<
19 November 2025
الأخبار: عن وشاة أميركا وصراعات الصحناوي وجعجع: تعرف واشنطن أن حلفاءها يهاجمون حزب الله تحضيرا للانتخابات

«الاستعارة من الأميركيين أنفسهم تفيد كثيراً في حالة لبنان». العبارة لديبلوماسي ينشط حالياً على ملفات متعددة تتعلق بلبنان.

ابراهيم الأمين-


«الاستعارة من الأميركيين أنفسهم تفيد كثيراً في حالة لبنان».


العبارة لديبلوماسي ينشط حالياً على ملفات متعددة تتعلق بلبنان. وهو يعتقد بأن من يجمع المعطيات عمّا يجري في واشنطن حول لبنان، يمكنه أن يفهم تماماً خلفية المشكلات اللبنانية الداخلية. ويلفت إلى أن الانتخابات النيابية المقبلة تمثّل الهدف الأساس للقوى المنخرطة في النشاط داخل الولايات المتحدة، وأن الخلافات قائمة حول من هو الحصان الأول في المعركة.

 

بحسب الديبلوماسي نفسه، فإن قسماً كبيراً من السياسيين اللبنانيين، خصوصاً المنضوين منهم في تحالف «اليمين المسيحي»، يعتبر أن الحل لمعضلة لبنان لن يأتي إلا على يد الولايات المتحدة، وأن من يكسب رضى العاصمة الأميركية يفوز بالجائزة الكبرى. وما دامت واشنطن تركز على هدف واحد وهو «تدمير حزب الله أو تطويعه»، فإن هؤلاء يعتبرون أن النقاش يجب أن يكون محصوراً بهذا الملف.

 

يمتنع الديبلوماسي عن رواية تفاصيل لقاءات تحصل بين شخصيات لبنانية تلتقي دورياً بالمسؤولين في السفارة الأميركية في بيروت أو مع شخصيات أميركية في واشنطن. لكنه ينقل عن مسؤول أميركي قوله: «إن اللبنانيين لديهم قدرة عجيبة على الطعن ببعضهم البعض، وهم يفهموننا بصورة خاطئة، وأخطر ما في عقولهم اعتقادهم بأننا نعمل من أجلهم».

 

ويضيف: «المشكلة أن واشنطن باتت منذ وقت غير قصير مساحةً كبيرةً للتداول بالمعلومات، وأن القدرة ليست في بث الأخبار، بل في أن تصل إلى من بيده القرار. لذلك، فإن النشاط التقليدي الذي كان يجري عبر القنوات الديبلوماسية بات قليل الفعالية، لأن الإدارة الحالية تعاني أصلاً من مشكلة مع مؤسسات الدولة العميقة في أميركا، ولذلك فإن في البيت الأبيض من يظهر استعداداً للاستماع من دون العودة إلى القنوات الرسمية».

 

ويلفت الديبلوماسي إلى أن التغيير بدأ مع نهاية الحرب الإسرائيلية على لبنان. يومها، كان فريق الإدارة السابقة يقوم بعملية تسليم الملفات إلى الإدارة الجديدة. وكانت بعض القرارات تتم بالتشاور مع فريق دونالد ترامب، لافتاً إلى أن الموفد الأميركي السابق عاموس هوكشتين، عندما تولى تنظيم اتفاق وقف إطلاق النار، كان مضطراً طوال الوقت للتواصل مع فريق ترامب الذي لم يكن قد تسلم مهماته رسمياً.

 

وفي هذه الأثناء، كان هوكشتين ينتبه إلى «عمليات استطلاع» يقوم بها لبنانيون للوصول إلى فريق ترامب. حتى أن هوكشتين نفسه، والذي كان يعتبر نفسه محل ترحيب وطلب من غالبية القوى اللبنانية، بات يشعر قبل نهاية العام الماضي بأنه لم يعد مقصداً لهذا الحشد من السياسيين اللبنانيين، علماً أن لديه رأيه في كل منهم، على ما يقول المتصلون به.

 

المهم، بحسب الديبلوماسي، أن القوى الأساسية التي تنشط في أميركا الآن هي مجموعة تتبع لـ«القوات اللبنانية»، التي يتولى المسؤول فيها جوزيف الجبيلي دوراً محورياً.

