<
14 November 2025
سوريا "الجديدة".. تقارب تاريخي مع واشنطن وتحولات إقليمية

دخلت العلاقة بين الولايات المتحدة وسوريا مرحلة غير مسبوقة من التحول السياسي، مع قرار الطرفين طي صفحة الماضي بكل ما حملته من صراع وعداء.

وجاءت زيارة الرئيس السوري أحمد الشارع إلى واشنطن ولقاؤه الرئيس الأميركي دونالد ترامب في البيت الأبيض، لحظة فارقة توجت هذا التقارب الاستراتيجي الجديد، الذي يتوقع أن يترك بصمة عميقة على توازنات المنطقة وملفاتها الحساسة.

وفي سياق قراءة هذا التحول، قدم الباحث في الشؤون السياسية والاستراتيجية ضياء قدور، خلال حديثه إلى برنامج "التاسعة" على "سكاي نيوز عربية"، تفصيلا معمقا لطبيعة المرحلة الجديدة، مشيرا إلى أن تصريحات تمثل انعكاسا لوضع سوري مغاير كليا لما كان عليه سابقا، ومنها ما صدر عن المبعوث الأميركي توم براك.

 

محاربة داعش

استهل قدور حديثه بالتأكيد على أن الحكومة السورية الحالية تبنت مكافحة تنظيم داعش منذ البداية، وقبل أن تنضم رسميا إلى التحالف الدولي.

هذا السجل، وفقا لقدور، يبرهن أن دمشق لم تعتمد على دعم خارجي في هذا الملف، بل تخوض المواجهة بقدراتها الذاتية، مستندة إلى بنية أمنية ترى في محاربة التنظيمات المتطرفة ضرورة استراتيجية.

واعتبر أن "هذا الدور يشكل أرضية طبيعية للمرحلة الحالية من التعاون مع التحالف الدولي بقيادة واشنطن".

القطيعة مع إيران

ومن أبرز النقاط التي تطرق إليها قدور، اقتلاع النفوذ الإيراني من سوريا، إذ اعتبر أن "أحد الأهداف الجوهرية للإدارة السورية الجديدة يتمثل في إنهاء أي نشاطات غير خاضعة لسلطة الدولة"، وقال: "لم يعد مقبولا أن تتحول الجغرافيا السورية إلى ممر لتهريب الأسلحة أو البشر أو الأموال".

وأشار إلى أن "ردع العدوان الإيراني أدى بالفعل إلى تراجع ملحوظ في نفوذ الميليشيات الإيرانية داخل سوريا"، مؤكدا أن ما يجري ليس خطوة ظرفية بل تغيير بنيوي.

واعتبر أن "هذه التغييرات تندرج ضمن عملية أوسع لإعادة تعريف الأمن الوطني السوري، تقوم على تعزيز سيادة الدولة، وضبط حدودها، وتحصين قرارها السياسي بعيدا عن الضغوط الإقليمية".

مكاسب متبادلة

شدد قدور على أن انضمام سوريا للتحالف الدولي ضد تنظيم "داعش"، في ظل السياق الجديد، يحقق فائدة مباشرة للطرفين، فالولايات المتحدة، حسب قوله، تستفيد من انخراط الدولة السورية في مكافحة التنظيم من دون أن تتحمل كامل الأعباء اللوجستية والمالية.

وقال: "هذا مكسب لواشنطن، لأنه يسمح بمحاربة داعش بالتعامل المباشر مع الحكومة المركزية، وليس مع فصائل غير حكومية أو جهات هامشية".

في المقابل، ترى دمشق في هذا التعاون فرصة لإعادة تموضعها إقليميا ودوليا، وتكريس دورها كدولة ذات سيادة تدير ملفاتها الأمنية بنفسها.

ويعتبر قدور أن هذا المسار التاريخي يمثل تحولا واضحا في المعادلة السورية، بعد سنوات من التعقيد الذي فرضته القوى المتصارعة على الأرض.

السلاح والسيطرة

أحد أبرز عناصر هذه المرحلة الجديدة، وفقا لقدور، يتمثل في توحيد المظلة الأمنية داخل سوريا، إذ تعمل الحكومة على نزع السلاح من الفصائل الخارجة عن نطاق الدولة، وهو الأمر الذي يشمل الفصائل المرتبطة بإيران مثل حزب الله وحركة حماس، إضافة إلى مجموعات أخرى كانت تتحرك خارج السلطة الرسمية.

وأوضح: "اليوم سوريا ليست بحاجة إلى تحمل أعباء أمنية إضافية أو عقوبات اقتصادية، بل تسعى إلى الخروج من العزلة، وهذا يتطلب إدارة موحدة للسلاح وتفكيك البنى العسكرية غير النظامية".

وفيما يتعلق بمسألة المقارنة بين دوري إيران وتركيا، أوضح قدور رفضه القاطع لفكرة أن أنقرة حلت محل طهران في سوريا، وقال إن طبيعة سياسات الدولتين الخارجية مختلفة جذريا، مضيفا: "إيران كانت تدير ميليشيات ووكلاء في المنطقة، بينما تركيا لا تعتمد هذه الآلية".

وبحسب قدور، فإن المعادلة السورية الجديدة لا يمكن أن تبنى من دون توافقات إقليمية ودولية، مشيرا إلى أن هناك دولا عربية رئيسية ساهم في هذه المرحلة، سواء عبر النفوذ أو الاستثمارات.

وأضاف: "تركيا تحصل على أمن الحدود، العرب يحصلون على النفوذ والاستثمارات، والولايات المتحدة تحصل على مكافحة داعش بلا أعباء مباشرة. هكذا يتم تقسيم الأدوار في سوريا".

Skynews