<
05 November 2025
عامان من النار.. السودان يترنح بين المبادرات والرصاص

تشهد الساحة السودانية تصاعدا غير مسبوق في الأزمة المسلحة التي اندلعت منذ أكثر من عامين بين الجيش وقوات الدعم السريع، وسط محاولات أميركية متواصلة لفرض هدنة إنسانية، بينما يبدو الجيش متمسكا بموقفه القائم على الحسم العسكري، وفقًا لما أكدته المصادر الرسمية والخبراء المشار إليهم خلال حديثهم إلى التاسعة على سكاي نيوز عربية.

فقد أعلن وزير الدفاع في حكومة البرهان حسن كبرون، في خطاب بثه التلفزيون الرسمي، أن الجيش سيواصل القتال ضد قوات الدعم السريع، مؤكدًا تقديره لجهود إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب ومقترحاتها لتحقيق السلام.

 

وأضاف الوزير أن التجهيزات لمعركة الشعب السوداني مستمرة، في إشارة إلى استمرار الاستعدادات العسكرية رغم المبادرات الدولية للهدنة.

 

من جانبه، أوضح كبير مستشاري الرئيس الأميركي للشؤون العربية والأفريقية مسعد بولس أن الولايات المتحدة تعمل مع كل الأطراف، الجيش وقوات الدعم السريع، لتحقيق وقف إطلاق النار وتقديم الدعم للمرحلة الإنسانية في البلاد.

قراءة أميركية للواقع السوداني

 

من واشنطن، قدم الباحث في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات حسين عبد الحسين قراءة معمقة للموقف السوداني، موضحا أن الجيش رفض في البداية المشاركة المباشرة في المفاوضات التي جرت في العاصمة الأميركية، إذ اقتصرت الجلسات على مفاوضات غير مباشرة بمشاركة ممثلين عن الجيش وقوات الدعم السريع.

 

وأضاف عبد الحسين أن رفض الجيش كان مرتبطا بخطاب داخلي ثابت منذ اليوم الأول للحرب، حيث يرى الجيش أن الحل الوحيد للأزمة هو الحسم العسكري، وهو الخطاب الذي لم يتغير حتى بعد محاولات الضغط الإقليمي والدولي.

 

وأشار الباحث إلى أن التغييرات في خطاب الجيش كانت محدودة وموجهة بشكل رئيسي للخارج، بينما استمر الخطاب الداخلي للتأكيد على الخيار العسكري. هذا التناقض يفسر شروط الجيش العديدة لوقف إطلاق النار، والتي تختلف عن المعايير الدولية المعتادة للتهدئة غير المشروطة، وهو ما يعكس عدم رغبة الجيش في التنازل عن أهدافه الاستراتيجية في الصراع.

وأكد عبد الحسين أن الإدارة الأميركية تسعى إلى تحويل النقاش من تبادل الاتهامات إلى عملية ملموسة، عبر دعوة الطرفين إلى وقف فوري لإطلاق النار، يليها البحث في مرحلة انتقالية ثم التوصل إلى اتفاق سلام شامل.

 

ورأى أن الولايات المتحدة تحاول تقديم "صفحة جديدة" بعيدا عن محاسبة أي طرف على الماضي، في محاولة لإيجاد أرضية مشتركة، رغم أن الأدوات المتاحة لها محدودة اقتصاديا وسياسيا، بسبب العقوبات السابقة الطويلة الأمد التي عزلت السودان عن النظام المالي العالمي، وما زالت تؤثر على قدرته على الانخراط الكامل في المنظومة الاقتصادية الدولية.

 

وتابع عبد الحسين أن العقوبات الأميركية السابقة استهدفت جميع الأطراف المشاركة في الحرب، بما في ذلك الجيش وقوات الدعم السريع وأعضاء حكومة البرهان، لكن فعاليتها على الأرض محدودة، إذ أن تدخل الولايات المتحدة العسكري غير وارد ولا يمثل خيارا مطروحا في ظل الواقع السوداني والإقليمي الحالي.