 

وهو عمل خلال التسعينيات على بناء التنظيم في أميركا الشمالية، ونسج علاقات كبيرة مع عاملين في المؤسسات الأميركية، وخصوصاً الفرق التي تعاقبت على ملفات الشرق الأوسط، وبنى شبكة علاقات مع قوى المعارضة السورية لحكم الرئيس السابق بشار الأسد، ونسج علاقات خاصة مع أكراد سوريا، وكان يستخدم عيادته لهذا الغرض.

 

وهو يعمل الآن على استثمار هذه العلاقات في سياق إسقاط الرهان الأميركي على الرئيسين جوزيف عون ونواف سلام، ويعبّر بسرور عن نجاحه مع آخرين في إسقاط الرهان السابق على قوى المجتمع المدني. وهدفه محصور بأمر واحد: تسويق سمير جعجع كرئيس أو مرجعية للقرار السياسي في لبنان، وعلى أنه الوحيد القادر على قيادة معركة حاسمة ضد حزب الله وخصوم أميركا في لبنان، ومستعد لبناء علاقة جدية وثابتة مع الحكم السوري الجديد، ولا مشكلة لديه يإقامة سلام مع إسرائيل!

 

يتكل الصحناوي على اللوبي الإسرائيلي في واشنطن لتعزيز التيار الداعي إلى فرض السلام بالقوة على لبنان، بينما يتولى رجال جعجع في الولايات المتحدة دور «الوشاة» بحق خصومهم المسيحيين أولاً


وتُظهِر معطيات ووثائق ديبلوماسية مصدرها العاصمة الأميركية أن الجبيلي عمل لسنوات ككاتب تقارير ومخبر للسفارتين السعودية والإماراتية في الولايات المتحدة، وكان يرسل التقارير إلى أعضاء في الكونغرس والإدارة للكشف عن «رجال حزب الله في أميركا»، وقاد حملة ضد ناشطين من التيار الوطني الحر في أميركا تحت هذا العنوان.

 

لكن قيادة «القوات» التي، على ما يبدو، تجد أن الجبيلي ليس فطناً كفاية، قررت الاستعانة بالوزير السابق ريشارد قيومجيان الذي يحمل الجنسية الأميركية، والذي يبدو في رأي كثيرين أكثر ذكاء من الجبيلي، وله رأيه المختلف حيال بعض الأمور.

 

مع ذلك، تواجه «القوات» مشكلة أساسية نتيجة الدور الذي يلعبه المصرفي أنطون الصحناوي في واشنطن. فالأخير يعتبر نفسه متقدماً على كل اللبنانيين في الحديث عن تدمير حزب الله، وجعل لبنان بلداً حليفاً لإسرائيل، ولديه نظرياته حول آفاق التعاون «بين الإبداعين اللبناني واليهودي» لإدارة اقتصاد المنطقة ككل، وأن لبنان ليس مضطراً، إذا لزم الأمر، للاستمرار في صورته الحالية ديموغرافياً أو طائفياً. ولذلك لا يرى أهمية لغياب قيادة سنية وازنة، بل يرى في ذلك مصلحة لتياره، ولا يمانع تهجير الشيعة من لبنان.

 

والصحناوي الذي يوسع أنشطته في أميركا، ينطلق من رهان كبير على حصول سلام بين إسرائيل وسوريا ولبنان. وهو يجد نفسه الأفضل في تطوير البنى التحتية التي تخص الدولة والقطاعات المالية والتجارية، ويؤمن أن السلام سيقوم حتماً بين لبنان وإسرائيل، ولو بالقوة، وأنه سيقود أكبر فريق استثماري بين البلدين، ويحقق الكثير.

 

والصحناوي الذي تعوّد على «الأيدي الطويلة» التي يشغلها للوصول إلى من هم في موقع القرار، تربطه علاقة عمل مع هاجر الشمالي، وهي أميركية من أصل لبناني، عرفت بعد عملها لنحو 4 سنوات مع الصهيوني دانيال غلايزر في وزارة الخزانة الأميركية.

 

وارتبطت خلال هذه الفترة بعلاقة قوية مع مورغان أورتاغوس التي كانت تعمل في مجال مكافحة الإرهاب في المنطقة. وتولت الشمالي ترتيب العلاقة بين أورتاغوس والصحناوي الذي سرعان ما عرض تمويلاً لنشاط المسؤولة الأميركية. وعندما قدمت الشمالي الصحناوي إلى المسؤولة الأميركية، قالت عنه ما صرّحت به علناً في وقت لاحق، بأنه «نشأ في عائلة لبنانية لديها ثقافة منذ أجيال تؤمن بإسرائيل والصهيونية، وإنه شهد منذ طفولته على التواصل الوثيق مع أصدقاء يهود وإسرائيليين، وهو يرى في إسرائيل ضرورة وجودية أكثر من أي وقت مضى، وينظر إلى الصهيونية كركيزة لبناء مستقبل لبنان والمنطقة بأسرها».

