذا الرهان، رغم مشروعيته الأخلاقية، أثبت مع الوقت أنه غير كافٍ في زمن التضليل المنهجي وتبدّل الأولويات لدى شريحة من الناخبين، خصوصًا مع صعود الخطاب الشعبوي والطائفي المحرّض وتراجع منسوب المحاسبة التاريخية.

ومع مرور الزمن، اضطرّ التيار إلى تقبّل ما لا يقبله عقلٌ سليم: أن شريحة من الجمهور المسيحي صدّقت حملة الكذب والتضليل التي قادتها القوات اللبنانية، واتهمت فيها التيار الوطني الحر ومؤسسه الرئيس ميشال عون، وقائده النائب جبران باسيل، بالفساد والسرقة والعمالة، من دون أي أحكام قضائية أو وقائع موثّقة، مستندة إلى تكرار الاتهامات الكاذبة حتى تحوّلها، في أذهان البعض، إلى “حقيقة”.

وللأمانة، لم تكن القوات اللبنانية "بعدتها الفكرية" وحدها من نجح في شيطنة التيار وقياداته. فإلى جانب خطابها التحريضي، لعب إعلام متواطئ، ومنصّات ممولة، ومؤثّرون وصحفيون مأجورون دورًا مركزيًا في تضخيم وتسويق الأكاذيب، وتجاهل الوقائع، وتقديم سردية أحادية الهدف: تحميل التيار وحده مسؤولية الانهيار وكل مصائب لبنان، وتبرئة الشركاء الفعليين في السلطة والنهب.

لم يطل الوقت حتى أعاد التيار الوطني الحر النظر في مقاربته، فبدّل أسلوب الردّ، وطوّر خطابه، وانتقل من الدفاع الانفعالي إلى المواجهة بالحجّة والوقائع. والمفارقة أن من قدّم للتيار المادة الأوضح والبراهين الأقسى لم تكن سوى القوات نفسها:
ففشلها في الحكم، سواء في الوزارات التي تولّتها أو في خطابها وخياراتها السياسية، شكّل شهادة حيّة ضدها. كما أن عامل الوقت وتسلسل الأحداث كذّبا كل “نظريات وحِكَم الحكيم”، وأثبت وطنية خيارات التيار وصوابية تموضعه، وأسقط تباعًا اتهامات العمالة، وعرّى زيف شعارات “السيادة” الانتقائية، وبرّأ قياداته من تهم الفساد والسرقة التي لم يثبت منها شيء.

لقد ساهمت القوات اللبنانية، وما زالت، من حيث تدري أو لا تدري، في تقديم “هدايا سياسية” ثمينة للتيار. والتيار، على عكس ما يشتهيه خصومه، لم يُدر “دينته الطرشة”، بل راكم الوقائع وواجه بالحجّة والقرينة، إذا أضحى القول “الحُرّاس لا ينعسون”، ينطبق على حرّاس الكرامة والوطنية والنزاهة والشراكة والعيش الواحد: العونيون والتياريون الذين لم يساوموا ولم يبيعوا تاريخهم ولا ضميرهم ولا روحهم، ولم يبدّلوا خطابهم تبعًا للرياح.

أما القوات اللبنانية، فما زالت تدور في الحلقة نفسها: الاتهامات الكاذبة ذاتها، والشعارات المستهلكة نفسها، رغم أن حقيقتها باتت معروفة للرأي العام.
وإن دلّ هذا الإصرار على شيء، فعلى الإفلاس السياسي والتخبط الذي يعيشه شارعها. فبينما يواجه التيار بالدلائل والوثائق والمنطق، لا نسمع من القوات سوى السباب، و”الكليشيهات” المبتذلة، والأكاذيب القديمة التي فضحتها الأحداث، أو فشلهم الذريع في مواقع الحكم التي يشغلونها.

الجميع، باستثناء القوات، يعرف أن التيار الوطني الحر لم يكن يومًا تابعًا لأي قوة خارجية، لا غربية ولا شرقية ولا عربية، وأن قراره السياسي كان دائمًا نابعًا من قناعته ومصلحة لبنان كما يراها.
الجميع يعلم إلّا القوات أن السلاح مغطى منذ ١٩٩٠، وأن التيار لم يغطّي السلاح إلا للدفاع عن لبنان، ونزع الغطاء عندما استُعمل للهجوم والدفاع عن بلد غير لبنان.
الجميع، إلّا القوات، يعلم أن عدم إنجاز السدود وخطة الكهرباء لم يكن بسبب وزارة الطاقة، بل بسبب وزارة المالية التي حجبت التمويل، وبسبب مافيات المولدات والمازوت التي حاربت أي حلّ مستدام.
الجميع، إلّا القوات، يعلم أنه لا صفقة في ملف البواخر، ولا كلفة تأجيرية عليها كما روّج، بل كانت شراء طاقة أقل كلفة من طاقة المولدات الخاصة.
الجميع، إلّا القوات، يعترف بأن القوات كانت رأس حربة في اتهام التيار بالعنصرية، وفي الوقت نفسه من أكثر القوى التي استثمرت سياسيًا في ملف النازحين السوريين، إمّا للمزايدة أو للاستخدام الانتخابي.
الجميع، بمن فيهم حلفاؤهم السابقون في 14 آذار وعدد من نواب 17 تشرين، يعلم أن القوات لا تعتبر رياض سلامة مسؤولًا عمّا حصل في الانهيار المالي، بل أبدت ارتياحها الضمني لإطلاق سراحه.
الجميع، إلّا القوات وبعض المرتزقة السياسيين، لا يبرّئ إسرائيل من خروقاتها وجرائمها اليومية بحق لبنان.
والجميع، إلّا القوات، يعلم يقينًا أن وزراء التيار، وعلى رأسهم جبران باسيل، أبرياء من أي تهمة فساد أو سرقة، لغياب أي حكم أو إثبات قانوني حتى اليوم.

الغارق اليوم في اتهامات قديمة، كاذبة، وباطلة، وعقيمة، هو القوات. والمشكلة الأكبر التي تواجهها هي عجزها عن إيجاد زاوية جديدة ذات صدقية ومصداقية للهجوم على التيار. وما لا يساعدها أكثر هو أنه في موقع الحكم، وفشلها يومي في الخارجية والطاقة، فيما التيار في موقع المعارضة، واتهامات التيار لها مبنية على وثائق ومنطق، أو على أقوالها وأفعالها وتناقضاتها التي لا تُحصى.

كل ما سبق ليس تنظيرًا، بل توصيف لواقع عاشه ويعيشه اللبنانيين عامة وكل عوني وتياري خصيصًا. 

من هنا نفهم تخبّط جمهور القوات وجنونه وفجوره على مواقف التواصل الإجتماعي، وبموازاة هذا التخبط يذكّر ارتياح وانسجام التيار في هجومه الفعّال، بشخصية 7up "اللذيذ والرايق"، فالتيار يتكتك بالقوات بثبات، ونراه عكس القوات، مستعجل لخوض الاستحقاق النيابي المقبل، لتثبيت عودته، وترسيخ حضوره، واستعادة ثقة الناس به على أساس الوقائع، لا الأوهام والكلام الشعبوي.
فكروا فيا