الأخبار: عامر علي-
استبق الشرع زيارته لواشنطن بحملة ضد «داعش» تُكرّس اصطفاف دمشق مع «التحالف الدولي» من جهة، وتعمّق الشرخ مع الفصائل المتشدّدة من جهة أخرى.
استبقت السلطات السورية الانتقالية الزيارة التي بدأها الرئيس الانتقالي، أحمد الشرع، إلى الولايات المتحدة، حيث يلتقي، اليوم، الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بإطلاق حملة قالت إنها «واسعة» ضد خلايا تنظيم «داعش»، في خطوة يمكن اعتبارها استعراضاً تمهيدياً لانضمام دمشق الجديدة إلى «التحالف الدولي ضد داعش»، والمتوقّع أن يُوثَّق رسمياً في البيت الأبيض.
وجاءت الحملة الأمنية التي حظيت بتغطية مكثّفة من وسائل الإعلام التابعة للسلطات الانتقالية والمؤيّدة لها، وشملت حلب وإدلب وريف دمشق ومناطق أخرى، في وقت أعلن فيه المتحدّث باسم وزارة الداخلية، نور الدين البابا، تنفيذ أكثر من 61 مداهمة أسفرت عن اعتقال 71 شخصاً ومصادرة كميات من الأسلحة والذخائر.
وفي تصريحاته إلى «الإخبارية السورية»، قال المتحدّث، إن «جهاز الاستخبارات العامة ووزارة الداخلية التقطا معلومات تفيد بأن هناك نية للتنظيم بتفعيل عمليات جديدة (...) لذلك قامت القوى والأجهزة الأمنية بعملية استباقية لتحييد هذا الخطر»، على حدّ تعبيره. وأشار البابا إلى اعتقال «قيادات عالية وخطيرة ومتوسطة» في التنظيم، مؤكداً ضبط «كتيبة انتحاريين» في مدينة حلب، واعتقال القيادي البارز في «داعش»، عبد الإله الجميلي، المُلقّب بـ«أبي عماد الجميلي».
وفيما اعتبر البابا أن اعتقال الجميلي «يشكّل ضربة قوية للتنظيم، ويحدّ من نشاطه الميداني»، أثار هذا الأمر تساؤلات واسعة؛ إذ كانت وزارة الداخلية أعلنت، في حزيران الماضي، القبض على الرجل نفسه، واتهمته حينها بالوقوف وراء الهجوم الانتحاري على كنيسة مار إلياس في حي الدويلعة في دمشق، الذي راح ضحيّته 25 شخصاً، بالإضافة إلى إصابة العشرات.
وفي وقت اتّخذت فيه الحملة - التي لم يُتحدّث عن نتائج حقيقية لها، باستثناء الإعلان عن اسم الجميلي المُعتقل قبل خمسة أشهر -، طابعاً دعائياً واضحاً، تزامن إشهارها مع نشر وزير الخارجية، أسعد الشيباني، تسجيلاً مصوّراً يُظهر الشرع وهو يلعب كرة السلة في استراحة القصر الجمهوري في دمشق، إلى جانب قائد القيادة المركزية الأميركية، الجنرال براد كوبر، وقائد «قوة المهام المشتركة» العميد كيفن لامبرت.
والظاهر أن هذا المشهد أريد من خلاله الإيحاء بمتانة العلاقة بين الرئيس الانتقالي والضباط الأميركيين، وتوجيه جملة من الرسائل السياسية إلى مختلف الأطراف المنخرطة في الملف السوري، وعلى رأسها «قوات سوريا الديمقراطية»، الحليفة الاستراتيجية لواشنطن.
تنتظر واشنطن من زيارة الشرع التوصّل إلى اتفاقية أمنية مع إسرائيل
وبينما وصل الشرع إلى واشنطن، حيث التقى عدداً من ممثلي المنظمات السورية في الولايات المتحدة، قبل اجتماعه المُرتقب مع ترامب اليوم، أثارت الحملة الدعائية التي رافقت الزيارة، بشقّيها الأمني والإعلامي، ردود فعل غاضبة في الأوساط المتشدّدة التي امتلأت صفحاتها على وسائل التواصل بانتقادات للسياسة التي يتّبعها الرجل. كما برزت مخاوف متزايدة داخل الأوساط «الجهادية»، التي تشكّل قوة لا يُستهان بها في المؤسسات التي تحاول السلطات الانتقالية بناءها لحكم سوريا، من أن تكون تلك الحملة مقدّمة لضرب المجموعات «الجهادية»، خصوصاً الأجنبية منها، في سياق «الحرب على الإرهاب»، التي من المُتوقّع أن تشهد نمواً متزايداً بعد انضمام دمشق إلى «التحالف».
وركّز الشرع، في أثناء اللقاءات الرسمية التي أجراها في واشنطن، بشكل أساسي، على ملف العقوبات الاقتصادية والاستثمارات، لافتاً إلى أن هدفه من الزيارة «توطيد العلاقات» مع واشنطن ورفع ما تبقّى من العقوبات المفروضة على سوريا، في إشارة إلى عقوبات «قيصر» التي ما زالت سارية بشكلها القانوني، وقام الرئيس الأميركي بتجميدها فقط في انتظار اتخاذ إجراءات تشريعية لإزالتها. وإلى جانب تثبيت انضمام الشرع إلى «التحالف»، تنتظر واشنطن من هذه الزيارة جملة مكاسب، أبرزها التوصّل إلى اتفاقية أمنية مع إسرائيل، بعدما أعلن المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا، توماس برّاك، أن «سوريا أصبحت في صفّنا»، في تعليق سابق له على عملية مشتركة ضد خلية لـ«داعش»، تبيّن لاحقاً أنها استندت إلى معلومات استخباراتية خاطئة.
وكانت واشنطن قد مهّدت للزيارة بشطب اسم الشرع ووزير داخليته، أنس خطاب، من قائمة الإرهاب في مجلس الأمن الدولي، بعد فشل محاولات سابقة لتمرير قانون يقضي بشطب «هيئة تحرير الشام» بشكل كامل من قائمة العقوبات. وتمّ تمرير القرار بعد إدخال تعديلات عليه من قِبل الصين، تؤكد استمرار الحرب على الفصائل الإرهابية الأجنبية، وهو ما أضفى على الزيارة بعداً قانونياً مناسباً لترامب، علماً أن الولايات المتحدة وبريطانيا شطبتا أيضاً «تحرير الشام» من قوائمهما الخاصة بالإرهاب.
ورغم الدفعة المعنوية والسياسية الكبيرة التي حظي بها الشرع، خصوصاً في وجه خصومه (على رأسهم «قسد»)، عمّقت هذه الزيارة الهوّة بين السلطات الانتقالية والفصائل المتشدّدة.
ومن شأن ذلك أن يعزّز من احتمالات الانفجار الداخلي، خصوصاً مع ارتفاع الأصوات التي ترفض سياسة تلك السلطات التي باتت فعلياً تحت الجناح الأميركي.