 

كما إن الصحناوي الذي ورث هذه العقيدة عن والده نبيل، يرى أن المشكلة اليوم ليست فقط في حزب الله، بل في أنه يوجد داخل الطبقة السياسية من يريد تغيير «تقاليد لبنان».

 

وعلى الطريقة اللبنانية، يعود الصحناوي فجأة من العاصمة الأميركية إلى محلة كرم الزيتون في الأشرفية، حيث يقود منافسة مع «القوات اللبنانية» بقيادة سمير جعجع. لكن الصحناوي الذي لا يوفر مناسبة للهجوم على جعجع، يتحدث عنه في جلسات السمر بطريقة تكشف عن حساسيات ذات خلفية طبقية واجتماعية.

 

فهو يرى في الفلاح البشراوي من يريد أن يفرض نفسه على عائلات عندها عشرات السنين من التراث في العمل العام، والحضور السياسي والاقتصادي والاجتماعي. بل أكثر من ذلك، فإن الصحناوي يعتبر أن جعجع يريد مصادرة حتى تاريخ حزب «الكتائب». وهو ما دفع بالمصرفي المهووس بالسلطة إلى أن يحتضن ابن بشير الجميل في مركز العاصمة، علماً أنه يرغب دوماً في ضم الحزب كله تحت جناحيه.

 

واليوم يجد الصحناوي نفسه في مواجهة تحريض جعجع على رئيس الجمهورية جوزيف عون. حيث لا يزال الصحناوي يؤمن بأن الرئيس عون قادر على لعب دور مركزي في المرحلة المقبلة، بينما يريد جعجع تحجيم رئاسة الجمهورية ما دام هو لا يسكن قصر بعبدا.

 

وفوق كل ذلك، هناك طموح سياسي خاص عند الصحناوي، فهو وإن بقي متعففاً عن خوض الانتخابات النيابية مباشرة، إلا أنه يعتقد أن التجربة تتيح له العمل على توسيع كتلته النيابية.

 

وأنه تربطه علاقة بنواب حاليين غير مجموعة إيهاب مطر، راجي السعد، جان طالوزيان ونديم الجميل، ويعرب عن استعداده لدعم آخرين في الانتخابات المقبلة، شرط التزامهم الانضواء في كتلة واحدة.

 

بمن فيهم ميشال معوض وغيره من التغييريين، وأن يقودوا المواجهة مع «القوات» ومع التيار الوطني الحر، مع أمله بأن يوافق الرئيس عون على أن يتولى لاحقاً رعاية هذه الكتلة النيابية التي ستضم نواباً من طوائف ومناطق مختلفة.

 

إلى ذلك، هناك الكثير من القوى اللبنانية، ليس لديها الحضور والعلاقات نفسها مع العاصمة الأميركية. وهو حال بعض الشخصيات المقربة من مراجع في لبنان، تقول إن نشاطها في الولايات المتحدة إنما هدفه «رد الضرر» الناجم عن تحريض الآخرين ضدهم، خصوصاً أن ملفاً قد يكون موشكاً على أن يُفتَح، يتعلق بفضائح تخص شخصيات لبنانية (من الصف الثاني) عملت بالتعاون مع شخصيات أميركية (من الصف الثاني أيضاً) على برنامج ابتزاز عدد لا بأس به من رجال الأعمال اللبنانيين، وخصوصاً الشيعة منهم، بحجة مساعدتهم على مواجهة أي عقوبات تُفرض عليهم بتهمة التعاون مع حزب الله، أو مساعدة المعاقبين منهم على إيجاد مخرج لإلغاء هذه العقوبات.

 

علماً أن التجربة في هذا العالم دلت أن على أي معاقب سلوك طريق واحدة، وهي نيل الرضى الفعلي من الإدارة الأميركية قبل شطب اسمه عن لوائح العقوبات، إلا إذا كان يملك نفوذاً جدياً داخل الولايات المتحدة ويعرف قواعد اللعبة هنا، ففي مقدوره حماية نفسه دون الحاجة إلى السماسرة إياهم.

