صلاح سلام: اللواء-
لا مصلحة لأي طرف في لبنان، لا الدولة ولا المصارف ولا المودعين، في انزلاق النقاش القائم حول مشروع قانون الانتظام المصرفي، أو ما يُعرف بقانون «الفجوة المالية»، إلى صدام سياسي أو مالي مفتوح.
فمثل هذه المواجهة، إذا ما حصلت، لن تعني سوى تمديد أمد الانهيار، وتعميق القطيعة بين اللبنانيين ونظامهم المالي، ونسف ما تبقّى من فرص استعادة الثقة الداخلية والخارجية، وهي الثقة التي تُشكّل المدخل الإلزامي لأي مسار تعافٍ جدّي.
إن الحاجة الملحّة اليوم ليست إلى تسجيل النقاط بين الحكومة والمصارف، بل إلى الإسراع في إقرار هذا القانون باعتباره حجر الزاوية في إعادة تنظيم القطاع المصرفي وتحديد الخسائر وتوزيعها وفق معايير عادلة وشفافة. فالقانون، بصيغته المتداولة، يفتح الباب أمام الإفراج عن أموال ما يقارب 80 في المئة من المودعين، وهم بمعظمهم من أصحاب الودائع الصغيرة والمتوسطة التي لا تتجاوز المئة ألف دولار، والذين تحمّلوا العبء الأكبر من الانهيار من دون أي ذنب. كما يتيح لبقية المودعين، ولو على مراحل، الحصول على دفعات منتظمة من ودائعهم، بدل إبقائهم أسرى الانتظار المفتوح والغموض القاتل.
أهمية هذا القانون لا تقتصر على كونه إجراءً مالياً تقنياً، بل تتجاوز ذلك إلى كونه رسالة سياسية واقتصادية في آن واحد، مفادها أن الدولة اللبنانية قررت أخيراً مواجهة الحقيقة بدل الهروب منها، ووضع إطار قانوني واضح لإدارة الخسائر بدل تركها تتراكم عشوائياً فوق رؤوس المواطنين. كما أن إقراره يشكّل شرطاً أساسياً لأي تفاوض جدّي مع صندوق النقد الدولي، ولإعادة وصل ما انقطع مع المجتمعين العربي والدولي، حيث المساعدات والتسهيلات مرتبطة بإنجاز الإصلاحات المالية، ووضح خطة واقعية للتعافي الإقتصادي.
يبقى السؤال الأكثر حساسية: كيف ستؤمّن الدولة حصتها من تغطية الفجوة المالية؟ وهل يكون الحل باللجوء إلى بيع جزء من احتياطي الذهب؟
في هذا السياق، لا بد من مقاربة متأنية بعيدة عن الشعبوية. فالذهب ليس مجرد أصل مالي، بل هو آخر ضمانة سيادية تبقّت للدولة اللبنانية، والمساس به من دون خطة شاملة وواضحة قد يبدّد ما تبقّى من عناصر القوة. الرأي الأنسب يتمثّل بعدم بيع الذهب مباشرة، بل استخدامه كرافعة ضمن استراتيجية مالية متكاملة، سواء عبر توظيفه كضمانة لإصدار أدوات تمويلية طويلة الأجل، أو ربط أي استخدام محدود له بإصلاحات بنيوية صارمة تضمن عدم تكرار الانهيار.
إن إقرار قانون الانتظام المصرفي بسرعة، وبأوسع توافق ممكن، هو خطوة لا تحتمل التأجيل. فهو المدخل الواقعي لحماية المودعين، وإعادة الانتظام إلى القطاع المصرفي، ووضع لبنان مجدداً على سكة التعافي، قبل أن تتحوّل الفجوة المالية إلى فجوة نهائية بين الدولة ومواطنيها.