<
21 October 2025
ضغط أميركي وعربدة إسرائيلية..!

صلاح سلام -

لم يكن مفاجئاً أن تعود واشنطن إلى سياسة العصا الغليظة في مقاربتها للملف اللبناني، لكن المفاجئ أن يأتي ذلك هذه المرة على لسان السفير الأميركي توم باراك، الذي كان حتى الأمس القريب يدعو إلى اعتماد سياسة "الخطوة خطوة" لمعالجة الملفات الحساسة، وفي طليعتها مسألة السلاح غير الشرعي. إلا أن كلامه الأخير حمل نبرة تهديدية صريحة، حين لوّح بعواقب وخيمة في حال تأخر لبنان عن تنفيذ قرار حصرية السلاح بيد الدولة، وربط بين هذا التنفيذ وبين إمكان التفاوض حول الانسحابات الإسرائيلية، وفتح أبواب المساعدات الاقتصادية.

بهذا الموقف، بدا أن الضغط الأميركي يتركز حصراً على لبنان، في حين تلتزم واشنطن الصمت الكامل حيال العربدة الإسرائيلية اليومية في الأجواء اللبنانية، والغارات التي تستبيح السيادة الوطنية وتزرع الرعب في القرى والبلدات الجنوبية. فالإدارة الأميركية التي تتحدث عن ضرورة الاستقرار، لا تجد غضاضة في غضّ الطرف عن الاعتداءات الإسرائيلية، وكأنها لا ترى أن الأمن لا يتحقق بالتجريد من السلاح فقط، بل أيضاً بوقف العدوان والالتزام بالقرارات الدولية.

واللافت أن السفير باراك تجاهل كلياً تنصل إسرائيل من "اتفاق الهدوء"، واستمرارها في خرق القرار 1701، وكأنه يحمّل لبنان وحده مسؤولية التوتر القائم، متناسياً أن الطرف المعتدي ليس هو الذي يطالب بضمانات، بل هو الذي يفرض الوقائع بالنار والحديد. وفي ذلك خلل فادح في منطق العدالة السياسية والدبلوماسية التي يفترض أن تقوم على التوازن لا على الإملاء.

إنّ لبنان الذي يعاني أزمة اقتصادية خانقة لا يحتاج إلى مزيد من الضغوط والتهديدات، بل إلى رعاية عربية و دولية متوازنة تساعده على استعادة عافيته من دون المسّ بسيادته أو إذلاله بالوعود المشروطة. فالحوار والتدرج في الحلول كانا جوهر "الخطوة خطوة" التي طرحها باراك نفسه، قبل أن يتراجع عنها تحت ضغط التحولات الإقليمية والمصالح الإسرائيلية.

أثبتت التجارب أن الاستقرار لا يُفرض بالإكراه، ولا يُبنى على تجاهل العدوان المستمر على الأرض وفي السماء. وإذا كانت واشنطن جادّة فعلاً في دعم لبنان، فالأجدى أن تبدأ بكبح جماح إسرائيل، لا بإغراق لبنان بمزيد من الإنذارات. فسلام الجنوب لا يُصنع بالتهديد، بل بالعدالة الدولية القائمة على القرارات الأممية.

لقد تعب اللبنانيون من دروس الوعظ الأميركية التي تتحدث عن السيادة وهي تتواطأ مع من ينتهكها، وعن الإصلاح وهي تغضّ الطرف عن العدوان. فليُدرك السفير باراك أن لبنان لا يُدار بالتهديد… بل بإحترام مبدأ الحوار والتفاوض برعاية أممية أو أميركية للتوصل إلى الحلول التي تقوم على الشرعية الدولية، وخاصة إتفاق الهدنة بين لبنان والكيان الصهيوني. 

 

اللواء