 

الأهم في كل ما سبق أن المشترك بين كل هؤلاء هو أمر واحد: كيف نرضي أميركا والسعودية؟

الجواب بسيط، لأن الأمر يتعلق بالحملة على حزب الله، ومع أن العاصمتين الأميركية والسعودية تعلمان علم اليقين بأن كل هذه القوى لا تفيد في مواجهة حزب الله داخل لبنان، إلا أنهما تعتبران أن انخراطها في الحملة على الحزب مفيدة، من باب الاعتقاد أن الحزب وجمهوره يجب أن يبقيا تحت الضغط.

 

لكن المفارقة التي يعرفها الجميع، ويقولها الديبلوماسي إياه، تتمثل في أنه يخرج من بين القوم أحد صغارهم ليقول الأمور كما هي، وهو ما فعله نديم الجميل في العشاء الذي جمع وفد الخزانة الأميركية مع حشد من حلفاء أميركا في منزل المخزومي.

 

إذ عندما بادر أحد صقور الوفد إلى التلويح للحاضرين بأنّه إن تخلّفَ لبنان عن معالجة ملف حزب الله، فسوف تنسحب الولايات المتحدة من الملعب تاركة لإسرائيل التصرف... حتى عاجله الجميل بالجواب الأكثر واقعية: «يا ريت... لتتفضل إسرائيل وتنهي حزب الله، ها نحن هنا ننتظر هذا الأمر منذ أربعين عاماً!».

 

علمياً، قال الجميل للأميركيين ما يعرفونه، وهو أن كلامهم عن حزب الله له وظيفته الخاصة بالسجال الداخلي وبالانتخابات، إنما لا يمكن لأميركا أو لإسرائيل التعويل على الناطقين بهذه المواقف في أن يتولوا مهمة تدمير حزب الله!

 

قبل مدة، استضافت القناة «12 الإسرائيلية» المحلل نير دفوري، الذي تطرّق إلى الوضع الحالي. فقال إن على إسرائيل أن تتنبه وأن تتذكر ما حصل من أخطاء عند اجتياح 1982، حيث قام التحالف مع حزب «الكتائب» واليمين المسيحي، ولم يفعل هؤلاء شيئاً، وأن الخطير اليوم هو أن يتكرر الخطأ نفسه، في إشارة إلى ما يجري التطرق إليه في الولايات المتحدة وإسرائيل، من أن اليمين المسيحي نفسه بقيادة سمير جعجع يريد من إسرائيل وأميركا أن تنجزا مهمة تدمير حزب الله وهو ينتظر فقط النتائج... ليخلص دفوري إلى مطالبة حكومة الكيان بـ«إعادة الجيش إلى خلف الحدود».

 

هل بدأت أميركا بإبعاد الرئيس عن الجيش؟

منذ انطلاق عمل الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس في الجانب التقني من ملف الوضع على الحدود الجنوبية، ظهر التوتّر في العلاقة مع قائد الجيش العماد رودولف هيكل، الذي عرض أمام الموفدة الأميركية وأمام زوّار كثيرين، ما تقوم به المؤسسة العسكرية لجهة تنفيذ القرار 1701 جنوب نهر الليطاني، وتكراره أن إسرائيل لا تلتزم بالاتفاق، وهي تعمل على إعاقة عمل الجيش.

 

وقد استُفزّت أورتاغوس مراراً من إشارة قائد الجيش إلى أن حزب الله يتعاون ويسهّل عملية الانتشار وحتى تسليم الكثير من الأسلحة. وهو أمر لا تقبل به الموفدة الأميركية التي تنظر في أوراقها، وتسأل عمّا فعله الجيش في عدة مواقع والكثير منها شماليّ نهر الليطاني.

 

التوتر الضمني الذي حصل بين قائد الجيش والموفدة الأميركية ارتفع منسوبه، بعد إعلان مجلس الوزراء قرار حصر السلاح في كل لبنان، وتكليفه الجيش بإعداد الخطة التنفيذية.


ذلك أن أورتاغوس نفسها، ومع مسؤولين أميركيين دبلوماسيين وعسكريين وأمنيين، اطّلعوا من قائد الجيش على الخطة نفسها التي عُرضت على مجلس الوزراء. وقد عرض الجانب الأميركي ملاحظاته التي تبدأ بالسؤال عن سبب استخدام عبارة «العدو الإسرائيلي» في معرض الشرح، وبينما هم يتحدّثون عن «جيش الدفاع الإسرائيلي – I.D.F»، كان هيكل يتابع حديثه بالإشارة إلى «جيش العدو الإسرائيلي – I.E.F».

