<
20 November 2025
تزوجني من دون مهر: لبنان من أكثر الدول العربية ارتفاعًا في معدَّلات التأخر في الزواج؟!

مازن مجوز-

"أؤمن أن قيمة الإنسان لا تُقاس بالمهر ولا بالمظاهر. بالنسبة لي، المهر مجرد قيد اجتماعي سطحي. ما يهمّني هو التفاهم، الاحترام، والشراكة. اخترت أن أكون جزءًا من حملة "تزوجني من دون مهر" لأنني أرفض أن أُشترى أو يُتفاوض على حياتي بمبلغ مالي. أريد شريكًا يرى فيّ إنسانة، لا صفقة". تدافع يارا . ف. (موظفة قطاع خاص، 28 عامًا) عن الحملة انطلاقًا من قناعاتها الشخصية والمبادئ التي تؤمن بها في الحياة .

أما ندى س.(31 عامًا، مهندسة) فتؤكد أن الزواج شراكة حقيقية، والمهر لا يجب أن يكون معيارًا لنجاح العلاقة، "عندما تقدم شريكي لخطبتي، طلبت من أهلي عدم التمسك بأي مهر مادي، لأن الأهم بالنسبة لي هو احترامه لي واستعداده لبناء حياة مستقرة معي. المال يذهب ويأتي، أما العشرة الطيبة فهي الأساس" .

بدورها تشدد روان ك.(32 عامًا، تعمل في محل ألبسة) على أنها تعيش في بيئة محافظة، "كان يتوقع مني المطالبة بمهر كبير. لكنني أخبرت والدي أنني أرفض أن يكون المهر عبئًا على من سأرتبط به. يكفيني مهر رمزي فقط، لأنني لا أريد أن يبدأ زواجي بدين أو ضغوط مادية. الحب والنية الصافية أثمن من المال".

حملة "تزوجني بلا مهر" التي أطلقتها مجموعة من الفتيات، تثير الجدل مجددًا في لبنان على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد أن كانت قد أطلقت قبل سنوات، حيث أظهر توقيتها اهتماما لدى شريحة كبيرة من الفتيات "الباحثات عن عريس" في وقت تضاعفت فيه أسعار الذهب، وتأثر الزواج بالأزمات الاقتصادية والمالية، التي لا يزال لبنان يتخبط بها منذ ثورة 17 تشرين .

وتعليقا على إطلاق الحملة يعزو المحاضر في علم النفس الاجتماعي الدكتور مأمون طربيه أسبابها إلى عاملين أساسيين، الأول، هو إحجام الشباب عن الزواج نتيجة الأوضاع الاقتصادية وعدم القدرة على بناء الأسرة، وثانيًا، رفضه فكرة الارتباط بفتاة وهذا ما يزيد من نسبة العنوسة، وهذا نتيجة تلقائية للعامل الأول .

واللافت أنه حتى الآن لا تتوفر إحصاءات رسميّة موثوقة ومُحدّثة تشير إلى "أعلى نسبة عنوسة" في بلد عربي معيّن بشكل قاطع، إلا أن بعض التقارير الإعلامية تُشير إلى أن لبنان يُحتمل أن يكون من أكثر الدول العربية ارتفاعًا في معدَّلات "التأخر في الزواج أو البقاء غير متزوّجين"، فعلى سبيل المثال ذكرت مجلة The Monthly أن أحد المصادر الذي اعتمدت عليه في دراسة حول "العزوبية" قدّرت أن نسبة العزوبية في لبنان بلغت حوالى 85 % ضمن فئة معيّنة من الأعمار.

وهذا يعني أن 85 فتاة من بين كل 100 غير متزوجات.

وهنا يرجح طربيه أن إطلاق الحملة جاء كردة فعل على هذه النسبة المرتفعة، موضحًا أن المعارضين ينطلقون من أسباب عدة، ومن بينها كوننا مجتمعًا لا يفضل دائمًا أن تنطلق الفتاة بالمبادرة بـ "طلب عريس" وذلك لاعتبارات اجتماعية وأعراف وتقاليد قائمة.

