الأخبار: يبدو أن مسلسل التسريبات الأمنية والعسكرية في كيان العدو لن يتوقف. المسألة هنا، لا تتعلّق برغبة بتوجيه رسائل إلى العدو. بل يبدو أن في الكيان، من يحتاج إلى إقناع الجمهور قبل الجيش وأهل القرار الميداني، بأن العودة إلى الحرب في لبنان باتت ضرورية. وبدل أن تُقِرّ إسرائيل بفشلها في تحقيق أهدافها من الحرب السابقة، فهي تتحدّث عن «مهمة يجب أن تُنجز». وهو ما يتولّى آخرون الترويج له أيضاً، خصوصاً الأميركيين، الذين كانوا يعتقدون أن اتفاق وقف إطلاق النار، هدف إلى تجنيب لبنان المزيد من الضربات، لكن شرط أن تقوم الدولة باستكمال المهمة التي بدأتها إسرائيل، وأن تبادر السلطة الجديدة إلى تطبيق سياسة نزع سلاح حزب الله.
وما يعزّز هذه الفرضية، أنه بعد عشرة أشهر كاملة من الاستعراض الإسرائيلي عن «نجاحات لبنان الهائلة»، فقد توقّف فجأة الحديث عن «إبداعات» الموساد التي حصلت في ملف «البيجر» وأجهزة الاتصالات اللاسلكية وعمليات الاغتيال لقادة الحزب من سياسيين وعسكريين، أو ضرب منصات ومراكز تخزين أسلحة نوعية.
بل على العكس، دخل إعلام العدو، خلال أسبوعين في موجة جديدة من التهديدات، القائمة على فرضية أن حزب الله بدأ يستعيد عافيته، وأنه يعمل على ترميم قدراته العسكرية، وبات يشمل تهديداً يجب معالجته، وعند هذا الحدّ، يأتي دور الوسيط الأميركي أو بقية الرعاة الخارجيين، الذين يقدّمون النصح إلى لبنان بوجوب التفاعل مع الطلبات الأميركية، قبل أن يُنهوا كلامهم بالتحذير نفسه: إذا لم تلتزموا أنتم بنزع السلاح، فإن إسرائيل ستقوم بالمهمة!
ووسط استمرار سياسة الغموض القائمة من جانب حزب الله، إلا أن إعلام العدو، نشر خلال الساعات الـ36 الماضية، تصريح الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم عن أنّه: «لا يمكن أن يستمرّ هذا النوع من العدوان، القتل والقصف، بهذه الطريقة. لكل شيء حدّ. ولن أقول أكثر من ذلك. على الجهات المعنية أن تنتبه للوضع، لأنه لا يمكن أن يستمر بهذه الطريقة». وقد لجأ محلّلون ومعلّقون إلى الحديث عن مقاصد هذا الموقف كما قرأوه من جانبهم.
لكن، يبدو أن السمة العامة التي تغلب على ما يُنشر في الكيان، هو أن إسرائيل تعتبر نفسها أمام «خصم ضعيف». ونشرت صحيفة «إسرائيل اليوم» أمس تقريراً أشار إلى تصريحات قاسم ليعلّق بأنه «خلف التصريحات القتالية، يختبئ تنظيم يمرّ في أدنى مستوياته. وأن هذا التهديد يأتي بعد الرسالة المفتوحة التي وجّهها الحزب إلى قادة الدولة» ليضيف أنه «في ظل الوضع المركّب الذي يعيشه التنظيم، هناك شك كبير في أنّ صبره قد نفد.
ولا يبدو أنّه يقدر على مواجهة جديدة أو حتى تبادل ضربات مع إسرائيل، لأنه في سيناريو مواجهة جديدة، ولو كانت محدودة، فإن حزب الله سيفقد ما حقّقه حتى اليوم، فهو حصل على نحو مليار دولار منذ كانون الثاني 2025، كما نجح في الأسابيع الأخيرة، في تهريب مئات الصواريخ من سوريا، وكذلك إصلاح وإعادة تشغيل صواريخ ومنصّات أُصيبت خلال الحرب، وعمد إلى تجنيد آلاف المقاتلين الجدد»، لتجد الصحيفة في خلاصة التقرير «أنّ إعلان قاسم موجّه أيضاً لترضية عناصر التنظيم غير الراضين عن سياسة عدم الرد على الهجمات الإسرائيلية».
أمّا بالنسبة إلى ما يعتبره كاتب التقرير عن «استراتيجية مطلوبة من قبل إسرائيل» فإن الوضع الآن يفرض اتّباع سياسة مختلفة وعليها «أن توسّع المواجهة معه لتشمل الساحة الاجتماعية والأيديولوجية، وأن تستغل فرصة أن حزب الله في وضع سياسي ضعيف، وأن إدارة الرئيس دونالد ترامب المُحبطة من عدم قيام الدولة اللبنانية بشيء، سوف تمنح إسرائيل هامشاً واسعاً لمواصلة هجماتها عليه. لكن يبدو أنْ لا مفر من توسيع المواجهة إلى المجال الاجتماعي والأيديولوجي، وعدم الاكتفاء بالمجال العسكري أو العقوبات الاقتصادية».
