بعض ما جاء في مانشيت النهار:
في الوقت الذي ستأخذ فيه الإجراءات والترتيبات الأمنية واللوجستية لتأمين نجاح زيارة البابا للبنان حيّزاً أساسياً من اهتمامات الدولة نظراً إلى التبعات الكبيرة التي رتبتها مبادرة البابا بتخصيص لبنان بالزيارة الخارجية الأولى له منذ اعتلائه السدّة البابوية، لا تستبعد أوساط معنية أن يكون استحقاق الزيارة البابوية أحد الروادع الأساسية لأي عملية إسرائيلية واسعة، أقلّه في الفترة الفاصلة عن الزيارة من دون أن يشكل هذا الاحتمال عامل اطمئنان حيال استمرار نمط الغارات التي تشنها إسرائيل على الجنوب والبقاع الشمالي، علماً أن الجيش الإسرائيلي بدأ أمس أكبر مناورات عسكرية له منذ سريان اتفاق غزة على امتداد الحدود مع لبنان، الأمر الذي يشكل رسالة ضغط واضحة على لبنان.
والحال أن مسألة استعداد لبنان للتفاوض مع إسرائيل قبل اتضاح أي آلية مفترضة أو محتملة لهذا التفاوض، أخذت حيّزاً اساسياً متنامياً من المشهد الداخلي بعدما شكلت مادة التشاور الأساسية بين الرؤساء الثلاثة جوزف عون ونبيه بري ونواف سلام في الاجتماعين اللذين عقدهما رئيس الحكومة الجمعة الماضي مع رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب.
وعلى رغم إحاطة هذه المشاورات بستار من الكتمان من جانب الرئاسات الثلاث، تكشف المعطيات المتوافرة لـ"النهار" بأن النقاش بينهم سادته جدية كبيرة وعلى الأرجح تفاهم عريض على شدّ الأحزمة اللبنانية حيال الاحتمالات التي يرتّبها أي استحقاق تفاوضي، ولو أن أي آلية لهذا الاستحقاق لم تتبلور ولن تتبلور قبل أوانها في حال صارت المفاوضات أمراً لا بد منه. ويرتكز المفهوم التفاوضي الذي أعلن الرئيس جوزف عون استعداد لبنان لتأديته، وفق هذه المعطيات، إلى تجربة اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل بوساطة الولايات المتحدة الأميركية والأمم المتحدة. وهذا يعني تالياً مفاوضات غير مباشرة بإدارة وسطاء أميركيين وأمميين. ولكن هذا الأمر يبدو بمثابة إرسال رسالة أولية وانتظار الأصداء عليها، علماً أن المسؤولين اللبنانيين يترقبون التحاق السفير الأميركي الجديد ميشال عيسى بمنصبه في عوكر نهاية الشهر الحالي لتبين المقاربة الأميركية الجديدة حيال لبنان ومن ضمنها موضوع التفاوض وبعدها يبنى على الشيء مقتضاه. ولا تخفي المعطيات المتوافرة ارتياحاً لبنانياً إلى معطيات وصلت إلى المعنيين عن ارتياح أميركي وفرنسي تحديداً إلى إعلان رئيس الجمهورية استعدّاد لبنان للتفاوض بما يعكس ملاقاة مرحلة ما بعد اتفاق غزة، ولو أن لبنان لا يزال ينظر بريبة إلى عدم ممارسة ضغوط قوية وكافية على إسرائيل لوقف التصعيد المتدحرج والخنق الاقتصادي الذي تمارسه على مناطق جنوب الليطاني.
وتفيد معلومات أن الرئيسين عون وسلام تلقيا أكثر من إشارة خارجية تشدد على الطلب من الحكومة الدخول في هذا النوع من المفاوضات الذي خبره لبنان مع إسرائيل منذ اتفاقية الهدنة عام 1949 لترتيب مستقبل الملفات العالقة بين الطرفين.
وإذا كان عون أول المعنيين والعاملين على هذا الملف، فقد تلقى سلام رسالة غربية توضحت خطوطها أكثر في زيارته الأخيرة إلى باريس ولم يكن عون بعيداً من مضمونها، ولذلك عمد إلى الكشف عن مكنوناتها بالدخول في تفاوض غير مباشر مع تل أبيب تزامناً مع اتفاق غزة الذي يرعاه الرئيس دونالد ترامب.
وفي المعلومات أن سلام ناقش هذا الموضوع مع الرئيس نبيه بري الذي يركز على أنه على لبنان العمل على إنهاء الوضع القائم في الجنوب ومنع استمرار حلقات مسلسل الاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة في الجنوب، والتي لم تعد تقتصر على أهداف تعود لـ"حزب الله"، ولم يبد بري جواباً نهائياً حول التفاوض قبل توضيح بنود العروض التي يتلقاها المسؤولون وردّ فعل إسرائيل وانتظار خلاصة المرحلة الاولى من اتفاق غزة وبلورة هذه الخطوة مع "حزب الله".