<
21 October 2025
عكس السير: خطان أميركيان متوازيان في لبنان... هل ينجح مسار عون - القيادة الوسطى - حزب الله؟

عكس السير: غسان سعود-

بين تصريحات رئيس الجمهورية العماد جوزف عون الأسبوع الماضي حول المفاوضات، وكلام الملياردير الأميركي توم برّاك أمس، صدر بيان رسمي للقيادة الوسطى الأميركية قبل أربعة أيام، تقاطع معظم الأفرقاء اللبنانيين، رغم خصوماتهم، على عدم التوقف عنده.


في مواقف مسؤولي حزب الله، يتكرر الحديث نفسه عن تقطيع الأيادي التي ستمتد إلى سلاح الحزب، بينما في صفوف السياسيين المناهضين للحزب، من يؤكد ويجزم ويقسم يوميًا، عشرات المرات، أن الجيش لا يفعل شيئًا.

 

وبالتالي، لا مصلحة للطرفين في الإضاءة على ما ذكرته القيادة الوسطى، بفخر، عن مصادرة الجيش اللبناني منذ بداية العام «نحو 10 آلاف قذيفة صاروخية، ونحو 400 صاروخ، وأكثر من مئتي ألف ذخيرة»، من دون أن تُقطع يد واحدة أو يُسجَّل أي اعتراض. وقد بدا واضحًا من مفردات بيان القيادة الوسطى اعتزازها بما أنجزه الجيش اللبناني، مؤكدة أنه «يعمل بلا كلل لتعزيز الأمن الإقليمي».


بعد نحو 72 ساعة على صدور البيان، جاء كلام الملياردير الأميركي برّاك ليناقضه تمامًا، مؤكداً أن لبنان بقيادته السياسية والعسكرية لا يفعل شيئًا. ولما كان كلام برّاك يخدم مصالح الطرفين اللبنانيين ويتناغم مع سرديتيهما، دوّى أمس صدى التطبيل والتزمير له. لكن في الأساس، من يُفترض أن نصدّق: القيادة الوسطى الأميركية أم تاجر العقارات برّاك؟


قبل الإجابة، ولفهم أعمق للموضوع، لا بدّ من العودة إلى مرحلة التفاوض البحري بين لبنان وإسرائيل. يومها، كان هناك مساران أميركيان - لبنانيان:
الأول بين الإدارة الأميركية ممثلة بالمبعوث الأميركي عاموس هوكشتين ورئاسة الجمهورية اللبنانية ممثلة بالنائب إلياس أبو صعب.


والثاني بين القيادة الوسطى الأميركية وقيادة الجيش اللبناني ممثلة بالعماد جوزف عون.


وكان لكل من المسارين أدواته ووسائله الخاصة، وقد بلغ التوتر بينهما حدودًا خيالية، أدى إلى تبادل الاتهامات والتشهير والتخوين، قبل انتصار المسار الأول وتوقيع الاتفاق.


واليوم، يبدو واضحاً أن ثمة مسارين أيضاً:


الأول عملي، بين القيادة الوسطى الأميركية ورئاسة الجمهورية وقيادة الجيش.


والثاني تهديدي، بين برّاك الذي حل محل هوكشتين، والعديد من السياسيين اللبنانيين الذين يرددون تهديداته قبل أن يجاهر بها علنًا، مصوبين على رئاسة الجمهورية وقيادة الجيش.

ولا ريب أن إسرائيل تستثمر المسار الثاني للضغط على المسار الأول. والسؤال الرئيسي الذي يطرح اليوم: هل ينجح مسار «القيادة الوسطى» (الرئاسة وقيادة الجيش) هذه المرة أم يفشل مجدداً؟ مع الإشارة إلى أن رئيس الجمهورية الراهن شريك في هذا المسار، ونجاحه يُعدّ نجاحاً لها أيضاً. والسؤال بوضوح أكبر: هل تهدف الضغوط الدبلوماسية إلى تسريع عمل الجيش اللبناني بالتوازي مع مفاوضات لبنانية - إسرائيلية تنسجم مع التوازنات الإقليمية والدولية الجديدة، وتُتيح للأميركيين إبرام اتفاق ينهِي الحرب لعقود مقبلة؟ أم أن ثمة في إسرائيل من يرى أن إعادة الحزب بناء قدراته البشرية والتنظيمية والسياسية - لا العسكرية والصاروخية فحسب - تهديد وجودي طويل الأمد يستدعي التعامل معه بحزم وسرعة في ظل الظروف الداخلية والاقليمية والدولية الراهنة التي قد لا تتكرر؟


ومن المعروف أن لاعبي «المسار الأول» مثل رئيس الجمهورية غير مهتمين بالانتخابات النيابية، بينما يريد أنصار «المسار الثاني» نزع السلاح وانتقاد العقيدة وقطع التمويل عن جمعية اجتماعية وإقفال شركات التسليف وعزل الحزب انتخابياً. بمعنى آخر، يطمح المسار الأول إلى احتواء الجناح العسكري فقط، فيما يهدف الثاني إلى قصقصة كلّ الأجنحة من جذورها.


وعليه، هل يتعلق الأمر بصاروخ هنا أو مسيرة هناك يمكن للجيش اللبناني التعامل معها بالتنسيق مع القيادة الوسطى الأميركية، أم أن المسألة أعمق، متصلة بروح قتالية يتطلب اقتلاعها من جذورها انخراط الإدارة الأميركية بكل أدواتها الاجتماعية والاقتصادية والإعلامية والسياسية والأمنية في حرب تبدو مستعصية قد تستمر عقودًا؟

 

حين حدّد الرئيس نبيه بري موعد جلسة انتخاب العماد جوزف عون رئيساً للجمهورية، كان حزب الله يشير إلى موافقته على فتح باب التفاوض مع «القيادة الوسطى» الأميركية، بما تمثله من نفوذ راسخ في أعماق الدولة العميقة في الولايات المتحدة، وكمظلة أمنية لإسرائيل في المنطقة. وهو، بعيداً عن المواقف الإعلامية الرسمية، منخرط إلى أقصى حدّ في هذا المسار. لكن مع وجود دونالد ترامب في البيت الأبيض ويمين متطرف في إسرائيل، لم يعد ثمة مكان لأي حسابات عقلانية أو تقديرات تقليدية؛ فلا بنيامين نتنياهو يلتفت إلى ما تقوله قياداته العسكرية، ولا ترامب يسأل عن رأي القيادات العسكرية، ما يضعف الثقة بمسار القيادة الوسطى - عون - قيادة الجيش - حزب الله، من دون أن يعني ذلك أن مسار برّاك - نتنياهو - أحقاد بعض اللبنانيين، معبّد بالورود.