الديار: دوللي بشعلاني-
لم تعد قضية الموقوفين السوريين في السجون اللبنانية، تُشكّل فقط ملفاً قضائياً وإنسانياً، بل أصبحت أخيراً مدخلاً ديبلوماسياً رئيساً في محادثات إعادة تفعيل العلاقات بين بيروت ودمشق. وبين مطالب سورية باستعادة مواطنيها، وبين مخاوف حقوقية وقلق لبناني داخلي، يبقى مصير الموقوفين يتقاطع بين القانون والسياسة. فهل جُمّد الملف بعد التوافق على مسودة اتفاقية التعاون القضائي بين لبنان وسوريا؟ وما هي الخلافات والمعوقات التي تحول دون استكماله؟؟
تقول مصادر سياسية مطّلعة إنّ هناك 2723 موقوفاً سورياً في السجون اللبنانية حتى أواخر تشرين الأول الفائت، (بينهم 1136 في سجن روميه المركزي، والباقون يتوزّعون على سجون زحلة، القبّة- طرابلس، بعلبك، النبطية وصور)، ويُشكّلون 30% من مجمل السجناء والموقوفين في لبنان(أي ما يُقارب ثلث السجناء).
ومن بين هؤلاء، هناك نحو 1300 موقوف بجرائم غير خطرة (سرقة، مخدرات...) أو بانتهاكات عبور غير نظامي وإقامة. وهؤلاء يمكن أن يشملهم البحث في الاتفاقية القضائية اللبنانية- السورية، حول الترحيل أو نقل المحاكمات. غير أنّ ثمّة نحو 1423 سورياً متهماً بأعمال "إرهابية"، أو بالانتماء الى فصائل مسلّحة قامت بجرائم قتل عناصر الجيش اللبناني، أو بجرائم قتل واغتصاب. وهؤلاء لا تشملهم هذه الاتفاقية.
وكان حصل تقدّم فعلي في صياغة مسودة اتفاقية التعاون القضائي بين البلدين في تشرين الاول المنصرم، على ما تؤكّد المصادر، خلال لقاء الوفدين القضائيين برئاسة وزيري العدل اللبناني عادل نصّار، والسوري مظهر الويس.
وأقرّ الطرفان أن هناك «خطوات متقدّمة جداً» لإنجاز المسودة، وأن الجانب السوري تعهّد بمتابعة المطالب اللبنانية، وتقديم المعلومات المطلوبة حول ملفات حسّاسة (موقوفين، مخفيين قسراً، ومعلومات عن عمليات أمنيّة في لبنان).
فهل جُمّد الملف؟ وما هي المعوقات التي تحول دون استكماله؟ تُجيب المصادر السياسية بأنّ "المسودة أنجزت جزئياً، وتمّ التوافق على الكثير من البنود التقنية، لكن لم يُعلن عن توقيع نهائي بعد. وصحيح أنّ الملف لم يُحسم بالكامل، لكنّه ليس مجمّداً، بل على العكس. فبعد اجتماعات تشرين الفائت، هناك ديناميكية عمل تقوم بها لجنة متابعة مشتركة، لاستكمال النصوص والتفاصيل الفنية. وقد يحصل تبادل زيارات لاحقة، عندما يتبلور النصّ النهائي للاتفاقية. علماً بأنّه ليس من معطيات تُلزم وزير العدل بزيارة دمشق فوراً، رغم استعداده للقيام بها في حال وجوب ذلك.
كذلك، فإنّ الجانب السوري أعطى «تعهداً رسمياً» بتقديم التعاون والمعلومات المطلوبة، خصوصاً بشأن ملفات الاغتيالات والمختفين قسراً، الأمر الذي يجعل المباحثات تستمرّ. وأظهرت جولات الوفد السوري في بيروت في وقت سابق، على ما تلفت المصادر، إلى أنّ هناك تقدّماً نحو صيغة تعاون قضائي، تسمح بنقل أو استلام سجناء سوريين غير المحكومين بجرائم قتل، أو بالقضايا «الخطرة جداً». لكن أي نقل يُفترض أن يتبع إجراءات قضائية وقوائم تدقيق، وقد تكون هناك تحفّظات لبنانية عن بعض الحالات. كما توجد في القانون اللبناني آليات للإفراج المشروط والتخفيف لشروط تنفيذ العقوبة، لكن تطبيقها يتأثر بالضغوط السياسية.
وتكشف المصادر عن معوقات وقيود تحول حالياً دون التوصّل الى حلّ سريع لقضية الموقوفين السوريين، رغم أنّها مفتاح الملفات الشائكة الأخرى العالقة بين البلدين، لا سيما ملف النازحين السوريين، وترسيم الحدود، والعلاقات الاقتصادية والتجارية والديبلوماسية وسواها. وأبرز هذه المعوقات:
1- قضائية وقانونية تتعلّق بالحاجة إلى تدقيق القوائم، والضمانات القانونية لعدم المساس بحقوق المحكومين، والتوافق على من هو قابل للنقل.
2- سياسية، تتمحور حول المخاوف اللبنانية من إعادة عناصر أدّت أعمالا ضد الدولة أو الأمن، والضغوط الداخلية من السياسيين والطوائف تجاه أي تسهيلات.
3- منظمات تحذّر من خطر الترحيل القسري إلى بيئة، قد تُعرّض المعادين لنظام سابق أو من عمل معهم للخطر.
من هنا، يمكن القول إنّ القوائم الدقيقة للموقوفين (من هم بالأسماء)، وعدد من سيوافق القضاء اللبناني فعلاً على إطلاق سراحهم أو تسليمهم، والجداول الزمنية التنفيذية، كلّها أمور لا تزال قيد البحث.
وفي الوقت الذي تحدّث فيه الجانب السوري عن اتفاقيات أو تفاهمات مبدئية، أشار لبنان إلى خطوات لاحقة مطلوبة. فهل سيُستكمل هذا الملف قريباً ليُفتح الباب واسعاً على الملفات الأخرى العالقة بين البلدين؟