علي نور الدين-
تستمرّ حتّى هذه اللحظة الاجتماعات المتواصلة ما بين فريق العمل الحكومي، وخبراء صندوق النقد، للتوصّل إلى مسودّة نهائيّة لقانون الفجوة الماليّة.
"المدن" تنفرد بنشر الورقة الكاملة، التي قدّم من خلالها خبراء الصندوق ملاحظاتهم على آخر مسودّات القانون. مع الإشارة إلى أنّ عدّة اجتماعات تشاوريّة جرى عقدها بين الفريق الحكومي وخبراء الصندوق، عقب صدور هذه الملاحظات، بهدف معالجتها والوصول إلى صيغة "لا تثير اعتراضاً حاداً من جانب الصندوق" بحسب مصادر ماليّة.
المسودّة تحتاج إلى تعديلات
تشير ورقة الصندوق إلى أنّ المسودّة تحتاج إلى "تعديلات مهمّة"، لضمان امتثالها للمبادئ الدوليّة لإعادة هيكلة القطاع المصرفي، ولضمان "متطلّبات التنفيذ بشكلٍ صريح". وعلى نحوٍ أدق، تشير الورقة إلى أنّه في "المسودة الحالية، يتحمل المودعون الخسائر أولًا، كما أن المخاطر القانونية التي قد تعرقل إعادة هيكلة القطاع المصرفي مرتفعة جدًا، وتُلقى جميع الاحتمالات الطارئة على عاتق مصرف لبنان وفي نهاية المطاف على عاتق الحكومة". ولمعالجة هذه المخاوف، "نقدّم (الصندوق) التعليقات والاقتراحات المحددة التالية، مع الإشارة إلى بقاء بعض الأسئلة العالقة التي تتطلب مزيدًا من النظر".
تشير الورقة إلى أنّه "من غير الواضح وفقًا لأي معايير سيتم إجراء تدقيق مصرف لبنان (BdL) ومراجعة جودة الأصول (AQR) للمصارف. ولذلك، تبرز الحاجة إلى نصّ صريح يفرض إجراء عمليات التدقيق ومراجعات جودة الأصول لكل من مصرف لبنان والمصارف وفق المعايير الدولية، بهدف تحديد فجوة رأس المال بطريقة متّسقة. كما ينبغي أن تتولى شركات تدقيق دولية مستقلة إجراء التشخيص المتعلق بالمعاملات غير النظامية، بما يوفر مصداقية أعلى وتقييمات مستقلة أقوى، ويزيد من قدرتها على الصمود أمام الطعون القانونية."
ومن المهم التنويه إلى أن مفهوم "العمليّات غير النظاميّة" يشير إلى بعض الهندسات التي قام بها مصرف لبنان قبل العام 2019، والتي حقّقت أرباحاً ضخمة لأصحاب المصارف التجاريّة. وعلى ما يبدو، لم يقتنع فريق الصندوق بالآليّة التي تقترحها مسودّة قانون الفجوة، للتدقيق في تلك العمليّات واستعادة أرباحها.
ومن الأسئلة الأساسية التي يجب معالجتها بحسب الورقة:
• هل يمكن أن يتم تدقيق مصرف لبنان وفق كلٍّ من المعايير الدولية لإعداد التقارير المالية (IFRS) والمعايير المحاسبية المحلية، وأن يتم تدقيق المصارف وفق معايير IFRS؟
• في حال أدّى تدقيق مصرف لبنان وفق معايير IFRS إلى تفعيل المادة 113، هل يمكن إدراج نص يعلّق التطبيق التلقائي للمادة 113 نظرًا لخصوصية واستثنائية الوضع؟ إذ من شأن ذلك أن يعالج القلق من أن تثبيت فجوة رأس المال لدى مصرف لبنان قد يفرض إعادة رسملة في وقت لا تكون فيه الحكومة قادرة على القيام بذلك.
وتجدر الإشارة إلى أن المادّة 113 التي يتحدّث عنها صندوق النقد هنا هي تلك التي تسمح بتحميل الدولة كلفة إعادة رسملة المصرف المركزي، في حال تراكمت الخسائر في ميزانيّاته. مع العلم أنّ المادّة تتحدّث عن خسائر سنويّة محدّدة، في نهاية الفترة الماليّة، لا عن خسائر متراكمة جرى إخفاؤها على مدى سنوات بأعمال تزوير منظمة.
• هل المخالفات أو التجاوزات قائمة على أسس قانونية واضحة، وهل تم تحديد كميتها بشكل دقيق؟ وهل تُعتبر الفوائد المفرطة فقط الجزء الذي يتجاوز الفوائد العادية، وما هو المعيار المعتمد لتحديد الفائدة العادية؟
ومرّة جديدة، يبدو أنّ الصندوق يتناول التجاوزات التي قامت بها المصارف، والتي لم يتم تحديدها -برأيه- بشكل واضح في مسودّة مشروع القانون.
