في خطوة تاريخية وصعبة التنفيذ في آن واحد، كشف أمين شومان، رئيس الهيئة العليا الفلسطينية لمتابعة شؤون الأسرى والمحررين، عن تفاصيل الصفقة المتعلقة بإفراج الأسرى الفلسطينيين المحتجزين في السجون الإسرائيلية، وذلك خلال حديثه إلى سكاي نيوز عربية.
الصفقة، التي تتضمن 20 بندا من خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، لم تضع قضية الأسرى في صدارة الأولويات، إذ ركزت على استعادة الرهائن الإسرائيليين الأحياء والجثامين، ووقف إطلاق النار في قطاع غزة، والسماح بإدخال المساعدات الإنسانية.
ومع ذلك، فإن الإفراج عن أسرى المؤبدات والمعتقلين بعد 7 أكتوبر يمثل إنجازًا رمزيًا وسياسيًا مهمًا، خاصة أن بعض هؤلاء الأسرى قضوا أكثر من 20 إلى 30 عاما خلف القضبان.
الإفراج عن الأسرى.. إنجاز رمزي وسياسي
أكد شومان خلال حديثه أن أي عملية إفراج عن الأسرى، سواء كانوا من أصحاب المحكوميات المؤبدة أو الأسرى الذين اعتقلوا خلال الاجتياح البري لقطاع غزة بعد 7 أكتوبر، تعتبر خطوة مهمة على طريق العدالة والمصالحة.
هؤلاء الأسرى، الذين أمضوا سنوات طويلة في السجون والمعتقلات الإسرائيلية، يمثلون رمزية كبيرة في الصفقة، إذ تعكس هذه الخطوة التزام الفلسطينيين بالحلول الدبلوماسية والسعي لإنهاء دائرة العنف طويل الأمد.
وأكد شومان أن قضية الإفراج عن الأسرى ليست هي الهدف الرئيسي للصفقة، وإنما جاءت ضمن مجموعة إجراءات تهدف أولا إلى استعادة الرهائن الإسرائيليين الأحياء والجثامين، وثانيا إلى ضمان وقف مؤقت للحرب وفتح ممرات إنسانية وإدخال الغذاء والطاقة إلى القطاع، فضلا عن السماح لسكان غزة بالتحرك من الجنوب إلى الشمال والعودة إلى منازلهم ومدنهم.
التحديات الكبرى لاستعادة الجثامين
أوضح شومان أن استعادة الجثامين الإسرائيلية تمثل تحديًا استثنائيًا، خاصة في ظل الدمار الكبير الذي شهدته مختلف مناطق قطاع غزة نتيجة العمليات العسكرية الطويلة والمتواصلة. فقد تم حتى اليوم انتشال أربعة من الجثامين، وما زالت عمليات البحث مستمرة على مدار الساعة.
وأشار إلى أن استعادة باقي الرفاة تتطلب جهودا جبارة من فرق متعددة من دول المنطقة والولايات المتحدة وتركيا وقطر ومصر، وسط صعوبات لوجستية هائلة نتيجة التدمير الشامل للقطاع.
ومع هذا التعقيد، يبقى الالتزام بالجدول الزمني للصفقة مطلبا أساسيا لضمان عدم تصعيد الوضع، خصوصا في ظل تهديد وزير الدفاع الإسرائيلي باستهداف الأنفاق إذا لم يتم الالتزام بما تم الاتفاق عليه.
الصفقة وأبعادها السياسية والإنسانية
وفق شومان، لم تركز الصفقة على قضية الأسرى بقدر ما كانت وسيلة لإيقاف الحرب مؤقتًا وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية، وضمان انسحاب القوات الإسرائيلية إلى الخط الأصفر، وإعادة الحياة المدنية إلى القطاع.
وفي هذا السياق، ينظر إلى الإفراج عن الأسرى على أنه مؤشر على جدية الفلسطينيين في الالتزام بالسلام المؤقت والتعاون الدولي.
وأكد شومان أن الجميع يجب أن يتحلى بالصبر والمسؤولية، لأن أي تأخير أو إخفاق في استعادة الرفاة قد يعطي الحكومة الإسرائيلية مبررًا للتنصل أو إعادة النظر في التزاماتها، ما قد يعيد توتير الأوضاع الإنسانية والأمنية في القطاع.
الأبعاد الرمزية للصفقة
الإفراج عن أسرى المؤبدات يحمل بعدًا رمزيًا مهمًا، إذ يمثل الاعتراف بمعاناة هؤلاء الأسرى الطويلة ويعيد الاعتبار للقيم الإنسانية في مواجهة الصراع الممتد.
كما يبعث برسالة سياسية مفادها أن التعاون بين الأطراف الفلسطينية والإسرائيلية والدولية ضروري لإنجاح أي صفقة، حتى لو كانت مؤقتة، وأن إدارة هذا الملف تتطلب توازنًا دقيقًا بين الحقوق الإنسانية والسياسية.
وشدد شومان على أن الصفقة، رغم صعوبتها، تفتح الطريق أمام خطوات إضافية لإنهاء "cycle of violence" الطويل، وتضع حجر الأساس لمفاوضات مستقبلية قد تعيد صياغة المشهد في غزة، لكنها تبقى محفوفة بالمخاطر والتحديات الكبيرة، خصوصًا فيما يتعلق بعملية استعادة الرفاة والجثامين من تحت الركام المنتشر في جميع أنحاء القطاع.
يبقى السؤال الأبرز: هل ستتمكن جميع الأطراف من الالتزام بالصفقة وفق الجداول الزمنية المحددة، أم أن التحديات اللوجستية والسياسية ستعيد تشكيل هذه الاتفاقيات؟
الإفراج عن أسرى المؤبدات يعد إنجازًا تاريخيًا، لكنه يأتي في سياق معقد يتطلب صبرًا هائلًا وجهودًا مشتركة من جميع الأطراف، وسط مراقبة دقيقة من المجتمع الدولي. في نهاية المطاف، تظل هذه الصفقة اختبارًا حقيقيًا لقدرة الأطراف على الجمع بين البعد الإنساني والسياسي، حيث تتقاطع المصالح والحقوق في قلب الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي.