المدن-
في خطوة جديدة تؤكد اهتمام الإمارات بتوسيع حضورها الاقتصادي في سوريا، أعلنت مجموعة موانئ أبوظبي توقيع اتفاقية استحواذ على 20 في المئة من محطّة حاويات اللاذقية الدولية، بالتعاون مع الشركة الفرنسية CMA CGM مقابل 81 مليون درهم (نحو 22 مليون دولار).
وتأتي هذه الخطوة بعد أشهر قليلة من توقيع موانئ دبي العالمية اتفاقًا لتطوير وتشغيل ميناء طرطوس بقيمة 800 مليون دولار، في سياق مساعٍ إماراتية لإعادة تأهيل البنية التحتية البحرية السورية وربط الموانئ بسلاسل تجارية إقليمية ودولية.
اللاذقية: البوابة البحرية الأولى
تمثّل محطّة حاويات اللاذقية البوابة البحرية الرئيسية لسوريا، إذ تتولّى مناولة أكثر من 95 في المئة من البضائع المعبأة في حاويات، خصوصاً المنتجات الزراعية والصناعية. وتدار المحطة منذ 2009 عبر ذراع التشغيل CMA Terminals التابعة للشركة الفرنسية.
وتشمل اتفاقية الاستثمار الجديدة مع موانئ أبوظبي تحديث البنية التحتية للمحطة، ورفع كفاءتها التشغيلية، وترقية أنظمتها الرقمية، بما يعزّز قدرتها على التعامل مع حجم أكبر من الحاويات، ويحوّلها إلى منصة لوجستية متقدّمة في شرق البحر المتوسط.
اتفاقية التطوير وتوسعة الطاقة
الاتفاقية تتضمن أيضاً زيادة القدرة الاستيعابية للمحطة من 250 ألف إلى 625 ألف حاوية نمطية بحلول نهاية عام 2026، مع توسعة الأرصفة وتعميقها إلى 17 مترًا لاستقبال السفن الكبيرة.
كما تتولى شركة "جي إف إس" التابعة لموانئ أبوظبي بنسبة 51%، تقديم خدمات الشحن الإقليمي للحاويات، بما يتيح ربط ميناء اللاذقية مباشرة بشبكة الموانئ الإماراتية والإقليمية.
وتخطط CMA CGM لضخ 30 مليون يورو في السنة الأولى، و200 مليون يورو إضافية على أربع سنوات، لتطوير البنية التحتية للميناء ضمن عقد طويل الأمد يمتد حتى 30 عامًا.
تحدّيات السيادة الاقتصادية
بعض آراء خبراء الاقتصاد تذهب إلى أن استثمارات موانئ أبوظبي وCMA CGM في ميناء اللاذقية، على رغم فوائدها الاقتصادية، تطرح إشكالات تتعلق بالسيادة التشغيلية على أهم منفذ تجاري في البلاد. "فالدولة تبقى مالكة للأرض والأرصفة، لكن القرارات التشغيلية والاستراتيجية مثل منح العقود، وتحديد أولويات الشحن، والسياسات السعرية، باتت إلى حد كبير بيد المستثمرين والمشغّلين الأجانب".
ويعتبر الخبراء أن هذا الوضع يعني أن الميناء يُدار كأصل استثماري مستقلّ بعيدًا عن خطط الحكومة، مع محدودية قدرتها على توجيه استخدامه بما يتوافق مع سياسات التنمية الوطنية، ما يثير تساؤلًا مهمًا: هل يمكن أن تظل الحكومة مقتصرة على دور المالك الرسمي، بينما أهم منفذ تجاري في البلاد يُدار تحت تأثير جهتين خارجيتين، أبوظبي ومرسيليا؟
جدوى الاستثمار والمخاطر
من جهته، يشير مستشار اقتصادي ورئيس مجلس النهضة السوري عامر ديب، إلى أن دخول مجموعة موانئ أبوظبي إلى ميناء اللاذقية يمثل خطوة استراتيجية تعزز فعليًا كفاءة بوابة الحاويات الأولى في سوريا.
