<
10 October 2025
الديار: حادثة خطف مروّعة في اللاذقية: الساحل السورية مستهدف في أمنه ولقمته وتعليمه

الديار: عبد المنعم علي عيسى-

مرت الأشهر العشرة المنصرمة عصيبة على مناطق وسط سوريا وساحلها التي اتسعت مروحة الأزمات التي اشتعلت فيها لتشمل كل شيئ تقريبا، فبعيدا عن أحداثه الدامية التي شهدها شهر آذار المنصرم، كان سيناريو القتل مستمرا، وإن كان بوتائر أقل، وفي الغضون كانت عمليات فصل الموظفين، التي كانت تجري تحت مسمى «إعادة هيكلة جهاز الدولة» قد أرخت بظلالها على واقع معيشي راحت مفاعيله تتزايد بشكل مضطرد، وإذا ما كانت، تلك الحالة «عامة»، إلا إن أثرها كان هو الأعنف على أهل الساحل، الذين كانت «الوظيفة» تشكل مصدر عيش أول لهم، لاعتبارات لها علاقة بطبيعتهم أولا، ثم لموارد المنطقة القليلة التي تشكل الزراعة فيها أساسا، لكن «الأساس» نفسه عانى، خلال سني الأزمة، من صعوبات أخرجته من لعب ذلك الدور.

أما حوادث الخطف والإبتزاز فباتت أمرا «روتينيا» من الواجب اعتياده، أو التعايش معه كـ «قدر» مكتوب، ولا سبيل للخلاص منه، بل إن «البيئة» كانت هي الأخرى هدفا يسهل التصويب عليه، وفي غضون أشهر الصيف المنصرم التهمت الحرائق عشرات الآلاف من الهكتارات، التي ارتأى الكثيرون إن أسباب الجفاف وارتفاع الحرارة غير كافية لتبريرها، وإذا ما كان الأمر فعلا كذلك، فإن تباطؤ السلطة في التعاطي معها كان كفيلا بإثارة الشكوك والعديد من إشارات الإستفهام.


شهدت مدينة اللاذقية صباح الأربعاء حادثة مروعة، حيث أقدم مجهولون على اختطاف طالب بعمر 14 سنة من أمام مدرسة «جمال داؤود»، الواقعة بالمشروع العاشر شمال المدينة، وفي التفاصيل التي رواها عدد من شهود الحادثة للـ«الديار» جاء إن محمد قيس حيدر كان قد وصل إلى باب مدرسته عند الساعة 7.40 من صباح ذلك اليوم، وعلى الفور تلقاه 4 ملثمين نزلوا من سيارة «سنتافيه» فضية اللون، تحمل لوحة «إدلب تجربة»،ضضض كانت تنتظر على مقربة من باب المدرسة، ووفقا لهؤلاء فقد جرى اقتياد محمد، الذي حاول المقاومة بكل ما يستطيع، إلى السيارة وسط ذهول رفاقه وأساتذته وبعض المارة الذين حاول اثنان منهم، على الأقل، التدخل لإنقاذه واللحاق بالسيارة التي سلكت طريق : الفرن الآلي - دمسرخو، إلا إن الخاطفين أشهروا أسلحتهم مهددين باستخدامها، مما اضطر هؤلاء للتراجع، ويضيف الشهود أن إدارة المدرسة قامت على الفور بطلب قوات «الأمن العام»، التي حضرت سريعا، وفي معرض التحقيقات التي أجرتها هذي الأخيرة، والتي طالت أطرافا عدة من بينها والد الطالب وعدد من المدرسين والشهود، ذكر الأول، قيس حيدر والد الطالب، أنه «أستاذ جامعي من مصياف، وقد عمل لسنوات عدة في السعودية قبيل أن يعود إلى سوريا قبل نحو ثلاث سنوات».