تراتبيّة توزيع الخسائر
بحسب الورقة، "يتحمّل مصرف لبنان (BdL) مسؤولية كبيرة في سداد ودائع المصارف التجارية. فما هو العبء الذي يتحمّله المساهمون في المصارف التجاريّة؟ إنّ التحديد الصريح لتسلسل الإجراءات ضروري لفهم ما إذا كان تسلسل المطالبات (hierarchy of claims) محترمًا، وكيفية تطبيق إطار قانون تسوية أوضاع المصارف (BRL) في ظل قانون الفجوة." مع الإشارة إلى أنّ تسلسل المطالبات التي يتحدّث عنه الصندوق هنا، بحسب فهمه، يفرض تحمّل المساهمين في المصارف أوّل شريحة من الخسائر، قبل تحميلها لأي طرف آخر.
وتشير الورقة إلى أنّه "ينبغي على المصارف الاعتراف بخسائرها، باعتبارها خسائر محققة على انكشافها تجاه مصرف لبنان، استنادًا إلى الفجوة المحددة في تقرير تدقيق مصرف لبنان، وذلك قبل أي معالجة أو تنظيف للمخالفات". والمقصود بمعالجة وتنظيف المخالفات هنا، هو الأموال التي سيتم اقتطاعها من الودائع، بحسب معايير معيّنة، مثل الفوائد المرتفعة أو الأموال المحوّلة من ليرة إلى دولار بسعر الصرف الرسمي.
ويرى الصندوق أنه "إذا تآكل رأس مال المصارف، يجب أن يتحمّل المساهمون الكلفة أولًا من خلال كامل أسهمهم/رأس مالهم القائم، انسجامًا مع تسلسل المطالبات". وبحسب الورقة، "المعالجة المقترحة (في مسودّة القانون) للمخالفات تُبقي رأس مال المصارف دون تغيير في المرحلة الأولى"، وهي "تقلّص العجز في رأس مال مصرف لبنان الذي سيتم نقله إلى المصارف، ما يؤثّر إيجابًا على حقوق الملكية في المصارف التجارية". هذا الإطار، بحسب الصندوق، يمنع "احترام تسلسل المطالبات، إذ يؤدي فعليًا إلى تحميل الخسائر لودائع الزبائن قبل تحميلها لرأس مال المساهمين".
كما ترى الورقة أنّ مسودّة القانون أغفلت الإشارة الصريحة إلى أنّ حسابات “الدولار الطازج” والحسابات بالعملة المحلية تخضع لمعاملات مختلفة.
كيفيّة احتساب الحد المضمون من كل وديعة
تتحفّظ الورقة على مقاربة المسودّة، والتي تقوم على احتساب ودائع كل فرد في جميع المصارف، عند تقدير الحد المضمون من أمواله. وترى الورقة أنّ المقاربة الفضلى تتمثّل في احتساب الحد المضمون "على أساس كل مصرف على حدة". وبحسب الورقة، ستؤدّي المقاربة المُعتمدة في المسودّة الحاليّة إلى "نسبة خسارة أكبر للمودعين متوسطي الحجم مقارنةً بالمودعين الكبار." وبحسب الصندوق، فإن "اعتماد تعريف المودِع على أساس كل مصرف على حدة من شأنه تفادي خرق مبدأ عدم الإضرار بالدائن، وفي معظم الحالات يسمح بنسبة أعلى بكثير من استرداد الودائع بالنسبة للمودعين متوسطي الحجم".
وفي الوقت نفسه، يطرح صندوق النقد مجموعة من الأسئلة والملاحظات، ومنها:
• سيقوم مصرف لبنان بإصدار شهادات سداد الودائع، للودائع المتوسطة والكبيرة جدًا. فما هي الآلية التي تضمن تحمّل المصارف نسبة 20 في المئة من مسؤولية سداد هذه الشهادات، كما تنص المسودّة؟ وما هي الآلية التي تضمن بقاء مصرف لبنان متمتعًا بالسيولة على المدى الطويل؟
• من الأهمية بمكان أن يكون القانون صريحًا بشأن مستوى الحماية الممنوحة للمودعين القدامى في المصارف التي تدخل في التصفية، وكذلك بشأن الجهة التي ستتحمّل هذه الكلفة. إضافةً إلى ذلك، ينبغي تقدير هذه الالتزامات المالية الطارئة في ضوء إشكاليات استدامة الدين ووضع مصرف لبنان.
• كما لا تضمن المسودّة إعادة رسملة مصرف لبنان، على الأقل لمستوى الصفر، كما لا تضمن امتلاكه إيرادات كافية لتغطية نفقاته الخاصة والحفاظ على احتياطاته عند مستوى يسمح له بتنفيذ مهامه.