وفي حديثه مع "المدن"، يضيف ديب أن الصفقة ترفع الطاقة التشغيلية للميناء، وتخفض كلفة اللوجستيات، وتسهّل تدفق المواد الخام والسلع الزراعية والصناعية، ما ينعكس مباشرة على التجارة السورية، ويعزز الثقة بين الخطوط الملاحية والمستثمرين اللوجستيين.
ويبرز الخبير أن الشراكة الإماراتية-الفرنسية توفّر حزمة متكاملة من التشغيل والخدمات اللوجستية، إذ تجمع بين خبرة CMA CGM في إدارة العمليات المحلية ومعرفة السوق السورية، ورأس المال التشغيلي والإدارة المهنية لموانئ أبوظبي وشبكاتها في الخليج والهند وأفريقيا. هذا التكامل، وفقًا لديب، يسرّع تحديث المعدات والأنظمة الرقمية، وإجراءات السلامة والجودة، ويعطي للميناء القدرة على تقديم خدمات بمستوى عالمي.
يشير عامرديب أيضًا إلى أن نموذج الحصة الأقلية (20%) يحدّ من التعرض السياسي والقانوني، ويتيح للدولة البقاء على مقعد ضمن القرارات الاستراتيجية الأساسية، مع إمكانية تحقيق مكاسب سريعة من تحسين السعة والإنتاجية والأمن والسلامة.
ويؤكد الخبير أن استمرار بيئة تشغيلية وامتثالية منظمة يفتح الباب أمام استثمارات خليجية إضافية، خصوصًا إذا ترافق ذلك مع إزالة العقبات البيروقراطية التي تعيق تنفيذ المشاريع.
كذلك يشير إلى أن التحديات داخل المؤسسات السورية أحيانًا تجعل اتخاذ القرارات أبطأ، على رغم أن توجيهات الرئاسة واضحة في دعم المستثمرين وتسهيل عملهم، ما يجعل نجاح الاستثمارات يعتمد على التوازن بين القوانين والمرونة التشغيلية.
في رأيه، هذه الخطوة لا تأتي منفصلة عن مشاريع أخرى مثل امتياز DP World في طرطوس، بل تخلق شبكة إماراتية مزدوجة على الساحل السوري، تربط بين طرطوس واللاذقية، وتوفر اقتصاديات حجم قوية، وتسهل جذب خطوط شحن وترانزيت دولية، ما يعزز من فرص التنمية الاقتصادية الطويلة المدى في قطاع الموانئ والخدمات اللوجستية.
الفرص والتحديات الاقتصادية
ومع توسعة ميناء اللاذقية وطرطوس، يُتوقع أن تتحسن حركة الصادرات والواردات السورية، وأن تتسع فرص العمل، وتزداد فعالية البنية التحتية اللوجستية.
غير أن الخبراء يحذرون من أن نجاح هذه المشاريع مرتبط بالاستقرار السياسي والاقتصادي في البلاد، وأن هناك تحديات لوجستية وتشغيلية قد تواجهها الشركات خلال مراحل التطوير والتشغيل، لكنها تشكل بلا شك خطوات ملموسة نحو إعادة إحياء الموانئ السورية بعد سنوات من الركود والعزلة الاقتصادية.
الربط الإقليمي وآفاق التوسع
بالتوازي، يُنظر إلى استثمارات موانئ أبوظبي ودبي العالمية على أنها مدخل لإعادة توظيف رؤوس الأموال العربية في سوريا، ودعم مرحلة إعادة الإعمار الاقتصادي. كما يمكن أن تفتح هذه المشاريع الباب أمام شركات خليجية ودولية أخرى لدخول السوق السورية، خصوصًا في قطاع الشحن البحري والصناعة والتجارة اللوجستية، بما يعزز دور الساحل السوري كمركز تجاري ولوجستي إقليمي.