<
27 October 2025
"حرب تحت الأرض".. لماذا تخشى إسرائيل معركة أنفاق غزة؟

بين ركام الأبنية المهدّمة في غزة، تتشكل ملامح فصل جديد من الحرب الإسرائيلية ضد حركة حماس، عنوانه "معركة الأنفاق". فبعد أكثر من عامين من المواجهات الدامية، تعود تل أبيب لتضع هذا الملف في صدارة أولوياتها العسكرية، باعتباره ـ وفق وصف وزير الدفاع الإسرائيلي إسرائيل كاتس ـ العمود الفقري لقدرات الحركة العسكرية.

تصريحات كاتس الأخيرة التي قال فيها إن "60 بالمئة من أنفاق حماس ما تزال قائمة"، فتحت باباً واسعاً للتساؤلات بشأن حقيقة قدرة الحركة على الحفاظ على بنيتها التحتية تحت الأرض، ومدى نجاح إسرائيل في تدمير ما تصفه بـ"الشريان الخفي" لحماس، الذي شكّل على مدى سنوات مصدر تهديد دائم لجيشها ومستوطناتها.

وزير الدفاع الإسرائيلي أوضح في حديثه أن عملية "تجريد غزة من السلاح" لا تقتصر على نزع السلاح من الفصائل، بل تشمل أيضاً "القضاء الكامل على شبكة أنفاق حماس"، مشيراً إلى أنه وجّه الجيش لوضع هذا الملف كأولوية مركزية في المنطقة الصفراء الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية.

القناة الثانية عشرة الإسرائيلية وصفت الأنفاق بأنها "مركز الثقة العسكري" لحماس، معتبرة أن الحرب المقبلة ستكون في عمق الأرض لا في سمائها.

وتؤكد التقديرات العسكرية أن شبكة الأنفاق تضم نحو 1300 نفق بطول يقارب 500 كيلومتر، بعضها يمتد إلى عمق 70 متراً، ما يجعل تدميرها عملية معقدة تتطلب تقنيات متطورة.

 

التكنولوجيا في خدمة الحرب تحت الأرض

 

بحسب تقارير إسرائيلية، استخدم الجيش الإسرائيلي في عملياته الأخيرة "الروبوتات المفخخة" وأجهزة استشعار متقدمة لاختراق باطن الأرض، إلى جانب أنظمة تجسس جوية رسمت خريطة دقيقة للأنفاق.

 

موقع "إنسايد أوفر" الإيطالي كشف عن استخدام تل أبيب أدوات تعتمد على الذكاء الاصطناعي وتقنيات استشعار متعددة الطبقات، تم تطويرها خصيصاً لاستكشاف عمق الأرض في غزة.

هذه الأدوات، كما تقول الصحيفة، دخلت الخدمة العام الماضي وغيّرت من طبيعة المعركة، إذ سمحت للجيش بتحديد مواقع الأنفاق بدقة غير مسبوقة.

 

المستشار السابق في وزارة الدفاع الإسرائيلية، كوبي لافي، أكد في حديثه إلى برنامج التاسعة على سكاي نيوز عربية أن واقع الأنفاق تغيّر جذرياً بعد الحرب الأخيرة.

 

وأوضح أن إسرائيل كانت تتجنب خلال الحرب المساس بالأنفاق بشكل شامل، خوفاً على حياة المخطوفين الذين كانت حماس تحتجزهم وتتنقّل بهم بين المناطق عبر هذه الممرات.

 

وأضاف أن "الضغط الشعبي الكبير لعدم الإضرار بالمخطوفين" فرض على الجيش الإسرائيلي قيوداً عملياتية حالت دون تدمير البنية التحتية بالكامل.

 

لكن لافي أشار إلى أن هذه المعادلة تبدلت بعد تسليم أو استعادة أغلب المخطوفين، قائلاً: "لم يعد هناك خوف من المس بالأنفاق، فكل من يريد تسوية سلمية في المستقبل لا يعنيه استمرار استخدامها، بل العكس، يريد ضمان ألا تُستعمل ضد إسرائيل مجدداً."

 

ويعتقد لافي أن بقاء الأنفاق يشكل تهديداً لأمن إسرائيل طالما بقيت حماس في الحكم، مضيفاً أن "عدم بقاء حماس في السلطة يعني انتفاء الحاجة لبقاء الأنفاق أصلاً".

