الديار: مريم نسر-
مرة جديدة يُطل العام الدراسي على الجنوبيين في ظل الاعتداءات الإسرائيلية التي لا تتوقف بدءاً من مناطق الحافة الأمامية لتشمل الجنوب كلّه وتزيد على أعباء أهله المالية في زمن العدوان والنزوح سوء الأوضاع الأمنية من قصف وتهديد يهدف لإيقاف دورة الحياة، إلا أن الجنوبيين كعادتهم يرفضون الموت ويواجهونه كل يوم بالصمود ويُصرّون على إيصال رسالة للعالم كله بأن إرادة الحياة والاستمرارية تبقى الأقوى لديهم ويُضيفون على مناهجهم درس البقاء والثبات.
هذه الصفات تُلازم كل جنوبي من أزمان مضت الى مستقبل آتٍ يرسمون له بكل أسلحة المقاومة والعلم أحدها، لذا شَهَر الجنوبي أسلحته من أجل إنطلاق عام دراسي عادي في زمن ليس عادياً فتكاتفت وتكاملت فعالياته السياسية والإجتماعية والأهلية لتثبيت هذه الصورة والبدء بخوض هذه المعركة، في ظل تناسي الدولة اللبنانية لمسؤولياتها تجاه أبناء الجنوب من مساعدات وتوفير سبل الحياة الكريمة و"نسيان" ملف إعادة الإعمار.
يقول عضو كتلة التنمية والتحرير النائب أشرف بيضون إن الأولوية في الجنوب وتحديداً المناطق الحدودية كانت تأمين مدارس بديلة للطلاب بعد تدميرها بحال عودة عدد كبير من السكان الى قريتهم الحدودية أو بحال وجودهم في المناطق التي نزحوا إليها، لذا تم البحث وفق تلك القواعد فهناك مناطق تم إيجاد بديل داخلها مثل "الخيام" وهناك قرى مثل "عيتا الشعب" تم إيجاد بديل لطلابها في منطقة أخرى وهي "بدياس"، فمنها تأمّن دون مقابل مادي أي مِن مدرسة لمدرسة ومنها كان تأمين البديل يحتاج الى بدل إيجار مثلما حصل في "الخيام". فالمبنى البديل هناك استأجره مجلس الجنوب الذي رمّم بدوره 180 مدرسة متضررة من العدوان الإسرائيلي، يقول بيضون إن المهمة الأصعب كانت إيجاد بديل للمدارس وهنا كان الجهد الأكبر على الأرض، وعندما أُنجزت المهمة كانت بجهد جميع الأطراف من التعبئة التربوية في حزب الله للمكتب التربوي لحركة أمل في إقليم جبل عامل، لمجلس الجنوب، لمدراء المدارس والبلديات والجمعيات وفعاليات المنطقة ووزارة التربية التي كانت متجاوبة وستُترجِم كل الجهد المشترك بإجراءات إدارية ستُعلِن عنها وفق ما قال بيضون.
هذا العمل التكاملي والتشاركي... الهدف الأساسي منه هو إطلاق العام الدراسي بلا تحديات يقول بيضون والذي بدأ بالاجتماع مع مديري المدارس بحيث نتج منه توصيات للانطلاق الى العمل الفعلي واتخاذ الإجراءات اللازمة المطلوبة لإيجاد بديل للمدارس وهذا ما يتطلب موافقة من المنطقة التربوية التي تنتمي إليها كل مدرسة إن كانت في محافظة النبطية أو محافظة الجنوب وصولاً الى موافقة وزارة التربية التي تعمل على قرار مشترك لكل المدارس وهذا يُوضع في إطار تسهيل الإجراءات وفق بيضون.
فنتيجة للجهد الكبير المشترك قال بيضون إن المدارس الثانوية في علما الشعب ومروحين وعيتا الشعب والخيام وميس الجبل تم تأمين بديل لهم وحتى المدارس الابتدائية تقريباً تأمّن بديل لها بشكل كبير ما عدا بعض المدارس التي ينتشر أساتذتها وطلابها بأكثر من منطقة وأفضل لهم الانضمام الى مدارس قريبة من مكان سكنهم.
بالإضافة للتعاون مع حركة أمل لفتح عام دراسي جديد والعمل على عدم إقفال أي مدرسة في قرى الحافة الأمامية إن كان في القرية نفسها أو عبر إيجاد بديل بقرية أخرى بالتواصل الدائم مع وزارة التربية لتحقيق هذا الهدف، قام حزب الله وكما كل عام بِفتح معارض قرطاسية بسعر الكلفة للتخفيف على بيئته عبء التحضير للعام الدراسي، وبلغ عددها هذا العام في منطقة جبل عامل الأولى خمسة وتوزّعت في مدينة صور، القليلة، مجدل سلم، خربة سلم، تبنين، بحيث يقول مسؤول التعبئة التربوية بمنطقة جبل عامل الأولى ماهر أبو خليل إن عدد المعارض كان أكبر في الأعوام السابقة إلا أن الاعتداءات الإسرائيلية والوضع الأمني حال دون افتتاحها في عدد من المناطق خاصة في قرى الحافة الأمامية.
