صلاح سلام -
أعادت زيارة وزير المخابرات المصرية حسن رشاد إلى بيروت تسليط الضوء على الدور المحوري الذي يمكن أن تلعبه القاهرة في المساعدة على فك الجمود القائم في المواجهة اللبنانية – الإسرائيلية، من خلال الاستفادة من خبرتها الطويلة في التفاوض وإدارة الأزمات، ومن شبكة علاقاتها المتينة مع كلٍّ من واشنطن وتل أبيب. فالزيارة لم تكن بروتوكولية، بل حملت في طياتها مبادرة دبلوماسية هادئة تستهدف فتح ثغرة في جدار الأزمة الراهنة بين لبنان وإسرائيل، خصوصاً في ظل استمرار الغارات الإسرائيلية اليومية على الجنوب وتنامي المخاوف من اتساع رقعة المواجهة.
لقد أثبتت التجربة أن مصر تمتلك مفاتيح حساسة في إدارة الملفات المعقدة في المنطقة، وآخرها نجاحها في وقف إطلاق النار بين إسرائيل وفصائل المقاومة في غزة بعد مفاوضات دقيقة ومتواصلة، عززت موقعها كوسيط موثوق لدى جميع الأطراف. ومن هنا، فإن استعانة لبنان بالخبرة المصرية في هذا الظرف الحرج تبدو خياراً واقعياً وحكيماً، إذ تجمع القاهرة بين القدرة على التواصل مع واشنطن التي تمسك بخيوط الملف اللبناني، وبين قنواتها المفتوحة مع تل أبيب، ما يؤهلها للعب دور تيسيري يساعد على تخفيف حدة التوتر وإعادة تفعيل آليات التفاوض القائمة تحت مظلة الأمم المتحدة.
إن ما يحتاجه لبنان اليوم ليس وساطة جديدة بقدر ما يحتاج إلى إسناد عربي فعّال يوفّر له مظلة سياسية في مواجهة الضغوط الإسرائيلية المتزايدة. فالقاهرة تمتلك خبرة دبلوماسية وأمنية تمكِّنها من المساهمة في ضبط إيقاع المواجهة، وإقناع الجانب الإسرائيلي بضرورة العودة إلى طاولة «الميكانيزم» العسكري ــ الأمني المشترك، الذي يمكن أن يشكل الإطار العملي لحل المشكلات الحدودية، ومعالجة الخروقات الجوية والبرية، وإعادة تطبيق القرار 1701 بما يضمن الاستقرار في الجنوب.
كما أن توظيف العلاقات المصرية –الأميركية المميزة في هذا الإطار يمكن أن يفتح أمام لبنان قنوات دعم إضافية في المحافل الدولية، ويعيد الاهتمام بضرورة منع تفجير الجبهة اللبنانية، لما لذلك من تداعيات خطيرة على الأمن الإقليمي.
إن نجاح القاهرة في التوسط بين إسرائيل وغزة يجب أن يشكل نموذجاً يُحتذى به في لبنان، شرط أن يقابله موقف لبناني موحد يمنحها الغطاء السياسي اللازم ويحدد بوضوح أهداف المرحلة المقبلة. فالوساطة لا تنجح إلا إذا رافقها قرار داخلي بالتهدئة والانفتاح. وفي نهاية المطاف، تبقى مصر بما تمثله من عمق عربي واستقرار سياسي، أفضل شريك يمكن للبنان أن يعتمد عليه في سعيه لاحتواء التصعيد، وتثبيت معادلة الاستقرار على حدوده الجنوبية.