 

وأضاف الأب أن «لا مشاكل لديه من أي نوع كان»، وإن «من الصعب عليه تقدير دوافع الخاطفين»، وفي اتصال أجرته «الديار» مع محمد السودا، وهو خال الطالب، ذكر إنه «لم يتبين بعد دوافع الخاطفين، ونحن وضعنا أرقام هواتفنا على صفحات عدة، بانتظار أن يعمل الخاطفون على الإتصال عليها»، ولم يكد يمضي على الحادثة، التي انتشرت سريعا على وسائل التواصل، بضع دقائق، حتى غدت المدرسة «محجا» لذوي الطلبة الذين جاؤوا لإسترداد أبنائهم معلنين أنهم «لم يعد يريدون تعليمهم»، وفي الغضون تداعى ناشطون لتنفيذ يوم إضراب مدرسي»، ومثلهم دعا «المجلس السياسي لوسط وغرب سوريا»، الذي دعا في بيان له إلى «تعليق الدوام والإضراب عن التعليم مؤقتا في سوريا يوم غد الخميس 9 تشرين أول 2025».

 

والجدير ذكره هنا إن حادثة اختطاف محمد حيدر كانت قد جاءت في ظل مناخ مشحون مسبقا، ففي صباح الثلاثاء، أي قبل 24 ساعة فقط، كانت الأخبار الواردة من حمص تؤكد نبأ اغتيال المعلمة ليال دمر غربب برصاص مسلحين على باب مدرسة «وليد النجار»، بحي «جب الجندلي» بمدينة حمص، وفي تفاصيل الخبر أكدت شهادات من معلمي المدرسة المذكورة أن حادثة اغتيال ليال كانت قد وقعت عقب خلاف، لم يكد يمر عليه يوم واحد، بين ليال وإحدى مجموعات الطلبة أثناء الإصطفاف الصباحي، حيث طلبت المعلمة من الطلاب الوقوف بشكل منظم، الأمر الذي كررته مرات، فرد عليها أحد الطلبة بعبارات استفزازية، وقال آخر «بخلي أبي يقوصك»، لتتطور الحادثة في اليوم التالي إلى الإغتيال، وقد أكد شهود من المدرسة إن «المدرسات العلويات اللواتي حاولن إسعاف الضحية لاحقا كن قد تعرضن لعقوبات إدارية، وإنذارات من مديرية التربية التي امتنعت عن إصدار أي بيان نعي، أو توضيح رسمي حول الجريمة».

 

كما أفادات شهادات أخرى أن «مديرة المدرسة عمدت إلى إغلاق الباب، ومنعت إسعاف المعلمة، كما أصدرت عقوبات بحق الآنسات اللواتي حاولن إنقاذها»، وفي الأعقاب «ساد جو مشحون واستفزازي في المدرسة، تخلله تحذيرات للكوادر التعليمية من العلويين كانت قد جرت بألفاظ مسيئة، وذات طابع طائفي».

 

من شأن الحادثتين أن تلقيا بظلالهما على واقع مجتمعي مأزوم بالكثير، وتلقيا على قطاع التعليم بدرجة خاصة أثقالا أكبر من أن يحتملها واقعه المأزوم أيضا، وربما نصل إلى حالة أقرب لعزوف الأهل عن إرسال أبنائهم إلى المدارس، فحوادث الإختطاف، على اختلاف أنواعها وأهدافها، ظلت بعيدة عن الكشف والمحاسبة، على الرغم من تعالي الأصوات بوجوب ذلك، فحفظ الأمن يقع على عاتق السلطة وأجهزتها المنوطة مهامها بحفظ سلامة مواطنيها على اختلاف مشاربهم.

 

وهذا بالتأكيد هو أدنى مطلب مجتمعي يمكن للناس أن يطالبوا به، والتكتم، والمداراة، لن يفضيا إلا إلى حالات انكماش مجتمعية، وتقوقع للمكونات داخل دوائر مغلقة، من النوع غير محمود العواقب، إلا إذا كان المطلوب هو الوصول إلى حالات من هذا النوع!.

الديار