 

وهو لم يهرب من الإجابة عن هذا السؤال، مذكّراً الحاضرين بأن الجيش مؤسسة تتبع للسلطة السياسية وتنفّذ ما يرد في الدستور، والدستور اللبناني يصنّف إسرائيل كعدو، وأن بيانات الحكومة تشير إلى إسرائيل كعدو. بينما حاول أميركيون، مثل الصهيوني ليندسي غراهام تبسيط الأمر، من خلال القول بأنه «يجب تغيير لغة التخاطب، فأنتم ذاهبون حكماً إلى سلام مع إسرائيل»، قبل أن يتطور موقف الجانب الأميركي من الجيش والقول بأنه «تقاعُس وتأخير متعمّد في الانتقال إلى العمل في منطقة شماليّ نهر الليطاني».

 

لكنّ الخلاصة التي كانت أورتاغوس تسمعها، وكذلك بقية الوفود الأميركية، مفادها أن الجيش أبلغهم بأنه ينتظر قرار الحكومة وأن الموضوع عند السلطة السياسية.

 

لم تكن واشنطن مرتاحة إلى طريقة عمل الجيش في ملف نزع السلاح، لكنّها تعتبر أن المسؤولية تقع على عاتق رئيس الجمهورية والحكومة


وبينما كان الرئيس عون يتعرّض لحملة ضغط وتهميش وتجاهل من الجانب الأميركي، تمظهرت لأول مرة في خلال زيارته لنيويورك وعدم تأمين اجتماعات لافتة له مع المسؤولين الأميركيين، وكذلك في عدم الإجابة حتى الآن عن طلبه زيارة واشنطن للاجتماع مع الرئيس دونالد ترامب.

 

لكنّ الحملة اشتدّت، بعدما انطلقت جوقة لبنانية، تقودها «القوات اللبنانية» وعدد من النواب والشخصيات المعروفين بعلاقتهم الجيدة مع الأميركيين، والذين يتهمون عون وقائد الجيش بأنهما «يعتمدان أسلوب المُداراة والمُراضاة مع حزب الله»، وهو موقف تبيّن أنه مطابِق نسبياً لموقف رئيس الحكومة نواف سلام، الذي صارت المدائح الأميركية والسعودية تنهال عليه بخلاف عون، فيما كان سلام يقول لسائليه عن ملف الجنوب، إن الإدارة السياسية متروكة لرئيس الجمهورية، وإن أي قرار تنفيذي يجب أن يأتي إلى مجلس الوزراء، وعندها يظهر موقفه.

 

لكن، يبدو أن في واشنطن، من وجد أنه بات من الضروري العمل على الفصل تماماً بين الرئيس عون وقيادة الجيش، ولذلك، كثرت أمس التسريبات عن الإهمال الأميركي المُتعمّد للرئيس عون، منها تحميله مسؤولية عدم إعطاء الأوامر لقائد الجيش لتنفيذ خطة نزع السلاح، وصولاً إلى انطلاقة خطة جعل الجيش غير خاضع بصورة فعلية لسلطة رئيس الجمهورية.

 

وهي حالة ليست مستجدّة على لبنان، وكان أول من قادها الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد وتابعها ابنه الرئيس بشار الأسد، ثم تولاها الأميركيون بعد خروج سوريا من لبنان، حيث واظبوا على إبعاد الجيش عن رئاسة الجمهورية وحتى عن قرارات الحكومة. وفي هذه الحالة، يعتبر الأميركيون أنهم في حال وضعوا يدهم كاملة على الجيش، فإن ذلك سيكون سهلاً في حال دخلوا مرحلة ابتزاز الجيش بتخفيض حجم المساعدات العسكرية والمالية له، سواء المُقدّمة من الولايات المتحدة أو من الدول العربية الحليفة.

 

أمّا عن احتمالية لجوء الولايات المتحدة إلى الضغط على رئيس الجمهورية لأجل إبعاد سلطته التقريرية عن الجيش، فإن التسريبات تتحدّث عن أمور أخرى، منها أن الولايات المتحدة ومعها حلفاء من الدول العربية في صدد بناء علاقات موازية مع الأجهزة الأمنية والعسكرية في لبنان، بعيداً عن السلطة السياسية.

