<
18 October 2025
اليكم تفاصيل اللحظات الأخيرة لهروب الأسد

كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، في تحقيق استقصائي مطوّل، تفاصيل اللحظات الأخيرة لهروب الرئيس السوري السابق بشار الأسد وعدد من أفراد دائرته الضيقة من البلاد أواخر عام 2024.

 

وبحسب التحقيق، فقد بدأت عملية الفرار السرية بعد منتصف ليلة الثامن من كانون الأول 2024، حين تجمّع عشرات من كبار المسؤولين السوريين في مدخل المطار العسكري في دمشق، يحملون حقائب مليئة بالنقود والمجوهرات، وملامحهم يخيّم عليها الذعر، بعدما انهار النظام الذي كانوا حتى ساعات قليلة يشكّلون عموده الفقري.

 

من بين الفارين برزت أسماء قحطان خليل مدير المخابرات الجوية، ووزيري الدفاع السابقين علي عباس وعلي أيوب، ورئيس هيئة الأركان عبد الكريم إبراهيم، وجميعهم متهمون بجرائم واسعة النطاق من تعذيب وقتل واغتصاب بحق المدنيين.

 

وبحسب الصحيفة، بقي كبار مساعدي الأسد في القصر الجمهوري معتقدين أنه يعدّ خطة دفاع مشتركة مع الروس والإيرانيين. لكن مع حلول منتصف الليل، تبيّن أن الأسد اختفى، بعدما نُقل سراً بموكب روسي إلى قاعدة حميميم الساحلية برفقة ابنه واثنين من مستشاريه الماليين.

 

ومع انتشار الخبر، بدأ سباق الهروب الكبير. مسؤول رفيع اتصل بعائلته قائلاً: "لقد رحل، احزموا الحقائب فوراً". وشقّت قوافل من السيارات الفارهة الطريق نحو الساحل، بينما تولّت السفارة الروسية إيواء مسؤولين وتأمين ممرّات آمنة، وفرّ آخرون إلى الفيلات الساحلية أو عبر زوارق فاخرة.

 

صور الأقمار الصناعية رصدت إقلاع طائرة روسية من طراز "ياك–40" من دمشق عند الساعة 1:30 فجراً نحو قاعدة حميميم. ووفق شهود عيان، شهدت القاعدة فوضى غير مسبوقة، حيث شوهد ضباط يرمون بزّاتهم العسكرية ومسؤولون يحملون حقائب مليئة بالذهب، بينما مستشارون روس يشرفون على عمليات الإجلاء نحو موسكو.

 

ووصل ما لا يقل عن 5 مسؤولين بارزين إلى العاصمة الروسية في تلك الليلة، بينما لجأ آخرون إلى الفيلات المحمية في الساحل السوري.

 

في المقابل، ظل آلاف من عناصر المخابرات داخل مقارهم غير مدركين أن قياداتهم قد فرّت وتركَتهم. وتشير الصحيفة إلى أن حسام لوقا، أحد أبرز وجوه التعذيب النظامي، طمأن رجاله حتى اللحظة الأخيرة، قبل أن يهرب بعدما استولى على 1.36 مليون دولار من خزينة الجهاز، ويعتقد أنه وصل لاحقاً إلى روسيا.

 

أما كمال الحسن، رئيس شعبة المخابرات العسكرية، فقد أصيب أثناء محاولته الهرب، قبل أن تؤمّن له السفارة الروسية ممراً خارج البلاد، حيث التحق بـعلي مملوك، المعروف بـ"الصندوق الأسود" للنظام.

 

منذ سقوط النظام، تتبّع فريق الصحيفة مصير 55 مسؤولاً من أبرز وجوه الحكم والعسكر، الواردة أسماؤهم في قوائم العقوبات الدولية. وتشير المعلومات إلى أن الأسد يقيم اليوم في روسيا بعيداً عن معظم رجاله، بينما يعيش شقيقه ماهر الأسد حياة بذخ في موسكو.

 

كما ظهر العميد غياث دلا في لبنان وهو ينسّق مع شخصيات من النظام المخلوع لتنفيذ عمليات تخريبية. في حين بقي عمر الأرمنازي، مهندس برنامج الأسلحة الكيماوية، في دمشق من دون أن يُمسّ.

 

وتكشف الصحيفة أن عدداً من المسؤولين حصلوا قبل سقوط النظام على جوازات سفر حقيقية بأسماء مزوّرة، استُخدمت لاحقاً لشراء جنسيات في جزر الكاريبي عبر الاستثمار العقاري. ووفق مازن درويش، فإن "هؤلاء اشتروا هويات جديدة ليفلتوا من الملاحقة".

 

التحقيق يشير إلى أن الجنرال بسام حسن، المتهم بالهجمات الكيميائية وخطف الصحافي الأميركي أوستن تايس، نجا من الاعتقال مصادفة أثناء هروبه. فبعد أن فرّ بثلاث سيارات محمّلة بالأموال، تعرضت إحدى السيارات للسلب قرب حمص من دون أن يعرف المسلحون أن الهدف كان في السيارة التالية.

 

لاحقاً، وصل حسن إلى لبنان ثم إيران، قبل أن يعود إلى بيروت حيث يعيش بهويّة بديلة ويتحرك بأمان ورفاهية، حتى أنه شوهد في مقاهي العاصمة، بحسب المصادر.

 

بالنسبة لآلاف السوريين الذين انتظروا سقوط النظام على أمل المحاسبة، ترى الصحيفة أن العدالة ما زالت بعيدة المنال. ومع أن الحكومة الحالية برئاسة أحمد الشرع تتعهد بالتحرك القضائي، إلا أن الانقسامات الدولية حول الملف السوري تجعل إنشاء محكمة دولية أمراً صعباً.

 

وتختم "نيويورك تايمز" تحقيقها بالقول إن كبار رجال النظام السابق يعيشون حياة مرفهة في المنفى، بينما يبقى الضحايا عالقين بين الذاكرة والانتظار.