<
08 October 2025
غياب البيانات يُهدد نهج الفيدرالي رغم توافر المصادر البديلة

يواجه مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي اختباراً دقيقاً في مرحلة تتسم بقدر عالٍ من الترقب، بعدما أصبح خطر غياب البيانات الرسمية الاقتصادية حاضراً مع الإغلاق الحكومي، وهو الغياب الذي يُربك المشهد ويهدد أحد أهم ركائز عمل الفيدرالي، إذ تعتمد سياساته النقدية على مؤشرات دقيقة تصدرها مؤسسات رسمية تُرسم من خلالها صورة الاقتصاد الأميركي بكل تفاصيله.

يدخل الفيدرالي هذه المرة إلى ساحة غامضة تفتقر إلى الأرقام الموثوقة، في وقت تتزايد فيه الحاجة إلى قرارات حاسمة بشأن أسعار الفائدة ومسار التضخم والنمو.

ويعني غياب هذه البيانات أن صانعي السياسة سيجدون أنفسهم أمام فراغٍ في المعلومات التي يستندون إليها عادة لتحديد الاتجاه النقدي، وهو ما قد يجعل القرارات أكثر حذراً وتدرجاً، تفادياً لأية خطوة قد تضر بالاقتصاد في لحظة دقيقة كهذه.

وفي ظل هذا الغموض، تتجه الأنظار نحو الأدوات والبدائل التي قد يستعين بها الفيدرالي لتعويض النقص في الإحصاءات الحكومية. فالمؤشرات الميدانية، وبيانات القطاع الخاص، والنماذج التنبؤية، كلها قد تتحول إلى مراجع مؤقتة في رسم ملامح المشهد الاقتصادي.. فهل تكفي هذه البدائل لتوجيه قرارات السياسة النقدية في أكبر اقتصاد في العالم دون الوقوع في أخطاء التقدير؟

نهج الفيدرالي

في هذا السياق، نقلت شبكة "فوكس نيوز" عن رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في شيكاغو، أوستن غولسبي، قبيل الإغلاق، قوله إن البنك المركزي سوف ينظر في مصادر بيانات بديلة للنظر فيها في اجتماعه في أكتوبر الجاري إذا لم يتم إصدار البيانات الاقتصادية القادمة في الموعد المقرر بسبب إغلاق الحكومة.

يضيف غولسبي:

"مكتب إحصاءات العمل هو أفضل مصدر للبيانات لدينا.. يؤسفني أننا لن نحصل على إحصاءات رسمية في الوقت الذي نحاول فيه تحديد ما إذا كان الاقتصاد يمر بمرحلة انتقالية".

"مؤخرا، قدم بنك الاحتياطي الفيدرالي في شيكاغو مؤشرات سوق العمل ، وأحد هذه المؤشرات يستعين بـ 11 مصدرا مختلفا للبيانات، بعضها بيانات رسمية ولكن الكثير منها من القطاع الخاص، ويقدم توقعات في الوقت الحقيقي حول معدل البطالة التالي".

"لذا، سوف نعتمد بشكل كبير على تقديراتنا لمعدلات التوظيف، وعلى عمليات تسريح العمال وتقديرات المعدلات المنفصلة الأخرى وعلى توقعاتنا الحالية لمعدل البطالة إذا لم نتمكن من الحصول على البيانات الرسمية".

مصادر بديلة

يقول خبير أسواق المال، محمد سعيد، لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية":

 

الإغلاق الحكومي في الولايات المتحدة يُربك المشهد الاقتصادي بشدة؛ إذ يؤدي إلى توقف إصدار بيانات اقتصادية رسمية بالغة الأهمية مثل تقرير الوظائف الشهري الذي يصدره مكتب إحصاءات العمل الأميركي.

هذا الوضع يضع الاحتياطي الفيدرالي أمام تحدٍّ كبير؛ لأن قراراته المتعلقة بالسياسة النقدية وأسعار الفائدة تعتمد بشكل أساسي على هذه البيانات.

مع ذلك، الفيدرالي لا يتحرك بشكل أعمى تماماً، إذ يمتلك خططاً بديلة ومصادر بيانات أخرى تساعده على تكوين صورة تقريبية عن أداء الاقتصاد، لكن في بيئة أكثر ضبابية وأقل وضوحاً من المعتاد.

الفيدرالي يلجأ في مثل هذه الظروف إلى مجموعة من البيانات البديلة التي تصدر غالباً من القطاع الخاص، أبرزها تقرير التوظيف الذي تصدره شركة ADP المتخصصة في إدارة الرواتب، إلى جانب مؤشرات نشاط المصانع والخدمات (PMI)، وبيانات الإنفاق الاستهلاكي المستقاة من شركات بطاقات الائتمان، وكذلك بيانات التوظيف من منصات التوظيف الكبرى مثل Indeed.

ويشير إلى أن الفيدرالي يستخدم أيضاً نماذج اقتصادية متطورة تُعرف باسم Nowcasting Models، وهي نماذج تحاول التنبؤ بالوضع الاقتصادي في الوقت الفعلي من خلال دمج مجموعة من المؤشرات الجزئية. كما تستفيد البنوك الفيدرالية الإقليمية من فرق أبحاثها المحلية التي تجمع بيانات ميدانية عبر استطلاعات للشركات والمستهلكين، إضافة إلى تقرير الـ Beige Book الذي يُصدر ثماني مرات سنوياً، ويتضمن معلومات نوعية حول الأوضاع الاقتصادية في مختلف المناطق الأميركية.

ورغم ذلك، يؤكد سعيد أن:

البيانات البديلة لا تضاهي جودة وشمولية البيانات الحكومية الرسمية، إذ قد تكون متحيزة أو محدودة التغطية، كما أن منهجيات جمعها تختلف، مما يجعل مقارنتها بالبيانات التاريخية أكثر صعوبة. وبالتالي، فإن هذه الظروف تجعل مهمة الفيدرالي أكثر تعقيداً في صياغة قراراته.

الفيدرالي في مثل هذه الفترات يميل إلى الحذر والتحفظ في قراراته، فيتجنب اتخاذ خطوات مفاجئة أو حادة ويفضّل التحرك التدريجي حتى تتضح الصورة بشكل أكبر.

الظروف الاقتصادية

في السياق، يشير تقرير لـ "إيه.بي.سي نيوز"، إلى أن:

الظروف الاقتصادية تضع صانعي السياسات في مجلس الاحتياطي الفيدرالي في مأزق.

إذا رفع الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة كوسيلة للحماية من التضخم الناجم عن الرسوم الجمركية، فإنه يُخاطر بدفع الاقتصاد إلى حالة من الركود.

من ناحية أخرى، إذا خفض الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة لتحفيز الاقتصاد في مواجهة تباطؤ التوظيف، فإنه يُهدد بزيادة الإنفاق وتفاقم التضخم.

وتنقل الشبكة عن أستاذ الاقتصاد في كلية الدراسات العليا لإدارة الأعمال بجامعة ستانفورد، داريل داف، قوله: "إنه وقت حساس لفقدان الوصول إلى البيانات بسبب وجود خلافات واضحة.. هذا يُصعّب على أعضاء اللجنة التوصل إلى إجماع، ويمنح كل عضو مجالاً أوسع للتعبير عن رأيه الخاص دون الحاجة إلى البيانات".

 

ويرى بعض الخبراء أن غياب البيانات المحتمل لا ينبغي أن يُغير مسار الاحتياطي الفيدرالي المُتوقع لخفض أسعار الفائدة مرتين هذا العام، لأن التباطؤ الحاد في التوظيف لم يُتح للبنك المركزي خيارات كثيرة. كما أشاروا إلى استمرار توافر مصادر بيانات القطاع الخاص، مع أن المراقبين عادةً ما يعتبرون هذه البيانات أدنى من الإحصاءات الحكومية، وفق التقرير.

 

بعد خفض الفائدة.. ماهي خطوة الفيدرالي التالية؟

غياب البيانات

من جانبه، يؤكد رئيس قسم الأسواق العالمية في شركة Cedra Markets جو يرق لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أن غياب البيانات الاقتصادية والمؤشرات الرسمية يؤثر بلا شك على قرارات مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، إذ تصبح الصورة غير مكتملة أمام صانعي القرار.

 

ويضيف أن الفيدرالي رغم ذلك يمتلك بعض المصادر البديلة التي تمكنه من الوصول إلى معلومات تساعده على تقدير الوضع الاقتصادي بشكل عام، سواء فيما يتعلق بسوق العمل أو ببقية القطاعات.

 

ويتابع يرق قائلاً إن الفيدرالي الأميركي يضم مجموعة كبيرة من الخبراء الاقتصاديين، إضافة إلى أدوات بحثية متطورة تساعده على تحليل الأوضاع حتى في ظل نقص البيانات الرسمية، لكن تظل الرؤية غير مكتملة تمامًا في مثل هذه الحالات.

 

ويلفت إلى أن الأسواق المالية تسعّر في الوقت الحالي خفضًا بمقدار 25 نقطة أساس في الاجتماع المقبل للفيدرالي، وهو الاتجاه المرجح من وجهة نظره، حيث لا يتوقع أن يكسر الفيدرالي هذه القاعدة. ويوضح أن أي تغييرات إضافية في السياسة النقدية قد يتم اتخاذها ستكون على الأرجح خلال اجتماع ديسمبر المقبل بعد صدور المزيد من البيانات الاقتصادية.

 

 

Skynews