<
19 November 2025
ترقب لأرباح إنفيديا.. ما الذي تركز عليه وول ستريت؟

تترقّب الأسواق العالمية إعلان إنفيديا نتائج الربع الثالث وسط حالة من الاهتمام الفريد التي تعكس مكانة الشركة كأيقونة سباق الذكاء الاصطناعي، ذلك أن كل إشارة تصدر عنها باتت تُقرأ باعتبارها دلالة على اتجاهات الصناعة بأكملها، من استثمارات مراكز البيانات إلى وتيرة تبنّي النماذج اللغوية العملاقة.

وفي ظل الارتفاع الهائل في الطلب على الرقائق المتقدمة، يترسّخ اقتناع واسع بأن إنفيديا صارت محركاً رئيسياً لاقتصاد الذكاء الاصطناعي العالمي.

ورغم أن توقعات المحللين تشير إلى استمرار زخم الإيرادات، فإن السؤال المطروح الآن هو ما إذا كانت الشركة قادرة على الحفاظ على معدلات النمو القياسية نفسها، خاصة بعد الطفرة التاريخية التي جعلت مبيعاتها تقفز بقوة خلال أربع سنوات. لذلك تتجه الأنظار نحو أي تلميحات يقدمها الرئيس التنفيذي جنسن هوانغ حول تراكم الطلبات والآفاق الممتدة إلى عام 2026.

وتحمل تصريحات مسؤولي الشركة، إلى جانب تقديرات المؤسسات المالية الكبرى، مزيجاً من التفاؤل الحذر.

فالتوقعات المستقاة من نماذج تحليلية ومن تقارير بنوك الاستثمار الكبرى ترجّح استمرار التوسع في هوامش الربحية وانتعاش مبيعات مراكز البيانات، لكنها في الوقت ذاته تضع في الحسبان مجموعة من المخاطر التي قد تؤثر على المسار، بدءاً من تقييمات السهم المرتفعة، وصولاً إلى تحديات الجيل الجديد من الرقائق والتوترات الجيوسياسية مع الصين.

وفي قلب هذا المشهد، تأتي أرقام الطلبات المسبقة التي كشف عنها هوانغ بقيمة نصف تريليون دولار لعامي 2025 و2026 لتؤكد أن طفرة الذكاء الاصطناعي لم تبلغ ذروتها بعد، وأن إنفيديا تستعد لمرحلة توسع جديدة حتى وإن كان إيقاع النمو أكثر تدرجاً. لكن هذا الاندفاع يقابله نقاش واسع بين المستثمرين حول ما إذا كانت البنية التحتية للذكاء الاصطناعي تشهد إنفاقاً مفرطاً من جانب عمالقة الحوسبة السحابية و"الهايبرسكيلرز"، أم أن السوق ما تزال في بدايات موجة توسّع أكبر مما تتوقعه وول ستريت.

يذكر أ ن الهايبر سكيلرز (Hyperscalers) هم شركات التكنولوجيا العملاقة التي تمتلك القدرة الهائلة على توفير خدمات الحوسبة السحابية على نطاق واسع للغاية.

ترقب

وبينما تترقب الأسواق إعلان إنفيديا نتائج الربع الثالث يوم الأربعاء ، يتوقّع المحللون الذين استطلعت آراؤهم LSEG أرباحاً قدرها 1.25 دولار للسهم من مبيعات تبلغ 54.9 مليار دولار، وهو ما يمثل زيادة نسبتها 56 بالمئة على أساس سنوي. كما يتطلعون إلى توجيهات للربع المنتهي في يناير بنحو 61.44 مليار دولار، وهو ما قد يشير إلى عودة تسارع النمو.

ولا تقدّم إنفيديا توقعات مستقبلية تتجاوز ربعاً واحداً خلال إعلان النتائج، لكن أي تصريحات يدلي بها رئيسها التنفيذي بشأن تراكم الطلبات وآفاق الشركة للعام 2026 تخضع للتدقيق، ليس فقط فيما يتعلق بإنفيديا، بل أيضاً بآفاق قطاع التكنولوجيا الأوسع.

ويتوقع المحللون الذين استطلعت آراؤهم LSEG حالياً أن تسجل إنفيديا 286.7 مليار دولار من المبيعات في 2026.

