<
28 September 2025
مستاؤون من الإفراج عن سلامة؟! حولوا غضبكم إلى فعل انتخابي منظم! - جان بو شعيا


في مشهد جديد من مشاهد المهزلة القضائية والسياسية في لبنان، تمّ الإفراج عن حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة، الرجل الذي صار رمزًا للانهيار المالي والفساد المؤسّسي، و"الهندسات" التي مهّدت لفقر اللبنانيين وسلب مدّخراتهم. هذا الإفراج ليس قرارًا منفردًا؛ هو إعلان صريح عن إفلات منظومة كاملة من المحاسبة، وإهانة لضحايا الانهيار، ومرآة تُظهر أذرع الحماية الطائفية والتحالفات المشبوهة التي ما زالت تحمي الفساد. المشهد الصادم هذه المرّة لا يقتصر على القضاء الذي بات أداة في يد الأقوياء، ولا على حكومة فقدت كلّ مصداقية، بل يمتدّ ليشمل أحزابًا طالما تغنّت بمحاربة الفساد، فإذا بها اليوم تُثبت أنها جزء لا يتجزّأ من شبكة الحماية.
في مقدّمة المتواطئين الظاهرين يبرز حزب القوات اللبنانية بقيادة سمير جعجع. الهجوم على هذا الحزب لا يكفيه مجرّد إدانة رمزية؛ فحجم الصمت، التبريرات الملتوية، وتصنيع الخطاب التضليلي يظهر أنّ القوات لم تكن مجرد متفرّج بل شريك في عملية تغليف الفساد بغطاء سياسي. بينما كان الشارع يصرخ مطالبًا بالمحاسبة، اختارت القوات استثمار المواقف الشعبوية إعلاميًا وفي اللقاءات الطائفية، وفي الخفاء شاركت في لعبة مصالح حفظت مصالح أركان النظام المالي. هذه ازدواجية لا تُغتفر: خطاب شعبي أمام الكاميرات، ووراء الستار صفقات وحسابات تُبعد المساءلة عن كبار الفاعلين. الزمن كشف أنّ جعجع وحزبه اختاروا المصلحة على حساب العدالة، وأنّّ صمتهما كان عمليًا إسهامًا في إفلات سلامة.
أما حزب الكتائب ففضح زيف شعاراته التغييرية؛ إذ بدا وكأنّه يستغل حالة الغضب الشعبي كورقة ربطٍ لمشاريعه السياسية، بينما تُدار حساباته الخاصة بعلاقات ضيّقة مع أركان المنظومة المالية. لم نرَ موقفًا جريئًا أو فعلًا حقيقيًا يترجم الخطاب الإعلامي إلى إجراءات ملموسة ضدّ سلامة. الصمت أو الكلام الكئيب الذي لا يولّد إجراءات هو خيانة جديدة لمآسي الناس، وهو صمت يُترجم عمليًا إلى حماية للفساد.
الإفراج عن سلامة تمّ بقرار سلطوي لا قضائي، نتيجة ضغوط سياسية محلية ودولية. وبدل أن يتصدّر رئيس الحكومة أو وزير العدل المشهد للدفاع عن حقّ الشعب، آثروا التواري خلف ذرائع قانونية واهية. هذه الحكومة التي فشلت في الكهرباء والمياه وأموال المودعين، لا يمكن أن تُقنع أحدًا بقدرتها على أي إصلاح. فقدت هيبتها في أحداث مثل إنارة صخرة الروشة، وعجزت عن تنفيذ قرارات بسيطة، فكيف نصدّق أنّها قادرة على تنفيذ قرارات استراتيجية كقضية نزع سلاح حزبٍ مسلّح؟ إنّها تُجيد فقط معادلة معكوسة: تبرئة من سرق أموال الناس، وسجن من أدخل الأموال إلى الخزينة كما حصل مع رولان خوري.
ورغم كل ذلك، يبقى من الضروري الاعتراف بدور التيّار الوطني الحر الذي رفع منذ البداية شعار التدقيق الجنائي وطالب بإصلاحات فعلية في قطاعات الطاقة والمال والخدمات، وسجّل مواقف واضحة في البرلمان والحكومات. لا يمكن تجاهل الدور الذي لعبه الرئيس ميشال عون في كشف التجاوزات المالية ودفعه باتجاه المحاسبة، رغم العقبات الداخلية والخارجية. هذا التمايز يُظهر من وقف مبدئيًا ضدّ الفساد ومن شارك في حمايته.
الإفراج عن رياض سلامة صفعة للعدالة، لكنه ليس النهاية. الحقيقة، ولو تأخرت، لا تُدفن، والقرار النهائي سيبقى بيد الناس. انتخابات ربيع 2026 ليست مجرد موعد عابر، بل اختبار حقيقي لإرادة اللبنانيين: إمّا استعادة الدولة والمحاسبة، أو منح المنظومة فرصة جديدة للإفلات.
على الشعب أن يحوّل غضبه إلى فعل انتخابي منظم: دعم القوى التي أثبتت صدقيتها في مواجهة الفساد، ومعاقبة من اكتفى بخطابات جوفاء أو شارك في الحماية. رياض سلامة خرج حرًا؟ نعم. لكنّ صوت اللبنانيين قادر على قلب المعادلة وإعادة بناء مؤسسات عادلة وشفافة.