عماد مرمل -
الدعوة التي وجّهها الأمين العام لـ"حزب الله" الشيخ نعيم قاسم إلى السعودية لفتح صفحة جديدة بين الجانبَين، شرّعت الباب أمام سَيل من التحليلات والاستنتاجات، التي ارتكزت في غالبيّتها على أحكام مسبقة... فما هي حقيقة الدوافع الكامنة خلف مبادرة قاسم في اتجاه الرياض؟
ضمن إطار ردود الفعل «النمطية»، اعتبر خصوم «حزب الله» أنّ موقف قاسم يعكس ضعف «الحزب» في هذه المرحلة وإخفاق خياراته الإقليمية واضطراره إلى التراجع عنها، تحت تأثير الخلل في موازين القوى لغير مصلحته. وهناك من أخذته تفسيراته إلى تجريد مبادرة قاسم من أي بُعد لبناني أو عربي، وإدراجها حصراً في سياق التعبير عن سياسات إيران ومصالحها.
أمّا العارفون ببواطن قرار الإنفتاح على الرياض في هذا التوقيت، فيهزأون من النظريات التي أطلقتها بعض الشخصيات والقوى الداخلية في معرض تفسيرها لحَيثيات هذا القرار ومعانيه، مؤكّدين أنّ العوامل التي حفّزت قاسم على مدّ اليد نحو السعودية لا علاقة لها بكل الفرضيات «المعلّبة» والمتداولة في أوساط خصوم «الحزب».
ويلفت القريبون من كواليس «الحزب»، إلى أنّ ما يجري في المنطقة كان السبب الأساس خلف دعوة قاسم الرياض إلى فتح صفحة جديدة مع المقاومة، وذلك على قاعدة تحسين شروط مواجهة الخطر العابر للحدود، والمتمثل في تفاقم العدوانية الإسرائيلية وتجاوزها لكل المحرّمات السياسية والحرمات الجغرافية.
ووفق العارفين، فإنّ الضربة الإسرائيلية التي تعرّضت لها الدوحة، تردّدت أصداؤها بقوة لدى «حزب الله»، الذي تعامل مع هذا الإعتداء انطلاقاً من كونه تحوّلاً استراتيجياً يعكس، إلى جانب ما تتعرّض له دول سوريا وفلسطبن واليمن ولبنان، حجم الخطورة التي بات يُشكّلها المشروع الإسرائيلي على مجمل المنطقة بعنوان «إسرائيل الكبرى».
بناءً عليه، اعتبر قاسم أنّ اللحظة الراهنة هي المناسِبة لمحاولة تجاوز التناقضات الثانوية وتحصين الصفوف في مواجهة طموحات بنيامين نتنياهو واليمين المتطرّف، اللذين سبق لهما أن هدّدا الأمن القومي للسعودية نفسها، عندما اقترحا سابقاً نقل الفلسطينيِّين إلى أراضيها.
ويُشير المطلعون على حيثيات موقف قاسم، إلى أنّ الظروف التي أدّت إلى احتدام الخصومة بين «الحزب» والمملكة السعودية تغيّرت، «إذ من المعروف أنّه كان هناك ملف ينطوي على حساسية فائقة لدى الرياض، ودفعها إلى التصعيد ضدّ «الحزب»، وهو تدخّله في حربَي سوريا واليمن، أمّا حالياً فقد انتفى هذا السبب مع تبدّل الوضع السوري نتيجة سقوط نظام بشار الأسد وصمود الهدنة في اليمن وفتح خطوط ديبلوماسية بين حركة أنصار الله والرياض».
وبينما يروّج بعض الداخل لفكرة أنّ المملكة معنية فقط بالتواصل مع الدولة اللبنانية وليس مع أحزاب وجهات سياسية، يلفت القريبون من «الحزب» إلى أنّ أصحاب هذا الطرح هم أنفسهم تربطهم علاقات وثيقة بالرياض، ويلتقون مسؤوليها وموفديها ويتصرّفون على أساس أنّهم حلفاء وأصدقاء لها، وليس أدلّ إلى ذلك من اللقاءات التي تجمع هؤلاء بالموفد السعودي الأمير يزيد بن فرحان خلال زياراته للبنان، والتي لا تنحصر في لقاء المسؤولين الرسميِّين.
ومن ضمن مفاعيل انفتاح «حزب الله» على السعودية، وفق رأي المحيطين به، الانعكاس الإيجابي المفترض على البيئة السنّية في لبنان وعلى العلاقة بينها وبين المكوّن الشيعي، خصوصاً بعدما أدّت قرارات الحكومة في 5 و7 آب إلى توتر داخلي.
ويُرجّح المواكبون لمبادرة «الحزب» حيال الرياض، أن لا تكون طهران بعيدة منها، وهي ربما ساهمت في إيجاد بيئة مؤاتية لها عبر الديبلوماسية الناشطة مع الرياض، «لكن ليس مؤدّى ذلك أنّ خيار الإنفتاح على السعودية هو إيراني المنشأ، بل الأصح أنّه وليد اقتناع قيادة الحزب بالتنسيق مع طهران»، كما يؤكّد هؤلاء.