<
20 October 2025
استحقاقات خارجية وإخفاقات داخلية!

حبيب البستاني*

يومأ بعد يوم يتبين جلياً أن لبنان ليس جاهزاً بعد لمواكبة الحلول الخارجية ورياح السلام القادمة من غزة، والتي وبالرغم من تعثرها ووضع العراقيل أمامها من الجانب الإسرائيلي، فإن الأمور تسير من حسن إلى أحسن وذلك يعود للإصرار الأميركي على إنجاحها، فالرئيس الأميركي ترامب يريد الانتهاء من مشاكل الشرق الأوسط وحروبه بغية التفرغ لحل المشكلة الأوكرانية وإنهاء الصراع بين روسيا وأوكرانيا. وفي هذا الإطار جاء اجتماع القاهرة بين المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف يرافقه صهر الرئيس الأميركي جاريد كوشنير مع رئيس الوفد المفاوض وعضو المكتب السياسي لحماس خليل الحية. كذلك شكل استدعاء الرئيس الأوكراني فولودومير زيلينسكي إلى البيت الأبيض خطوة ضرورية وذلك قبيل اجتماع ترامب وبوتين في العاصمة المجرية بودابست المزمع عقده في غضون أسبوعين وذلك لمحاولة الوصول إلى حل للحرب الأوكرانية.
عجلة أميركية وعرقلة إسرائيلية
وهذه العجلة الأميركية تقابلها عرقلة إسرائيلية واضحة للحد من اندفاعة السلام، فإسرائيل ومهما قيل تظل دولة توسعية أسلوبها الحرب وشعارها إرساء دولة إسرائيل التلمودية بحدودها الأسطورية الممتدة " من الفرات إلى النيل "، والدولة العبرية لن تألو جهداً في تحقيق مخططها متى أصبحت الظروف سانحة لذلك. وهكذا يبدو واضحاً أن هنالك اختلافاً استراتيجياً بين الولايات المتحدة وإسرائيل من ناحية مقاربة مشكلة الشرق الأوسط، فأميركا تريد الحرب بغية التوصل إلى السلام، أما إسرائيل فهي تريد الحرب للحرب أي بمعنى إجبار الأعداء كل الأعداء على الاستسلام وليس التوصل إلى السلام الحقيقي. ومن المعلوم أن السلام الحقيقي وإنهاء الصراع العربي – الإسرائيلي لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال حل الدولتين وإنشاء دولة فلسطينية كاملة الأوصاف وذات حدود معترف بها دولياً بجانب الدولة الإسرائيلية، وهذا ما يرفضه نتنياهو وصقور الدولة العبرية. وقد شكلت الاعتداءات المتكررة على القطاع حتى بعد توقيع اتفاق غزة خير دليل على ذلك، فالحجج هي دائمة متوفرة لنتنياهو من التأخير في تسليم جثامين المحتجزين، والجميع يعرف صعوبة إيجادها وسط الكم الهائل من الركام، إلى إعلانه أن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة لن يتحقق إلا بعد تحقيق المرحلة الثانية من الاتفاق والتي تقول بحل حماس وتسليم سلاحها ووضع القطاع تحت حكم لا تكون لحماس أي دور فيه.
لبنان والجنوب تحت النار
في هذا الوقت يستمر لبنان ولا سيما جنوبه عرضة للاعتداءات والقصف، وذلك بحجة حيناً وبدون مبرر أحياناً، فمجرد وجود آليات مدنية وشركات إعمارية خاصة في الجنوب يشكل تهديداً لأمن الدولة العبرية ويتطلب قصفها وتدميرها تبعاً لذلك. هذا بالإضافة إلى عمليات قنص المواطنين من الجو بواسطة المسيرات بحجة الانتماء إلى حزب الله، وفرضية أنهم قد يشكلون خطراً مستقبلياً على إسرائيل، فجيش العدو يتصرف وكأن لبنان وكل اللبنانيين هم أعداء محتملين له، حتى بات العاملين في الهيئات والجمعيات المدنية يشكلون مصدر خطر لأعتى وأقوى جيش في المنطقة. وبالتالي اصبحت المطالب الإسرائيلية تتدرج من حصرية السلاح إلى ضرورة إجراء مفاوضات مباشرة مع إسرائيل وذلك بغية الوصول إلى اتفاق عسكري ولما لا سياسي، مما يعني فرض معادلة جديدة تتخطى ال 1701 وصولاً إلى التطبيع، وهذا ما يشكل استحالة للبنان ومصدر تفجير كبير لتوازنه الهش.
كيف يرد لبنان؟
يستمر لبنان بمقاربة الأخطار المحدقة به من كل حدب وصوب بإطلاق المواقف ذاتها والقائمة على رفض التطبيع والمطالبة باللجوء إلى المفاوضات الغير مباشرة طريقاً وحيداً للوصول إلى الحل. ولكن ما يلفت الانتباه هو أن الحكم يلجأ وفي كل مرة يتعرض للضغوطات إلى إجراء مفاوضات داخلية تشمل الرؤساء الثلاثة مما يوحي أنه يجب تأكيد المؤكد، وكأن البعض غير مؤمن بالثوابت الوطنية التي يجب ان تكون ليس فقط من المسلمات بل ومن المقدسات. وحتى أن إجراء الإصلاحات الداخلية من إعادة هيكلة المصارف وتأمين الكهرباء وإنارة الشوارع وإصلاحها باتت تطلب اجتماع " الترويكا "، وحده جاء إطلاق رياض سلامة المسؤول عن أموال الناس وودائعها وكأن الدولة غير معنية به وذلك بحجة استقلالية القضاء. أضف إلى ممارسة التوطين المقنع وذلك بالسماح للسوريين للدخول إلى المدارس الرسمية، في الوقت الذي تتوقف فيه الأمم عن تقديم التغطية الصحية لهم، كل هذا والحركة الدبلوماسية تنحصر بما يجري داخل وعلى درج قصر بسترس من " استقبل وودع ". وهكذا أمام الاستحقاقات الخارجية تتجلى الإخفاقات الداخلية بأبهى حللها.
كاتب سياسي*