وينصح التقرير إسرائيل والولايات المتحدة «بإطلاق مشروع استراتيجي طويل المدى لفكّ ارتباط الشيعة اقتصادياً عن حزب الله، وإقامة شبكة منافِسة لشبكة «الدعوة» التي يقدّمها حزب الله (خدمات اجتماعية، صحية، مالية، رعاية). وقطع التمويل الإيراني عن حزب الله خطوة في الاتجاه الصحيح. لكنّ الهدف الأعمق يجب أن يكون عبر تقديم بديل اقتصادي–اجتماعي يجعل الشيعة قادرين على تبنّي هوية لبنانية مستقلّة، عبر توفير خدمات بديلة عن خدمات حزب الله».
قرع طبول الحرب
وفي موقع «إيمِس» كتب المحلل السياسي شلومو ريزل، أن إسرائيل تراقب تعاظم مسارات حزب الله في إعادة تنظيم أموره العسكرية. ويقول: «إن استعادة الحزب قوته السابقة، بما يعيده ليشكّل تهديداً استراتيجياً لإسرائيل. كما أنه على الرغم من سقوط الأسد وانهيار الممرّ البري الأساسي لتهريب الصواريخ من سوريا إلى لبنان، فإنّ الحزب يستغلّ الفوضى السورية وينجح حتى الآن في تمرير صواريخ ومكوّناتها عبر الأراضي السورية».
ويضيف بعض ما تسرّبه القيادة العسكرية والأمنية بأن «خطة تعزيز القوة الصاروخية، تقوم على انتشال صواريخ من مناطق جنوب الليطاني كانت قد تضرّرت بفعل ضربات إسرائيل، ويعاد تأهيلها ونشرها في مواقع أخرى؛ وتفعيل ورش تصنيع الصواريخ داخل لبنان بكامل طاقتها».
وبحسب التقرير نفسه فإن الحرب الأخيرة «أظهرت لحزب الله أنّ الصواريخ لم تحقّق إصابات كبيرة، ما دفعه إلى التركيز على مساريْن أكثر فاعلية من حيث سهولة الإنتاج ودقّة الإصابة، مثل الطائرات المُسيّرة، التي كانت السبب وراء جزء كبير من سقوط القتلى الإسرائيليين خلال الحرب الأخيرة. أمّا المسار الثاني والأكثر خطورة، فهو الغزو البري لـ»قوّة الرضوان» نحو البلدات المتاخِمة للسياج الحدودي أو نحو القواعد العسكرية».
وعليه، يجد كاتب التقرير أن «إسرائيل تدرك أن ساعة الحسم تقترب وأن التعامل مع هذا التهديد بات ضرورة ملحّة»، ليعود ويقول، إن «الحزب، يخطئ في تقديره لوضع إسرائيل، كون نتنياهو ما بعد السابع من أكتوبر ليس هو نتنياهو ما قبله؛ فالأخير بات أكثر تشدّداً وتصميماً على إزالة التهديدات، ما لم يُعِقْه الضغط الأميركي. وإسرائيل، ليست في موقع المتفرّج، ولو أدّى عملها إلى توسيع المواجهة».
ولكنْ هناك تفاؤل!
في المقابل، كتب رون بن يشاي في «يديعوت أحرونوت» أمس عن أن ««الرياح الحربيّة التي تهبّ على حدود إسرائيل – لبنان، لا تعكس صورة الوضع كما هي سياسياً، إذ إنّ تقدير الموقف في إسرائيل والولايات المتحدة لما يحدث الآن في لبنان أكثر تفاؤلاً بكثير مما ينعكس في تقارير الإعلام».
واستند الكاتب أو مصادره بتقديره إلى «ردّ فعل الجمهور في لبنان، بما في ذلك داخل الطائفة الشيعية، على «الرسالة المفتوحة» التي أرسلها حزب الله إلى قيادة لبنان وإلى وسائل الإعلام في البلاد».
وأشار إلى أن «ما فاجأ الخبراء في القدس، وفي مقرّ وزارة الأمن الإسرائيلية، وفي واشنطن، كان ردّ شخصيات معروفة ومرموقة داخل الطائفة الشيعية في لبنان، نشرت بيانات إدانة وانتقاداً حادّاً للنهج التحدّي الذي قرّر حزب الله اعتماده أخيراً على ما يبدو بتأثير إيراني.
هؤلاء الأشخاص، المنتمون إلى تيار يتعزّز داخل الطائفة الشيعية ويعارض حزب الله، نشروا مقاطع فيديو دعوا فيها علناً أبناء الطائفة إلى ممارسة الضغط على التنظيم لتغيير سلوكه والسماح بتسوية جديدة، بما في ذلك نزع السلاح».
وبحسب الكاتب الذي يُفترض أنه على صلة بمواقع نافذة في الكيان فإن «جهات موثوقة تشير إلى أنّ حكومة لبنان تمتلك اليوم قوة سياسية وعسكرية أكبر مما كانت عليه في العقود الأخيرة، وأن حزب الله ضعف عسكرياً بشكل كبير، وخسر عناصر ومنظومات سلاح رئيسية، وإيران غير قادرة ولا تنجح في تزويده لوجستياً ومالياً كما في الماضي، وأن كل الطوائف اللبنانية، خصوصاً الشيعة، مُرهقة ومتضرّرة بشدة من الحرب، وترى في الحكومة الجديدة فرصة لإخراج البلاد من الضائقة الاقتصادية».