<
13 October 2025
العماد ميشال عون عن ملابسات "13 تشرين": هكذا رفضوا الحل السلمي ودلول قال: "بعدين بقولولنا"... ذهبتُ إلى السفارة تحت القصف الكثيف وبدأنا المقاومة لتغيير المعادلة الدولية!

كثيرةٌ هي الأكاذيب التي صنعتها آلة البروباغندا في وجه العماد ميشال عون، وتحديداً في مجريات الإجتياح السوري للمناطق الحرة في 13 تشرين الأول 1990. من تحميله مسؤولية رفض الحل السلمي، وصولاً إلى اتهامه زوراً ب"الهرب"، والتخلي عن جنوده وأقرب المقربين إليه ومن بينهم عائلته. هي ماكنة دعائية كاذبة واصلت حملاتها حتى اليوم مروراً بالغبار الكثيف في 17 تشرين الأول 2019، لكن يبقى الثابت أمر وحيد، هو المقاومة لدى "الجنرال" حتى الرمق الأخير، وما فاتَ الكاذب، وأيضاً المخدوع بهذه البروباغندا، أن العميد ميشال عون الذي ضرب يده على الطاولة في قصر بعبدا عام 1983 رافضاً دعوة قائد الجيش ابراهيم طنوس الرئيس أمين الجميل لترك القصر الجمهوري، وصعد إلى جبهة سوق الغرب مع اللواء الثامن ومنعَ سقوطها، ليس هو من يهرب كما فعل غيره وفي جبهاتٍ متعددة! 

وفي ما يلي مقتطفات من مقابلة أجراها الزميل ميشال أبو نجم مع العماد ميشال عون في صحيفة "البلد" في 13 تشرين الأول 2005 تحت عنوان "العماد ميشال عون يتذكر لحظات سقوط بعبدا ولجوءَه إلى السفارة الفرنسية"، وكشف فيها "الجنرال" عن مجموعة من الحقائق في ذلك اليوم المشؤوم في تاريخ لبنان.

ففي مسألة رفض الحل السلمي، لفت أبو نجم إلى أنه "كان يمكن للوثيقة التي بعث بها الجنرال عون إلى السفير الفرنسي رنيه آلا عبر النائب السابق بيار دكاش ليل 12 تشرين (الأول 1990) أن تشكل مخرجاً مشرفاً لجميع الفرقاء". وأوضح أبو نجم: "وقد تضمنت الوثيقة اثني عشر بنداً تنص على الإعتراف بالياس الهراوي وتوحيد الجيش وحل الميليشيات والتشديد على إجراء انتخابات نيابية حرة برعاية الأمم المتحدة. ولو أخذ الحكم الموالي لسورية بهذه الوثيقة لما وقعت أحداث 13 تشرين. لكن الوثيقة أهملت وصُرف النظر عنها من أجل فرض الخيار العسكري".

ونقل أبو نجم عن العماد عون قوله: "إن موضوع الوثيقة أتى نتيجة محادثات أجريت مع محسن دلول في منزل السفير الفرنسي قبل أيام من 13 تشرين، لكن دلول لم يقدم لي خياراً سوى الإستسلام للمشيئة السورية، فعندما سألناه عن أساس المبادرة السورية والبرنامج المقبل للحكومة، أجاب ندخل في الحكومة وبعدين بيقولولنا".

وتابع عون في المقابلة: "عندها قلت له إنني أريد أن أعرف ماذا سأقول للناس، وهذا ما تُرجم في حينه إنني أريد الإستسلام لأنني خائف من الناس. فلم يُفهم جوابي في معناه الحقيقي. القصة كانت واضحة فالبنود شكلت مخرجاً للأزمة، وبما أن الغاية ليست حل الأزمة بل وضع اليد على لبنان نهائياً، حدث ما حدث".

وقال عون: "كنت قادراً على الهروب من هذه المعركة، فقد تدخل وسطاء لكي أشارك في الحكم وكأن شيئاً لم يحدث. ما يقوله الياس الهراوي عن أنه عرض علي أن أكون سوبر وزير صحيح، لكن كان علي الدخول في السلطة والحكم مقابل ماذا؟ الموضوع ليس صراعاً على السلطة بل صراع على الوطن حيث لا يجوز الإستسلام لا شكلاً ولا جوهراً كما كان يُطلب مني. لاحقاً ذهب وسطاء إلى السفارة الفرنسية يفاوضونني على الخروج من السفارة وإعادة حقوقي المصادرة. وكانوا يطلبون مني المشاركة في الحكومة، من أجل التخلص من وجود ميشال عون في المقاومة". 

هذا ما طلبه أهل الطائف مقابل وقف النار...

