في ضربة اعتبرت تحولا نوعا في قواعد الاشتباك، جاء العدوان الإسرائيلي الأخير على قطر ليؤشر على انزلاقٍ خطير نحو توسيع رقعة الحرب الإسرائيلية إلى ساحات وعواصم كانت حتى الأمس القريب تعتبر خارج ميدان الاستهداف المباشر. فهذا التطور لا يمكن قراءته خارج السياق العام للتصعيد المتواصل في غزة، ولا خارج الحسابات الجيوسياسية التي تعيد رسم معالم الصراع في المنطقة.
منذ بداية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، كثر الحديث في الإعلام العبري والمراكز الأمنية الإسرائيلية عن ضرورة ملاحقة قيادات المقاومة في الخارج، خصوصا أولئك الموجودين في قطر وتركيا ولبنان. وقد أعلن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي إيال زامير، مساء الأحد في الاول من ايلول، أنه سيتم استهداف قادة حركة حماس خارج قطاع غزة. وسبق أن اغتالت إسرائيل قادة لحماس في كل من إيران ولبنان.
هذه التصريحات لم تكن عبثية، بل جاءت متزامنة مع تقارير استخبارية إسرائيلية كشفت عن تحضيرات لاستهداف قيادات فلسطينية في أكثر من دولة عربية، وهو ما أثار قلق العديد من العواصم، لا سيما بعد أن نقلت تقارير إعلامية معلومات عن تحذير مصري واضح لإسرائيل من مغبة استهداف شخصيات فلسطينية بارزة في القاهرة، من بينهم الأمين العام لحركة الجهاد زياد نخالة.
من زاوية أخرى، لا يمكن فصل العدوان الإسرائيلي على الدوحة عن الدور الذي تلعبه قطر كوسيط رئيسي في مفاوضات وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى بين حماس وإسرائيل. هذا الاعتداء لا يبدو فقط كمحاولة لتصفية جسدية لقيادات المقاومة، بل يفهم أيضا كرسالة سياسية واضحة مفادها أن إسرائيل ترفض الوساطات، وتستبعد في هذه المرحلة على الأقل أي حل تفاوضي من شأنه أن يوقف حربها المفتوحة على غزة.
جاء هذا التصعيد بعد تصريحات للرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، تحدث فيها عن حل لغزة لا يتضمن وقفًا دائمًا لإطلاق النار، متماهيا بذلك مع خطاب بنيامين نتنياهو الذي دعا فيه سكان غزة لمغادرة المدينة، في تلميح واضح إلى نيات تهجير جماعي. هذه التوجهات، عندما تتقاطع مع استهداف قادة حماس خارج فلسطين، تفتح الباب، بحسب اوساط سياسية أمام سيناريو أكثر سوداوية يتجاوز حدود القطاع الجغرافي لغزة، ليصل إلى معادلات إقليمية أوسع.
ما حدث في الدوحة، حتى وإن لم يسفر عن خسائر بشرية مباشرة، يعكس، بحسب الاوساط نية إسرائيلية لتوسيع ساحة المعركة. فبعد استهداف بيروت، وبغداد ودمشق في مراحل سابقة، يبدو أن "الخطوط الحمراء التي كانت تحكم الصراع بدأت تتآكل، وتتحول إلى خطوط هشّة يمكن تجاوزها تحت مبررات "الأمن القومي الإسرائيلي".
ويبقى السؤال المطروح راهناً هل نحن أمام مرحلة جديدة من الحرب تشمل أطرافًا إقليمية متعددة؟ أم أن ما جرى مجرد رسالة ردعية هدفها الضغط على قادة حماس وعرقلة مساعي وقف إطلاق النار؟ علما ان مصدرا سياسيا يشير إلى المؤشرات تشير إلى أن المنطقة تتجه نحو مرحلة غير مسبوقة من التفكك الأمني والسياسي. فالعدوان الإسرائيلي على قطر لا يختزل فقط في بعده العسكري، بل يتعداه إلى كونه رسالة سياسية مفادها: لا تفاوض، لا وساطات، ولا أماكن آمنة بعد اليوم.