<
07 October 2025
حصر السلاح بيد الدولة... بين السيادة والتوظيف السياسي- اللواء الركن المتقاعد سمير الحاج

* تُعدّ مسألة حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية من أكثر القضايا حساسية وتعقيداً في المشهد الوطني، إذ ترتبط بشكل مباشر بمفهوم السيادة واحتكار الدولة لقرار الحرب والسلم. هذه المسألة في جوهرها ليست قضية فئوية أو حزبية، بل هي شأن وطني جامع يفترض أن يلتف حوله جميع اللبنانيين، بمختلف انتماءاتهم ومشاربهم السياسية والطائفية.

غير أن المتأمل في الخطاب السياسي الراهن يلاحظ أن بعض الأحزاب تتعامل مع هذا الملف وكأنه قضية وجودية تخصها وحدها، فتظهر بمظهر "رأس الحربة" في المطالبة بالسيادة، وكأنها الوكيل الحصري لها. هذا المشهد يثير تساؤلات مشروعة:

هل السيادة تُختزل في فريق دون آخر؟ وهل الدفاع عنها يمنح صكّ الوطنية لمن يرفع الصوت أكثر من غيره؟
إن مثل هذا السلوك يُفقد القضية جوهرها الوطني، ويحوّلها إلى أداة للتجاذب السياسي، بدل أن تكون نقطة التقاء بين اللبنانيين. فالمطالبة بحصر السلاح بيد الدولة لا يجب أن تُفهم كاستهداف لطرف أو مكوّن، بل كضرورة لبناء دولة قادرة وعادلة، تُمسك وحدها بمفاتيح الأمن والاستقرار.
تردد الحكومة في تنفيذ هذا القرار يعود إلى عقبات داخلية وخارجية معقدة، لا يمكن تجاهلها أو القفز فوقها. فهناك توازنات دقيقة تحكم المشهد اللبناني، وضغوط إقليمية ودولية تؤثر في مسار أي قرار من هذا النوع. ومع ذلك، يبقى الحل في التعاطي العقلاني والهادئ مع الملف، بعيداً عن الشعارات الشعبوية والمزايدات الإعلامية.

إن الاندفاعة الحالية لبعض القوى نحو رفع شعار السيادة بهذا الشكل الحاد قد تبدو في ظاهرها مبدئية، لكنها في عمقها تحمل خلفيات سياسية وانتخابية لا تخفى على أحد. لذلك، من الحكمة أن يُعاد النقاش إلى مكانه الطبيعي: داخل مؤسسات الدولة، وبروح من المسؤولية الوطنية المشتركة.
فالسيادة ليست ملك حزب أو طائفة، ولا تُصان بالشعارات، بل تُبنى بالفعل، عبر دعم مؤسسات الدولة، وتمكين الجيش والأجهزة الشرعية من بسط سلطتها على كامل الأراضي اللبنانية. وعليه، فإن الطريق إلى الدولة القوية لا يمر عبر رفع الأصوات، بل عبر توحيد الإرادة خلف مشروع وطني جامع.

إن حصر السلاح بيد الدولة ليس ترفاً سياسياً ولا شعاراً انتخابياً، بل ضرورة وجودية لبقاء لبنان دولة لا ساحة. فكلما طال عمر السلاح الخارج عن سلطة الدولة، تآكلت هيبتها وضاعت بوصلتها. والمطلوب اليوم أن تتحول السيادة من كلمة يتنازعها السياسيون إلى فعل تتبناه الدولة، وأن يدرك الجميع أن حماية الوطن لا تكون إلا بجيش واحد وسلاح واحد وقرار واحد، هو قرار الدولة اللبنانية وحدها.

* اللواء الركن المتقاعد سمير الحاج