<
17 November 2025
حرب الإسناد والخطيئة الأصلية - حبيب البستاني


حبيب البستاني *

منذ إعلان حزب الله حرب الإسناد في الثامن من أكتوبر 2023 أي بعد يوم واحد على بدء عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر 2023، والعمليات الإسرائيلية لم تتوقف على لبنان وبصورة خاصة على الجنوب اللبناني، وبالرغم من وقف إطلاق النار الذي أُعلن عن البدء في تنفيذه في 27 نوفمبر 2024 استمرت عمليات خرق وقف إطلاق النار من الجانب الإسرائيلي، وقد أحصت الأمم المتحدة أكثر من 7000 خرق إسرائيلي للقرار 1701 الذي أُعلن الالتزام به من قبل  كل من لبنان وإسرائيل، وكان آخر مآثر الجيش الإسرائيلي استهداف جنود حفظ السلام، بحجة الاشتباه بهم نتيجة رداءة الطقس. وكان لافتاً ما أعلنته إسرائيل من نيتها الاستمرار ببناء الجدار الفاصل بين لبنان وإسرائيل بحجة أن الجدار يقع جنوبي الخط الأزرق، فيما الأمم المتحدة نددت بهذا العمل الاستفذاذي الذي يشكل تهديداً على عناصر القوة الدولية من جهة وعلى السلام الهش في الجنوب اللبناني. وبدلاً من أن تتولى لجنة الميكانيزم العمل على ردع إسرائيل من مواصلة انتهاكاتها فإن هذه اللجنة قد تحولت إلى مراقب لإحصاء الخروقات من جهة وإلى ناطق بإسم قوات العدو، بحيث أنها بدأت بنقل التهديدات الإسرائيلية وإبلاغها إلى الجيش اللبناني كما فعلت بالنسبة لبلدة عيترون الحدودية التي تم إبلاغ الجيش عن نية إسرائيل بقصفها، مما استدعى إغلاقاً تاماً لمؤسسات البلدة لا سيما المدرسة وحظراً طوعياً للتجوال.

نوايا إسرائيل التوسعية
لقد بات واضحاً أن العدو يعمل على استحداث منطقة أمنية فاصلة على الحدود الجنوبية، وذلك كما يجري العمل به على الحدود الجنوبية مع سوريا، بحيث يتم إفراغ هذه المناطق من السكان بحجة حماية شمال إسرائيل وسكان المستعمرات من احتمال وجود خطر يتهددهم، فكل ما ليس إسرائيلياً يشكل تهديداً مباشراً للعدو. فمن هنا إعلان الدولة الإسرائيلية عن استمرار تمركزها في قمم جبل الشيخ وكل التلال والمرتفعات لا سيما مرتفعات الجولان المحتل الكاشف لشمال إسرائيل وكل مناطق إصبع الجليل. وفي هذا الإطار فإن كل الأحاديث عن انسحاب إسرائيلي من النقاط المحتلة في الجنوب اللبناني لا سيما التلال الخمس هو مجرد أوهام بأوهام، وأن الشروط الإسرائيلية ومطالب العدو لن تتوقف، وكل يوم عندهم مطالب جديدة وشروط جديدة.

في انتظار غودو
وما يصيبنا في لبنان هو تماماً ما حدث في المسرحية الهزلية الشهيرة التي تتحدث عن انتظار وصول شخصية مهمة أُطلق عليها إسم " غودو "، وهذه الشخصية التي يستمر انتظارها دون جدوى، وهكذا نحن ننتظر صبيحة كل يوم ومع بداية كل أسبوع " الشخص" الذي من شأنه أن يحمل الحل لمشاكلنا لاسيما تلك المتعلقة بالعدو الصهيوني، فرئيس الجمهورية ومعه الدولة العالية بأكملها تنتظر رد إسرائيل وأميركا على موافقة لبنان على المفاوضلت الغير مباشرة مع العدو، ولعل آخر الترجيحات أن الجواب موجود في جيب السفير الأميركي ميشال عيسى، وذلك بالرغم من تأكيد المبعوثة الأميركية مورغان أورتاغوس أن عيسى هو في الأخير سفير أميركا ولا يينبغي على اللبنانيين انتظار المعجزات منه.

هل حصرية السلاح هو الحل؟
طبعاً إن حصر السلاح بيد الدولة هو أحد مقومات الدولة الأساسية، ولكن إسرائيل انتقلت للبحث بأمور أوسع وأشمل ليس أقلها إعلان اتفاق أمني سياسي مع لبنان، ينتج من مفاوضات مباشرة تعني الاعتراف الكامل بدولة إسرائيل، فالدولة العبرية تعتبر أنها في وضع يمكنها من فرض شروطها والوصول إلى اتفاق مع لبنان، وهي إن لم تتمكن من ذلك الآن فإنها لن تتمكن منه أبداً. ويراهن العدو على فك ارتباط بين طهران وحزب الله، سيما وأن حرب الإثني عشر يوماً لم تعطِ نتائجها المرجوة، فالنظام النووي الإيراني وبالرغم من تضرره فإنه لم يزل قادراً على الاستمرار، أما حزب الله وبالرغم من التصريحات التي يطلقها أركان الحزب والإسرائيليون في آن معاً، فلقد تلقى ضربات قوية. ولكن السؤال يبقى إلى متى يبقى لبنان يدفع ثمن حرب الإسناد، وإذا كان صحيحاً أن هذه الحرب أفقدت الحزب مشروعيته في مقاومة إسرائيل فإنها لم تفقد الدولة شرعية الدفاع عن الأرض والناس. فبالرغم من اعتبار البعض حرب الإسناد بمثابة " الخطيئة الأصلية " عند المسيحيين، فإن المسيح قد جاء وقد أعتق البشرية من الخطيئة الأصلية بفعل الفداء، ألم يحن الوقت لإعتاق اللبنانيين من هذه الخطيئة؟ 

كاتب سياسي*