عماد مرمل-
لعلّ اغتيال العدو الإسرائيلي لرئيس الأركان في «حزب الله» الشهيد هيثم الطبطبائي يُشكّل الاختبار الأدق الذي يواجه الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم منذ تولّيه الإمانة العامة بعد استشهاد السيدَين حسن نصرالله وهاشم صفي الدين، وسط ترقب لطبيعة الردّ المحتمل.
الأكيد أنّ تمكّن تل أبيب من اغتيال الرقم العسكري الصعب في «حزب الله» هيثم الطبطبائي أعاد فتح باب الأسئلة حول حجم الخرق الإسرائيلي الأمني المستمر، وهل هو بشري أم تقني أم مزيج بين الأمرَين، على أنّ المحسوم هو أنّ حصول الاستهداف لقيادي من هذا المستوى سيفرض على «الحزب» مجدّداً مراجعة منظومة الحماية الأمنية التي كان قد أعاد ترميمها انطلاقاً من دروس الحرب الأخيرة ومجرياتها، خصوصاً بعدما تبيّن عقب استهداف الطبطبائي في الضاحية الجنوبية، أنّ هناك ثغرات قديمة أو جديدة لا تزال مفتوحة وتحتاج إلى استدراك عاجل.
وبعيداً من التنظيرات والاجتهادات التي تكثر في مثل هذه الظروف، هناك في الأوساط القريبة من الحزب، مَن يلفت إلى أنّ الطبطبائي كان محكوماً، استناداً إلى موقعه ودوره، بأن يتحرّك على الأرض في سياق مواكبته للوضع الميداني وإشرافه على مسار التعافي، وبالتالي فإنّ هذا التحرّك الإلزامي كان ينطوي على مقدار من المخاطرة والمجازفة، من دون أن يعني ذلك التساهل حيال واجب التدقيق الكامل في ملابسات ما جرى، لمعرفة نقاط الضعف التي تمكّن العدو الإسرائيلي من استغلالها للوصول إلى الطبطبائي في شقة داخل إحدى مباني حارة حريك. وليس خافياً أنّ «الحزب» ينكبّ عبر أجهزته المختصة منذ نحو عام على إجراء مراجعة شاملة لمكامن القصور أو التقصير التي سمحت للكيان الإسرائيلي بتوجيه ضربات قاسية له خلال معركتَي «الإسناد» و«أولي البأس»، على أن يكشف للجمهور في الوقت المناسب خلاصاتها ويحتفظ لنفسه بتفاصيلها الدقيقة التي تفيده في استخراج العِبَر اللازمة.
وإلى جانب الفحص الأمني الذي بدأه الحزب لتدابيره الوقائية بعد اغتيال الطبطبائي، فإنّ التحدّي الآخر المطروح عليه يتصل بالخيار الذي سيعتمده رداً على استهداف قائده العسكري، وهو أمر يتطلّب حسابات مدروسة وأعصاباً هادئة، بمعزل عن وطأة الحدث الثقيلة والضغط الشديد المترتب عليه.
يعرف الشيخ قاسم أنّ القرار في هذا الشأن لا يُبنى على الحماسة أو العاطفة، حتى لو كان اغتيال الطبطبائي موجعاً ومستفزّاً، وبالتالي فلا بُدّ من أنّه وأعضاء مجلس الشورى سيأخذون في الحسبان عند درس الاحتمالات كل الظروف المحلية والإقليمية وأولويات «الحزب» في هذه المرحلة، ليبنى على الشيء مقتضاه.
غالب الظن، تبعاً للعارفين، إنّ «حزب الله» لن يذهب إلى ردّ عسكري مباشر وفق النمط الذي كان معتمداً قبل الحرب الأخيرة، بناءً على معادلات سابقة انتهت مدة صلاحيّتها بعدما أدّت غرضها الردعي في الفترة الممتدة من عام 2006 حتى 2023. من هنا، الردّ الأمثل بالنسبة إليه في الوضع الراهن إنّما يكمن في الإصرار على رفض الخضوع إلى الضغوط وتسليم السلاح، ومواصلة ترميم القدرات وتفعيلها بصمت على قاعدة استكمال مسار النهوض الذي كان الشهيد الطبطبائي من المساهمين الأساسيِّين في إطلاقه بعد تولّيه القيادة العسكرية.
بهذا المعنى، لن يتبرّع «الحزب» الآن في إعطاء تل أبيب ذريعة لتوسيع العدوان، ولن يذهب إلى ميدان المواجهة الكبرى على توقيت ساعة بنيامين نتنياهو. يُدرك «الحزب» أنّ الحرب الشاملة قد تكون حتمية في ظل شعور الكيان الإسرائيلي والولايات المتحدة الأميركية بفائض القوّة، ولذا يعطي الأولوية لاستكمال الاستعداد لها وبناء الجهوزية الضرورية لخَوضها دفاعاً عن نفسه ووجوده عندما تُفرَض عليه.
ولذلك، يُفضّل «حزب الله» أن يستمر في كسب الوقت قدر المستطاع من أجل أن ينجز عملية إعادة بناء قدراته العسكرية ورفع مستوى استعداداته القتالية خلف ستارة من الغموض المقصود، تحسّباً لحرب البقاء التي هي أهم من الثأر الموضعي مهما كان ملحّاً.