 

إسرائيل أمام مهمة "تنظيف الأرض"

 

من وجهة نظر لافي، تمتلك إسرائيل اليوم القدرات الاستخباراتية الكافية لرسم خريطة دقيقة لمعظم الأنفاق.

 

ويقول إن "القوات الإسرائيلية امتنعت طويلاً عن تدميرها لأسباب إنسانية تتعلق بالمخطوفين"، لكنها الآن ترى أن القضاء عليها ضرورة أمنية لا يمكن تأجيلها، خصوصاً في المناطق الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية المباشرة.

 

ويضيف أن الجيش الإسرائيلي "ملزم بمعالجة هذه الأنفاق أولا لحماية جنوده ومواطنيه"، مؤكداً أن "من حق إسرائيل اتخاذ كل الإجراءات العسكرية لمنع تكرار ما حدث في السابع من أكتوبر"، في إشارة إلى الهجمات التي شنتها حماس على المستوطنات المحاذية للقطاع.

 

يرى لافي أن ما يجري لا يقتصر على مواجهة ميدانية، بل يرتبط بتفاهمات سياسية أوسع ترعاها واشنطن وعدة دول عربية. ويقول إن هناك "موافقة عربية ودولية على عدم بقاء حماس في الحكم"، مؤكداً أن إسرائيل كدولة مؤسسات "ستحترم الاتفاقيات طالما التزم الطرف الآخر ببنودها كاملة".

 

لكن المستشار الإسرائيلي أشار إلى أن "حماس ما تزال تماطل في تسليم جثامين بعض المخطوفين"، وهو ما يعد في رأيه "خرقاً واضحاً للاتفاق"، مضيفاً أن لدى إسرائيل معلومات دقيقة عن مواقع الجثامين.

 

ويرى أن هذا الرفض "يعكس خشية حماس من أن يؤدي تنفيذ الاتفاق إلى نهايتها كسلطة حاكمة في غزة".

 

حماس بين خسائر الحرب وغضب الداخل

 

كوبي لافي أشار إلى أن حالة الإحباط داخل الحركة بلغت ذروتها بعد عامين من الحرب، قائلاً: "هناك تساؤلات داخلية في غزة: ماذا حققنا بعد هجمات السابع من أكتوبر؟ لا تحرر، لا مكاسب، فقط دمار شامل للقطاع وخسارة الحكم".

 

ويضيف أن هذا الإدراك داخل أوساط حماس نفسها "يؤكد أن الحركة فقدت شرعيتها وقدرتها على الاستمرار"، وأنها "أصبحت عبئاً على الفلسطينيين أنفسهم"، بحسب تعبيره.

في سياق متصل، تناول لافي تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو التي تحدث فيها عن إمكانية وجود دولي في غزة بعد الحرب، مشيراً إلى أن إسرائيل "لا تعترض على المبدأ"، لكنها ترفض مشاركة دول "تدعم قادة حماس أو تشن هجمات دبلوماسية ضد إسرائيل"، معتبراً أن هذه الدول "غير محايدة ولا يمكن أن تكون جزءاً من ترتيبات ما بعد الحرب".

 

ويضيف أن قبول تل أبيب بوجود قوات دولية أو عربية في القطاع "يثبت أن حماس فقدت قدرتها على السيطرة والإدارة"، وأن إسرائيل "تتعامل مع واقع جديد يضع نهاية للحركة كسلطة أمر واقع".

 

إيران وحسابات النفوذ الإقليمي

 

لم يغفل لافي الإشارة إلى البعد الإيراني في الصراع، قائلاً إن "حماس لطالما نفذت أجندات تخدم النظام الإيراني الذي موّلها طوال السنوات الماضية"، مضيفاً أن خسارة إيران وحزب الله في الساحات العسكرية الأخرى دفعت حماس إلى "القبول بالشروط الجديدة لا عن محبة لإسرائيل، بل نتيجة إدراكها لتغير موازين القوى الاستراتيجية".

 

حرب بلا نهاية واضحة

 

تبدو معركة الأنفاق في غزة، كما يصوّرها كوبي لافي، أكثر من مجرد مواجهة هندسية تحت الأرض. إنها معركة على مستقبل الحكم في القطاع، وعلى إعادة رسم خريطته السياسية والأمنية لما بعد الحرب.

 

فبينما تصرّ إسرائيل على استكمال "تجريد غزة من السلاح" وتدمير البنية التحتية لحماس، تراهن واشنطن ودول عربية على تسوية تفتح الباب أمام مرحلة انتقالية جديدة.

Skynews