<
08 October 2025
الأخبار: فرمان عثماني للحكم على «رسالات»

قرّر مجلس الوزراء، في جلسته أول من أمس، «تعليق العمل بالعلم والخبر المُعطى للجمعية اللبنانية للفنون – رسالات لحين جلاء نتيجة التحقيقات الإدارية والجزائية التي باشرتها كلّ من الإدارة والنيابة العامة التمييزية»

 الأخبار: عمر نشابة-


قرّر مجلس الوزراء، في جلسته أول من أمس، «تعليق العمل بالعلم والخبر المُعطى للجمعية اللبنانية للفنون – رسالات لحين جلاء نتيجة التحقيقات الإدارية والجزائية التي باشرتها كلّ من الإدارة والنيابة العامة التمييزية»، علماً أن «العلم والخبر» لا يُعطى أساساً للجمعيات، بل إن هذه الأخيرة هي التي تعطيه لوزارة الداخلية لإعلامها بتأسيسها وبغايتها وبأنشطتها. أمّا ما يُعطى للجمعيات، فهو مجرّد رقم العلم والخبر الذي على أساسه تكون الجمعية قانونية.

 

وبالتالي، فقد اتّخذ مجلس الوزراء، بقراره، تدبيراً قمعياً بمنع جمعية يكفل الدستور تأليفها (المادة 13) من ممارسة حقّها بالعمل كبقية الجمعيات، لأسباب غير دقيقة، إذ بما أن التحقيقات القضائية لا تزال جارية، كما ذكر مجلس الوزراء نفسه، فلا يجوز استباقها واتخاذ إجراء قمعي بحق الجمعية قبل ختمها.

 

إلا أن المجلس أراد كما يبدو، بإصرار رئيسه نواف سلام (الرئيس السابق لمحكمة العدل الدولية)، استباق القضاء واستعجال اتخاذ إجراء قمعي بحق الجمعية، ويمكن عدّ هذا الإجراء الاستباقي نوعاً من الضغط على القضاء لاتخاذ القرار الذي يتناسب مع إرادة رئيس الحكومة.

 

وقبل عرض المضمون غير الدقيق لتقرير وزير الداخلية أحمد الحجار على مجلس الوزراء بهذا الشأن، لا بد من الإشارة إلى أن القانون المُعتمد في لبنان لتنظيم الجمعيات، صدر خلال الحكم العثماني (1909)، قبل وضع الدستور اللبناني (1926) وقبل الاستقلال (1943). وبما أن الدستور هو أساس تنظيم الدولة، وينص على أن «حریة إبداء الرأي قولاً وكتابة وحریة الطباعة وحریة الاجتماع وحریة تألیف الجمعیات كلها مكفولة ضمن دائرة القانون»، فكيف يكون القانون السابق لصدور الدستور وللاستقلال هو القانون المُطبّق؟

 

على أيّ حال، قام مجلس الوزراء بتفسير القانون العثماني القديم لتطبيقه على الموضوع المطروح أمامه، فادّعى بأن عبارة «الإخلال بكامل ملكية الدولة أو تغيير شكل الحكومة الحاضرة أو التفريق سياسة بين العناصر العثمانية المختلفة»، المستعملة من قبل المشرّع العثماني في ظل نظام المتصرفية في لبنان، «تعني في وقتنا الحاضر الإخلال بالدولة ونظامها أو تغيير شكل الحكومة الحاضرة أو التفريق سياسة بين الشعب». فيما لا يوجد أي دليل على أن نشاط جمعية «رسالات» في منطقة الروشة في ذكرى اغتيال السيد حسن نصرالله يسعى إلى «تغيير شكل الحكومة الحاضرة» أو «التفريق»، بل كان النشاط جامعاً شارك فيه أشخاص متنوعون من مختلف المناطق اللبنانية.

 

ألَا تستدعي «الذكرى الوطنية» التي أشار إليها تقرير وزير الداخلية تجمّع آلاف الوطنيين للاحتفال بها؟


وتابع مجلس الوزراء الشرح مدّعياً بأن عبارة «الإخلال براحة المملكة» التي كان معمولاً بها في العهد العثماني «توازي اليوم الإخلال بالمصلحة العامة، وهذه العبارة هي من الشمول بحيث يقصد بها المصلحة العامة بكل وجوهها السياسية، منها العسكرية والاقتصادية والمالية والثقافية والتعداد على سبيل المثال، وهو يوازي بالمفاهيم الفقهية الحديثة الانتظام العام».

 

فيما لم يمسّ نشاط «رسالات» بالمصلحة العامة ولم يعكّر الانتظام العام، بدليل أن الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي انتشروا بشكل واسع في المكان، ولم تحدث أيّ اضطرابات أو مشكلات أو صدامات، بل احتشد عشرات الآلاف، من بينهم الآلاف من أبناء وبنات مدينة بيروت، وتمّ النشاط بهدوء واحترام.