 

وحجة هؤلاء، أنه بعد انتخاب الرئيس عون، وعند تكليف الرئيس سلام بتشكيل الحكومة، أبلغ الأخير صراحة بأن ملف التعيينات الأمنية والعسكرية متروك لرئيس الجمهورية. وهو أمر أُبلغ إلى عون من زاوية أنه سيكون المسؤول أمام أميركا والسعودية عن أداء هذه المؤسسات، وهم أصروا عليه، حتى في عدم تعيين المرشح الشيعي لمنصب المدير العام للأمن العام ما لم يكن هو مناسِباً له. ولذلك، حصلت التسوية على اسم اللواء حسن شقير الذي تربطه علاقة قوية بالرئيس عون ولم يكن في موضع رفض من قبل الثنائي أمل وحزب الله.

 

مخزومي... أميركا كمعبر نحو السعودية

تشهد العاصمة الاميركية وسفارتها في بيروت، لعبة بلياردو من قبل سياسيين لبنانيين، اذ ان القصة لا تتوقف عند «اليمين المسيحي». حيث يعمل آخرون من رجالات اميركا من المسلمين على تعزيز حضورهم عند الجانب الاميركي، ليس فقط لتقوية نفوذهم، بل لأجل استثمار ذلك في العلاقة مع الدول العربية المعنية بلبنان، وخصوصا المملكة العربية السعودية.


في هذا الملعب، يتقدم النائب فؤاد مخزومي بوصفه قائد «الحركة التصحيحية» للقيادة السنية في لبنان، ويعتبر أنه يقدر على تشكيل البديل الحقيقي عن زعامة آل الحريري، وأنه أفضل من يعبر بدقة عن الموقف المشترك للولايات المتحدة الأميركية والسعودية بشأن حزب الله.

 

ولكن مشكلة المخزومي أنه لا يقدر من تلقاء نفسه على معالجة كل أموره، فهو مضطر إلى أن يأخذ في الحسبان أساساً ما تريده السعودية.

 

ذلك أن تحالفاته خارج الدائرة السنية معروفة ومحصورة. وعليه الاختيار بشكل حاسم في المرحلة المقبلة بين أن يكون إلى جانب سمير جعجع فيضع نفسه في مواجهة الرئيس عون والصحناوي وفريق كبير من المستقلين المسيحيين، وبين أن يكون محايداً ومركزاً على سبل إقناع السعودية بأن يُترَك له أمر إدارة اللوائح في بيروت أقلها، على أن يقود تحالفات مع شخصيات سنية في بقية لبنان.

 

تدور مواجهة كبيرة في الشارع السني، وبينما تريد السعودية إخضاع كل السياسيين السنّة لإرادتها، فإن أبرز الطامحين، مثل فؤاد المخزومي، يطلب مساعدة واشنطن من أجل اعتماده رئيساً لكتلة نيابية ثم رئيساً للوزراء بعد الانتخابات


الرجل الذي تربطه علاقات كثيرة، من دون تحديد مدى فعاليتها، في الغرب، يهتم هذه الفترة بأن يكون هو الرجل الذي يستضيف اللقاءات المفتوحة التي تعقدها الوفود الأميركية التي تزور لبنان.

 

وهو حظي بمساعدة كبيرة من السفارة الأميركية في بيروت، وكذلك من السفارة البريطانية، وصار كل من يزور لبنان يعرف أنه يوجد في جدول أعماله لقاء موسع مع سياسيين من خصوم حزب الله يمكن جمعهم، مع آخرين (مستقلين) في منزل المخزومي المضياف بحسب إحداهن.

 

وهدف المخزومي ليس الحصول على دعم أميركي ليكون هو رئيس الحكومة المقبل في لبنان، بل في منع أي عائق يمكن أن يظهر من جانب السعودية.

 

ذلك أنه يفترض أنه تناهت إلى مسامع الرجل تعليقات ملك الوصاية السعودية يزيد بن فرحان، الذي يشبه إلى حد بعيد المسؤول السوري الراحل رستم غزالة في تقييمه للقيادات اللبنانية وطريقة التعامل معها. وطبعاً إن المخزومي لا يترك لأحد أن «يعلّم» عليه، فهو مستعد للإنفاق في الإعلام والعلاقات ودعم مراكز الأبحاث في أميركا نفسها، كذلك في توسيع دائرة مساعداته الاجتماعية في بيروت، ولكنه يفعل ذلك ضمن خطة تناسب طموحه.

الأخبار