ويشدد طربيه على أن ما يحصل لا ينسجم مع طبيعة الزواج وتقاليده ومتطلباته، الخاصة بكل طائفة في لبنان، لأنه وعلى الرغم من أن الزواج شأن فردي، ولكنه يبقى شأنًا اجتماعيًا بل أشمل (عائلي - اجتماعي - طائفي)، وكل طائفة هي التي تكرس علاقة الزواج وطبيعته، وتقاليده وممارساته، وحتى طقوسه، لذلك فإن الذين ينادون بهذه الحملة أو المبادرين بها، انطلقوا بها كحملة مدنية ذات بُعد علماني، أو بُعد نهضوي نسوي متحرر.

ووفق طربيه: "في الزواج التقليدي المكرس دينيًا في حال تعرض الرجل لأزمةٍ اقتصادية أو مالية سينعكس سلبًا بطبيعة الحال على علاقته بزوجته، خصوصًا في مرحلة انقطاعه عن العمل أو بطالته (لسبب من الأسباب) فمن سيصرف على العائلة؟ وهنا يجد الزوجان نفسيهما أمام خيارين :إما الانفصال، وإما أن تذهب الزوجة إلى العمل، وعندما تستقل بالعمل وتتمكن اقتصاديًا مع ابنائها، مقابل عدم تحمل الرجل مسؤولياته، ربما تذهب عندها نحو ظاهرة "الأمهات العازبات" single mothers. وهذه الظاهرة بدأنا نلاحظ ملامحها في مجتمعنا اللبناني.

وفي حالات أخرى، في الأبحاث التي نجريها بشكل دوري، لاحظنا أن سجلنا اعتماد حل بأن يقوم الرجل (عند توقفه عن العمل) بدور المرأة في المنزل، مقابل أن تقوم المرأة بدور الرجل كمنتجة وعاملة ومصدر للدخل للصرف في المنزل".

أما الاختصاصية في علم النفس العيادي الدكتورة إيمان رزق فتؤكد أن الزواج هو أفضل حل للفتاة "العانس"، وبات من الضروري تغيير هذا المصطلح، لأن الظروف لم تجمعها بالرجل المناسب (بنظرها)، فعدا عن موضوع المهر، قد يحصل نقاش بينها وبين الرجل حول مواضيع أخرى مرتبطة بالزواج ومتطلباته ولاحقًاا البيت العائلي ومتطلباته، فمن الخطير جدًا عندما يختلف الزوجان أن يدير الزوج ظهره لحقوقها، خاصة إذا لم تكن تعمل في وظيفة تضمن لها راتبًا شهريًا، يكفيها لمواجهة تحديات الحياة .

وتؤيد رزق فكرة "أن لا يكون الزواج مبنيًا على شروط بل على الحب وعلى الأقل على الحوار والتفاهم والانسجام والوفق والمحبة كي يكملا بقية عمرهما سويًا مع أولادهما. لكن من دون أن ننسى أنه في الزواج هناك مستجدات تدفع بالزوج أو الزوجة إلى إدارة الظهر للطرف الآخر وإلى التفكير جديًا في إنهاء العلاقة الزوجية وهذا بالطبع حاصل في مجتمعنا".

وحول المهر تعلق: "المهر له انعكاسات إيجابية من الناحية النفسية والمجتمعية والقانونية، والمهر هو حق من حقوقها، والزواج يضمن لها الاستقرار النفسي والفكري والمجتمعي، وعلى الرجل أن يؤمن للمرأة حياة كريمة ورفاهية تتمتع بها، لأن الزواج كما يبنى على الصدق والإخلاص يبنى أيضًا على الرفاهية، ونحن نقدّر أن اللبنانيين يعيشون وضعًا اقتصاديًا مزريًا، ومن بينهم الفتيات اللبنانيات، لكن هذا لا يعني إعفاء الرجل من تأمين أبسط الحقوق للفتاة التي يرغب بالزواج منها، ما يسمح للطرفين بالعيش بشكل مقبول ومحترم في أقل تقدير" .

نداء الوطن