يُضيف أبو خليل أن ما تُقدِّمه التعبئة التربوية لا يقتصر على المعارض فقط وإنما يشمل مكتبات لإعارة الكتب المدرسية وعددها 19 مكتبة جزء منها ضمن معارض القرطاسية، واللافت أن في هذه الجزئية لم تستطع الاعتداءات الإسرائيلية إقفال أي مكتبة بحيث انه ضمن هذا العدد هناك مكتبتان لتعذّر فتحهما تمت الاستعاضة عنهما أونلاين في كفركلا والخيام وهكذا تتم تلبية الطلاب.
وأيضاً في إطار تسهيل أمور الناس وليس فقط النازحين من قرى الحافة الأمامية رغم أنهم الأكثر معاناة لكن في الواقع الجميع يعاني لذا فإن هناك حسومات للطلاب تؤمّنها التعبئة ببعض المدارس الخاصة والجامعات والمهنيات.
يقول أبو خليل إن الحزب يسعى بكل ما فيه من قوّة ليكون الى جانب أهله، صحيح أن هذا العام الإمكانات أقل من الأعوام السابقة نظراً للظروف الحالية، إلا أنها مهما بلغت القدرة تُوضع كلّها في خدمة الناس.
أما جمعية "وتعاونوا" فلها دور في الدعم التربوي للمنطقة الحدودية في مرحلة التحضير للعام الدراسي الحالي، بحيث يقول مسؤول العلاقات العامة والأنشطة في الجمعية الصحافي جمال شعيب إن الدعم يتركّز على الطلاب الأكثر تأثّراً بالأزمة أي طلاب المدارس الرسمية فتشمل المساهمة رسوم التسجيل والقرطاسية للطلاب الموجودين بالمناطق الحدودية والطلاب النازحين لمناطق أخرى.
اللافت أن الجمعية وضعت خطة الإستجابة الطارئة لحاجات أهالي المنطقة الحدودية ولا تقتصر فقط على خدمة الطلاب وإنما تشمل المدارس التي تحتاج للترميم بعد الضرر الذي أصابها بفعل العدوان الإسرائيلي، كالمدرسة الابتدائية والثانوية في مجدل سلم وكذلك المكتبة العامة، ويُضيف شعيب أن الجمعية تُساعد بتجهيز المدارس البديلة، كما حصل في حولا عندما تم تجهيز مبنى هناك ليكون مدرسة بديلة واحتاجوا إلى صفوف إضافية وأيضاً استطاعت الجمعية تأمين مموِّل لمشروع إنشاء مجمع المدارس المؤقت في ميس الجبل مؤلف من 26 صفاً بالتعاون مع اتحاد بلديات جبل عامل ومجلس الجنوب، كما يؤكد شعيب أن الهدف اليوم تسهيل انطلاق العام الدراسي.
تجمّع أبناء القرى الجنوبية الحدودية كان له مساعٍ أيضاً في هذا الإطار، بحيث يقول الناطق الرسمي باسم التجمّع المهندس طارق مزرعاني إن التجمع أوصل مطالبه فيما يتعلق بواقع المدارس في قرى الحافة الأمامية عبر الإعلام لعدم تجاوب وزارة التربية معه التي كان ردّها بعد طلب موعد أنها تتابع الموضوع.
فالتجمع شملت مطالبه إعفاء طلاب المنطقة الحدودية من رسوم التسجيل وتأمين الكتب والقرطاسية وكذلك النقل، وأيضاً شملت المحافظة على عقود الأساتذة المتعاقدين، يقول مزرعاني إن هناك إمكانا لحلول فردية لكن المطلوب حل عام عبر وزارة التربية.
إذاً.. هذا هو واقع الجنوب اليوم من أقصاه الى أقصاه حيث يضطر لخوض معركة تَحدٍّ وصبر وصمود عند كل استحقاق يواجهه لينتزع حقه بالحياة، حقه بالتعلم، حقه في الوجود، حقه في البقاء، حقه في العيش، حقه في مستقبل مشرق يقاوم من أجل الوصول إليه ويتحضر لعام دراسي جديد يحصد أبناؤه في نهايته المراكز الأولى ولو على أصوات القذائف والصواريخ الإسرائيلية.