توقعات متفائلة.. ولكن بحذر

يوضح خبير الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي بجامعة سان هوزه الحكومية، كاليفورنيا، د. أحمد بانافع، لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" أنه:

في عالم التكنولوجيا المتسارع، أصبحت شركة إنفيديا رمزًا لعصر الذكاء الاصطناعي ومحركًا رئيسيًا لسوق التكنولوجيا العالمية، ومؤشرًا حساسًا على صحة الاقتصاد الرقمي.

إعلان نتائج أرباحها ربع السنوية محطة مفصلية تحدد مسار المرحلة المقبلة لصناعة الذكاء الاصطناعي.

إنفيديا تستعد للإعلان عن نتائج الربعية وسط توقعات مرتفعة من الأسواق (..) ومؤسسات كبرى مثل غولدمان ساكس ومورغان ستانلي ترفع بالفعل من سقف توقعاتها، مدفوعة بالزخم الذي اكتسبته الشركة منذ اشتداد سباق الذكاء الاصطناعي قبل نحو عامين.

ويتابع موضحًا أن النظرة المتفائلة تمتد إلى عام 2030، حيث تظهر نماذج تحليلية إمكانية وصول ربحية السهم إلى أكثر من 7 دولارات، مع سعر محتمل يلامس 318 دولارًا، ارتفاعًا من السعر الحالي البالغ نحو 186 دولارًا.

ويشير بانافع إلى أن السبب الجوهري وراء طفرة إنفيديا هو الارتفاع الهائل في الطلب على رقائق الذكاء الاصطناعي المخصصة لمراكز البيانات العملاقة، موضحاً أن شركات مثل مايكروسوفت وأمازون وغوغل، إضافةً إلى لاعبين جدد مثل OpenAI وxAI، تتنافس اليوم على بناء بنى تحتية قادرة على تشغيل نماذج لغوية فائقة الضخامة.

ويضيف أن إنفيديا عززت تفوقها عبر شرائح H100 وB100، التي أصبحت حجر الأساس في منصات الذكاء الاصطناعي المتقدمة، علاوة على Blackwell والتي تُحدث نقلة نوعية في الأداء والكفاءة.

ويُعدد مجموعة من العوامل التي تدعم توسع إنفيديا، وأهمها: (التفوق التقني الواضح، علاوة على هوامش ربحية قوية، وكذلك عمل الشركة على تنوع القطاعات).

لكنه يرصد في الوقت نفسه مجموعة من التحديات التي "قد تعرقل المسار"، ومن بينها:

تقييمات مرتفعة للسهم، ما قد يزيد حساسيته للصدمات.

الاعتماد الكبير على عدد محدود من العملاء.

قيود التصدير المرتبطه بالتوترات الجيوسياسيه مع الصين.

مخاطر تتعلق بالانتاج والجيل القادم من الرقائق.

طفرة الـ AI

 وكشف الرئيس التنفيذي لشركة إنفيديا، جنسن هوانغ، في أكتوبر أن لدى شركته طلبات بقيمة 500 مليار دولار لعامي 2025 و2026 مجتمعين، على رقاقاتها التي تقف في قلب طفرة الذكاء الاصطناعي.

ووفق تقرير لشبكة "سي إن بي سي" فإنه بالنسبة لشركة شهدت إيراداتها الفصلية نمواً بنحو 600 بالمئة خلال السنوات الأربع الماضية، فقد كانت تصريحات هوانغ إشارة إلى أن "إنفيديا" واثقة من عام آخر من النمو القوي - وإن كان بوتيرة متباطئة - بالنسبة لدورة رقاقاتها المقبلة، بما يوحي بأن طفرة الذكاء الاصطناعي لا تزال تملك مساحة لمزيد من التوسع.

وقال هوانغ خلال مؤتمر GTC الذي عقدته الشركة في واشنطن: "هذا هو حجم الأعمال المسجلة لدينا.. نصف تريليون دولار حتى الآن."

وقد ضمّن هوانغ في حديثه إيرادات عام 2025 حتى الآن، ومبيعات وحدات معالجة الرسوميات الحالية من طراز Blackwell، ووحدات Rubin المقررة للعام المقبل، إضافة إلى المكوّنات المرتبطة بها مثل الشبكات.