 

صحيح أن هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل اعتبرت أن الاجتهاد «يمنح الإدارة الحق في إلغاء الترخيص، أي العلم والخبر (الرقم المُعطى إلى الجمعية) الممنوح للشخص المعنوي أو الطبيعي، كلّما أساء هذا الشخص استعمال الترخيص بشكل مضرّ بالمصلحة العامة، ويعود للحكومة حق إصدار مرسوم في مجلس الوزراء بحلّ تلك الجمعية»، لكن ذلك يفترض أولاً إثبات أن نشاط الجمعية كان فعلاً «مضرّاً بالمصلحة العامة». وقد سعى وزير الداخلية في تقريره إلى إثبات ذلك، لكن بدت حججه ضعيفة وغاب عنها الدليل والإثبات وتحديد النية والدوافع.

 

غياب الدقّة عن تقرير الداخلية

التقرير الذي رفعه الحجار إلى مجلس الوزراء مقترِحاً حلّ جمعية «رسالات»، تضمّن معلومات غير دقيقة، إذ إن الجمعية قامت بأعمال «أدّت إلى المساس بالانتظام العام، والإخلال بالأمن العام والمصلحة العامة»، من دون دليل على ذلك. فكما أسلفنا، كان النشاط الذي قامت به الجمعية منتظماً ولم تتخلّله أيّ مشكلات ولم يحصل أي حادث أمني، ولا يوجد أساس للادّعاء أن النشاط مسّ بأي شكل من الأشكال بالمصلحة العامة، إذ إن النشاط كان بمناسبة اغتيال شخصية لبنانية وعربية وإسلامية، وشارك فيه لبنانيون من كل الأعمار ومن العديد من المناطق ليعبّروا عن احترامهم بطريقة حضارية.

 

كذلك أشار تقرير وزير الداخلية إلى «قطع الطرقات وشلّ حركة السير»، علماً أنه بطبيعة الحال، عندما تصدر دعوة للمشاركة في مناسبة تتعلّق بالشهيد السيد حسن نصرالله، سيحضر عشرات آلاف اللبنانيين، لأن محبّيه في لبنان كثر (والرئيس نواف سلام يعلم أن من بينهم العديد من جيرانه ومعارفه)، ولا يمكن أن يكون الرصيف في منطقة الروشة كافياً لتجمهرهم. وبالتالي اضطروا، بسبب عددهم الغفير، إلى الوقوف في الطريق، وهذا أمر طبيعي يحصل في كل دول العالم. أمّا طلب المحافظ المُسبق من الجمعية بأن لا يزيد عدد المشاركين في النشاط عن 500 شخص فهو غير قابل للتطبيق، إذ لا قدرة للجمعية على منع الناس من التواجد في الأماكن العامة.

 

وزير الداخلية ذكر أن جمعية «رسالات» كانت قد تقدّمت ببيان العلم والخبر عام 2007 وفيه أنها تُعنى بالأنشطة والأعمال الفنية والثقافية، «وبالتالي فإن قيامها بأعمال خارجة عن النطاق التجمّعي الذي حددته لنفسها يشكّل مخالفة لقانون الجمعيات»، علماً أن النشاط في منطقة الروشة كان عبارة عن عمل فني وثقافي جماهيري تخلّله إنشاد من قبل فرقة موسيقية وتلاوة آيات قرآنية وإضاءة صور الشهيد، وهو شخصية وطنية لا تقتصر مكانته على السياسة.

 

وذهب التقرير إلى أبعد من اتّهام الجمعية بالإخلال بالانتظام العام، إذ أشار إلى «افتعال استفزازات سياسية وطائفية، وتعكير السلم الأهلي»، بينما لم يحصل ذلك لا من قبل المنظّمين ولا من قبل معظم المشاركين.

 

أمّا الإشارة إلى «استغلال ذكرى وطنية لغايات وأهداف بعيدة عن المصلحة العامة»، فليست واضحة ولم يشرح الوزير كيف حصل الاستغلال المزعوم، وما هي طبيعة «الغايات والأهداف» البعيدة عن المصلحة العامة. كما لم يحدّد الوزير في تقريره إلى مجلس الوزراء ما يقصده بـ«ذكرى وطنية»، أم أن الوزير يعترف بأن نشاط جمعية «رسالات» في منطقة الروشة كان بمناسبة «ذكرى وطنية»؟ وبالتالي، ألّا تستدعي الذكرى الوطنية تجمّع آلاف الوطنيين وتتيح لهم استخدام معالم المدينة لنشر صور تتعلّق بها؟

الأخبار