وعن مسألة ما حصل من ملابسات وقف النار واللجوء إلى السفارة قال العماد عون في المقابلة: "عندما تم القصف الجوي اتصلت بالسفير رنيه ألا وقلت له إن المبادرة التي وجهتها إليه أمس انتهى أمرها مع الهجوم، وبأنني أطلب وقف النار وأعترف بالإستسلام والخسارة العسكرية، ودعوت إلى إرسال مسؤولين لاستلام القصر الجمهوري ووزارة الدفاع. أصريت على كلمة استسلام وليس تفاهم، رغم أن البعض صعب عليه الأمر. استعملت الكلمة بمفهومها القانوني، لأننا سُحقنا بالقوة وكي لا نقع في خطأ تفسير الحدث. عندما نقل ألا طلبي إلى مخاطبيه عبر الهاتف (الهراوي، ألبير منصور، لحود) انتظروا وقتاً لإجابته، ثم أصروا على حضوري إلى السفارة الفرنسية لأكون تحت مراقبته، وقد علمت مضمون هذا الحديث لاحقاً".

وأضاف عون: "تناقشتُ مع السفير الفرنسي نحو ربع ساعة حول مدى ضرورة الذهاب إلى السفارة طالما أنني أعلنت وقف النار والإستسلام، وكنت أريد أن أسلّم السلطة وأنا موجود في القصر، لأنهم تحدثوا على مدى أسبوعين عن أن ميشال عون يقيس المسافة بين القصر والسفارة، وكانوا يخططون لدفعي للذهاب إلى السفارة".

وكشف عون: "السفير الفرنسي ألا كان واضحاً بضرورة المجيء إلى السفارة. لم أؤكد له ما إن كنت أنوي الذهاب إلى هناك. وبعد ربع ساعة طلبت ملالة وذهبنا تحت القصف الكثيف الذي أدى إلى تشظي الملالة، كما سقطت إحدى القذائف قربنا فانهال التراب والحصى علينا من برج الملالة. عندما وصلنا إلى السفارة الفرنسية لم يتوقف إطلاق النار وطلبوا ان أعلن تسليم القيادة إلى إميل لحود في الإذاعة، ففعلتُ ذلك في البيان الشهير "... حفاظاً على ما تبقى"، لكن ذلك لم يوقف النار رغم أنني كنت أبلغت غرفة العمليات في اليرزة ومديرية المخابرات عن صدور البيان وطلبت منهم أن يتصلوا بالعماد لحود ويضعون أنفسهم تحت تصرفه. بدأت تردنا أخبار المجازر وجرائم الحرب في بسوس وضهر الوحش ودير القلعة...".

وتابع عون في المقابلة: "كنت طلبت أن يستلم الجيش اللبناني الوثائق. وكنت قد استسلمت من دون قيد أو شرط، وكنت مستعداً لمواجهة مصيري. كان بإمكانهم اغتيالي أو أسري لكنني لم أشعر بالخوف من المحاكمة. الإغتيال كان وارداً خصوصاً انهم حاولوا ذلك قبل ساعات من 13 تشرين. كنت أفكر بأنني قد أخسر حياتي، ولم يعنني ما سيحصل بعد موتي. وهذه العبارة رددتها مئات المرات وأردفت أنني سأقاوم ما بقيت حياً. في ظروف كالتي حصلت معي يجب أن يعرف الإنسان كيف يخسر كي يكون أهلاً للربح. تعودنا أن نربح من دون سحق الخصم، وأن نخسر من دون أن يخالجنا شعور بالإنسحاق".

وقال عون: "تركت عائلتي في القصر على أساس أنني سأعود إلى بعبدا لتسليم السلطة. لكن رنيه ألا رفض مغادرتي إثر ورود أخبار المجازر وقال إنني أصبحت تحت حماية الدولة الفرنسية. مشاهد المجازر لا تبارح ذهني. نحن عسكر ونذرف الدمع عند سقوط كل شهيد، لكن في الوقت نفسه لدينا طاقة على الإحتمال وبرودة أعصاب. لم يكن ما جرى المشهد الأول في حياتي، بل سبقتها مشاهد سقط فيها ضحايا وكنا نصمد حين كان الصمود يحمل مقومات البقاء، غير أن الصمود الأخير كان رمزياً. لم أكن خارج المعركة ولم نَسْلم من كثرة الحكي، مع أن زوجتي رفضت إلا أن تكون الشخص الأخير الذي يخرج من القصر".

وعن الإنتقال إلى مرحلة المقاومة السلمية قال "الجنرال": "فيما بعد اتخذت القرار بإكمال المعركة سواء بقيت وحدي ام وقف الناس إلى جانبي، من أجل الذين ماتوا في 13 تشرين وفي المعارك الأخرى. وبدأنا المقاومة من المكان الذي خسرنا فيه أي العمل على تغيير المعادلة الدولية".