 وبعد تحليل تفاصيل تصريحات هوانغ، خلص المحللون إلى أن ما قاله يشير إلى عام أعلى بكثير من حيث الإيرادات في 2026 مقارنة بما كان متوقعاً في وول ستريت.

وكتب المحلل كريس كاسو من شركة Wolfe Research في مذكرة بتاريخ نوفمبر: "تفصح إنفيديا عن فرص صعود واضحة مقارنة بتقديرات الإجماع الحالية."

وقدّر كاسو أن المعطيات التي قدّمها هوانغ تشير إلى مبيعات لمراكز البيانات قد تتجاوز تقديرات عام 2026 التقويمية السابقة بنحو 60 مليار دولار. وهو يمنح السهم تصنيفاً يعادل "الشراء".

لكن سهم إنفيديا يتداول حالياً عند مستوى أقل بـ 5 بالمئة مقارنة بما كان عليه عندما أطلق هوانغ توقعاته في 28 أكتوبر. ويعكس ذلك استمرار الجدل بين المستثمرين حول طفرة الذكاء الاصطناعي، وما إذا كانت مجموعة صغيرة من شركات الحوسبة السحابية العملاقة، المعروفة بـ "هايبرسكيلرز"، ومختبرات الذكاء الاصطناعي تنفق مبالغ مفرطة على البنية التحتية.

الأسواق تترقب

وإلى ذلك، يقول أستاذ علم الحاسوب وخبير الذكاء الاصطناعي وتكنولوجيا المعلومات في السيليكون فالي كاليفورنيا، د. حسين العمري، لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية":

مع ترقب إعلان أرباح إنفيديا، تتحرك السوق بحساسية غير مسبوقة تجاه أي إشارة تصدر عن الشركة، إذ أصبحت إنفيديا اليوم بمثابة مقياس ومؤشر لقطاع الذكاء الاصطناعي العالمي.

التوقعات المرتفعة لا تأتي من فراغ؛ فالشركة ما زالت تهيمن على أكثر من 80 بالمئة من سوق معالجات الذكاء الاصطناعي، بينما الطلب على شرائحها H100 وH200 يفوق العرض في كل ربع مالي.

مع اتساع منافسة الشركات على بناء مراكز بيانات للذكاء الاصطناعي، من مايكروسوفت إلى أمازون وغوغل، تستفيد إنفيديا من موجة إنفاق رأسمالي ضخمة يُتوقع أن تستمر على الأقل لعامين مقبلين.

ويضيف: من العوامل الداعمة أيضًا أن الشركة لا تعتمد فقط على بيع الشرائح، بل تدفع بقوة نحو بناء نظام بيئي متكامل يشمل برمجيات CUDA وخدمات السحابة وأجهزة الشبكات.. هذا التكامل يمنحها حصنًا يصعب اختراقه حتى في ظل المنافسة المتزايدة من AMD وشركات الذكاء الاصطناعي الصينية مثل هواوي، رغم تأثر إنفيديا بالحظر على بيع شرائحها للصين وفقدان جزء كبير من السوق الصيني. ورغم الحديث عن تباطؤ عالمي محتمل في الاستثمار، إلا أن الشركات الكبرى لا تزال تعتبر البنية التحتية للذكاء الاصطناعي أولوية استراتيجية لا يمكن تأجيلها.

أما على مستوى حركة السوق، فهناك سيناريوهان رئيسيان، بحسب العمري، هما:

الأول: إذا تفوقت أرباح إنفيديا على توقعات وول ستريت كعادتها، فقد نشهد موجة صعود جديدة لأسهم التكنولوجيا، مدفوعة بتجدد الثقة في استمرار طفرة الذكاء الاصطناعي.

الثاني: أما إذا جاءت الأرقام أقل من المتوقع، أو أرسلت الإدارة إشارات حذرة، فقد يكون ردّ الفعل عنيفًا، لأن التقييمات الحالية متضخمة وتعتمد على استمرار نمو غير اعتيادي.

ويختتم حديثه قائلاً: في كل الأحوال، تبقى إنفيديا اللاعب الأبرز في سباق الذكاء الاصطناعي، وأرباحها ليست مجرد نتائج مالية، بل إشارة استراتيجية تحدد مسار السوق، وتكشف إن كنا ما زلنا في منتصف الطفرة… أم نقترب من مرحلة نضج جديدة.

Skynews