في ظل تصاعد التوترات الأمنية على امتداد الجغرافيا السورية، برزت محافظة السويداء مجددا إلى واجهة المشهد بعد إعلان لجنة التحقيق الرسمية توقيف عناصر من الجيش والأمن ظهروا في لقطات مصورة خلال ارتكاب انتهاكات، في خطوة وصفتها اللجنة بأنها "محايدة وغير خاضعة لأي توجيهات".
غير أن هذه التطورات، بدلا من أن تهدئ الاحتقان، فتحت الباب أمام تساؤلات أوسع حول استمرار الاشتباكات واتساع رقعة العنف، بالتوازي مع تحركات عسكرية وسياسية متشابكة تمتد من ريف حمص والرقة وصولا إلى الجنوب السوري، حيث تستثمر إسرائيل في مناخ الفوضى لتعزيز حضورها في محيط جبل الشيخ.
في هذا المشهد المتداخل، تتكثف الهواجس من انعكاسات أمنية أعمق، في وقت تبدو به البلاد مقبلة على مرحلة تتصادم فيها حسابات القوى المحلية والإقليمية مع المسار الدبلوماسي الذي تحاول دمشق تكريسه.
سياق سياسي متحول
أوضح الخبير العسكري والأمني عبد الله الأسعد خلال حديثه إلى برنامج "التاسعة" على "سكاي نيوز عربية"، أن النشاط الدبلوماسي والسياسي المتنامي للحكومة السورية خلال المرحلة الأخيرة وما تلاه من تفاهمات أمنية وانضمام سوريا إلى التحالف الدولي لمحاربة "داعش"، شكّل عامل ضغط مباشرا على المجموعات المسلحة والخلايا الإرهابية.
واعتبر أن هذا الحراك السياسي النشط ينذر بتصاعد العمليات الإرهابية كرد فعل مباشر من الأطراف المتضررة.
وأشار إلى أن تصريحات غربية، منها ما صدر عن المبعوث الأميركي توم براك حول اعتبار سوريا شريكا في مكافحة التنظيمات الإرهابية، تمثل مؤشرا على مرحلة جديدة في التعاون الأمني، قد تمتد إلى ملاحقة خلايا مرتبطة بحزب الله داخل الأراضي السورية.
رسائل عبر التصعيد
لفت الأسعد إلى أن الخلايا المسلحة سارعت إلى إرسال رسائل تصعيدية قبل توسع عمليات الملاحقة ضدها، مؤكدا أن قوات الأمن ووزارة الدفاع تنفذ يوميا عمليات لاقتحام أوكار ومخازن خلفها حزب الله والميليشيات التابعة له، إلى جانب داعش، في الأحياء الجنوبية لدمشق.
وذكر أن "انهيار الجبهات السابقة ترك وراءه مخازن كبيرة لم تتمكن المجموعات من سحبها، وهو ما يفسر استمرار نشاط الخلايا المتخفية ومحاولاتها إعادة التموضع عبر عمليات نوعية، مثل الهجوم الصاروخي على منطقة المزة الحساسة في دمشق".
وأكد الأسعد أن "الفرق العسكرية والأمنية تمكنت سريعا من تحديد مواقع إطلاق الصواريخ، اعتمادا على تقسيمات قطاعية وتقنيات متقدمة، مما أسفر عن توقيف بعض المتورطين".
ورأى أن "هذه الخلايا تمثل جزءا من التحديات الممتدة في الجنوب والمنطقة الوسطى والشرقية، وفي مناطق على الحدود اللبنانية التي كانت خاضعة سابقا لنفوذ ميليشيات مثل حزب الله".
إيران تتراجع
أشار الخبير العسكري والأمني إلى أن "إيران تعد أكثر الأطراف تضررا من الواقع الجديد، إذ تراجع نفوذها الممتد عبر ميليشيات، إلى درجة خروجها الكامل من المشهد".
وأكد أنها لم تعد تمتلك آليات تنفيذية داخل سوريا، مما يدفع المجموعات الحليفة لها إلى التصعيد لإرباك المشهد وزعزعة الأمن.
محاولات خلط الأوراق
شدد الأسعد على أن العمليات الإرهابية تزداد عادة قبيل استحقاقات سياسية مهمة، وضرب مثالا على ذلك بتزامن بعض الهجمات مع زيارة الشرع إلى واشنطن.
وأوضح أن "الأطراف التي تصفها لجنة تقصي الحقائق بأنها تسعى لخلط الأوراق، تحاول منع قيام مسار قانوني واضح، مستفيدة من اللحظة السياسية الحساسة لتحقيق مكاسب أو منع خسارة نفوذ".
كما تطرق إلى أن "تعدد الأيديولوجيات لدى الفصائل خلال السنوات الماضية كان يشكل عائقا أمام بناء قيادة موحدة، فلكل فصيل قادته وشرعييه ومرجعياته الخاصة، إلا أن مبادرة وزارة الدفاع لتوحيد الفصائل ضمن جيش واحد شكلت نقطة تحول مهمة في ضبط الإيقاع العسكري وتوحيد الخطاب والسلاح".
وأكد الأسعد أن "الجيش السوري لم يعد يعمل وفق العقيدة السوفيتية السابقة، بل يتجه نحو عقيدة جديدة تمزج بين المدارس الشرقية والغربية، مع التركيز على التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي".
وأشار إلى أن "تحديث منظومات الدفاع الجوي وصفقات السلاح المتقدمة سيقلص الاعتماد على العنصر البشري، ويزيد من دقة وفعالية الأداء العسكري".
وختم حديثه بالتأكيد على أن "التحركات المحدودة هنا أو هناك لن تؤثر في مسار إعادة الهيكلة، لأن عملية الدمج وتحديث العقيدة القتالية باتت قائمة على أسس استراتيجية واضحة".