 

وأشار إلى أن ما تقوم به واشنطن في الوقت الراهن يتمثل في محاولة فرض وقف إطلاق نار وفتح حوار سياسي، وربما استخدام أدوات أقوى إذا استمر تعنت الجيش ورفضه المشاركة بجدية في المفاوضات، مع تأكيد أن هذا التدخل يظل محدودًا بالوسائل الدبلوماسية والاقتصادية.

التحليل المحلي: مركز القرار والميول السياسية

 

على صعيد الداخل السوداني، أوضح رئيس حركة تحرير السودان الديمقراطية وعضو الهيئة القيادية في تحالف السودان التأسيسي، حسب النبي محمود، أن تصريحات وزير الدفاع تمثل محاولة لتجييش "المعسكر الإخواني" وإعادة تمكين النظام السابق عبر القوة العسكرية، وهو ما وصفه بالمحاولة لفرض السيطرة على الموارد السودانية واستغلال الحرب لمصالح اقتصادية.

 

وأشار حسب النبي محمود إلى أن قرار الحرب في السودان غير موحد، وأن هناك مركزين للقرار: الأول مؤيد بوضوح لإيقاف الحرب، لكنه ضعيف نسبيًا، والثاني معسكر كبير يدعمه الإسلاميون ويستفيد من الحرب لممارسة السيطرة على الموارد مثل الذهب، ما يجعل استمرار العمليات العسكرية أداة لتعزيز النفوذ الاقتصادي والسياسي.

 

وأضاف أن هذا المعسكر كان وراء إشعال الصراع ضد القوى الديمقراطية وقوات الدعم السريع، بهدف العودة إلى السلطة والسيطرة على الأجهزة الأمنية والاقتصادية.

وأكد حسب النبي محمود أن تحالف السودان التأسيسي، بالتعاون مع قوات الدعم السريع وسبع فصائل أخرى، ملتزم بمبدأ السلام الشامل والعادل، ويعارض عودة النظام السابق والأخوان المسلمين إلى السلطة بأي شكل من الأشكال.

 

كما أشار إلى أن قواته حققت انتصارات ملموسة في دارفور وكردفان، بما في ذلك إسقاط طائرة في كردفان والسيطرة على مناطق استراتيجية، مؤكداً أن قواته في حالة تأهب كامل، وأنها تمتلك تأييدا شعبيا واسعا من المجتمعات المحلية التي تأثرت تاريخيا بالصراعات المسلحة والسيطرة الإخوانية.

 

وأوضح كذلك أن المعسكر الآخر يستخدم "كتائب إسلامية" أغلبها من خارج الحدود لمواصلة القتال، بينما تحالف السودان التأسيسي يسعى لضمان انتقال سلمي إلى نظام مدني وديمقراطي، مع الحفاظ على السيطرة على الموارد الحيوية ومنع استغلال الحرب لأهداف شخصية وسياسية.

 

وأشار حسب النبي محمود إلى أن الأحداث الفردية في الفاشر تضخمت إعلاميا، وأن فيديوهات مفبركة مدعومة بالذكاء الاصطناعي استُخدمت لتشويه صورة قواته، مؤكداً أن تحالف السودان التأسيسي يقوم باتخاذ الإجراءات القانونية والتحقيقية اللازمة لمعالجة أي تجاوزات.

التداعيات على وقف إطلاق النار

 

تصريحات عبد الحسين وحسب النبي محمود تعكس تعقيد المشهد العسكري والسياسي في السودان، حيث تتداخل المصالح المحلية مع الضغوط الدولية. يشير عبد الحسين إلى صعوبة فرض تهدئة غير مشروطة بسبب رفض الجيش للالتزام بشروط خارجية، في حين يوضح حسب النبي محمود أن الحرب تُستغل داخليًا لإعادة تمكين النظام الإخواني واستغلال الموارد، ما يزيد من صعوبة التوصل إلى اتفاق سريع.

 

ما بين معارك النفوذ الداخلية وضغوط المجتمع الدولي، يبدو المستقبل السوداني مرتبطًا بقدرة القوى الوطنية على تجاوز الانقسامات، وإرساء قاعدة حقيقية للسلام الشامل الذي يضع حدًا لمعاناة المواطنين ويضمن انتقالًا ديمقراطيًا مستقرًا.

Skynews