لينا فخر الدين-
لا توحي التحضيرات للانتخابات النيابية في بيروت بإمكانية عقد تحالفات سياسيّة تحصر المنافسة في أقلّ عدد ممكن من اللوائح، أو حتّى تمكين إحداها من ترجيح كفّتها على الأخرى. فالمشهد الحالي يُذكّر إلى حدّ بعيد بالانتخابات البلديّة الأخيرة التي تنافس فيها المرشّحون ضمن ستّ لوائح متفرّقة.
ومردُّ هذه الشهيّة المفتوحة وغير المسبوقة على الترشّح، يعود إلى جملة أسباب متداخلة؛ تبدأ بالتغيّرات العميقة التي شهدتها العاصمة منذ عام 2019 بفعل حراك 17 تشرين، ولا تنتهي بغياب المرجعيّة السُّنيّة وما خلّفه تعليق الرئيس سعد الحريري لنشاطه السياسي من تشتّت وفراغ. علماً أنّ المؤشّرات القادمة من أبو ظبي توحي بأنّ هذا الغياب سيطول إلى ما بعد الاستحقاق النيابي، في ظلّ عدم تلمّس قيادات تيار المستقبل لأيّ انفتاح سعودي جدّي تجاه الحريري أو رفع الحظر السياسي المفروض عليه.
تمرّد من رحم «المستقبل»
رغم ذلك، يتوقع كثيرون أن يكون أداء «المستقبليين» هذه المرة مختلفاً عن انتخابات 2022 حين رضخوا لقرار الحريري بمقاطعة الاستحقاق، وأن يخرج من «الرحم الأزرق» مُتمرِّدون على توجّهات رئيسهم، لدوافع ترتبط بحماية وجود التيار وضمان استمراريته.
فهؤلاء يرون أن تعليق العمل السياسي طوال هذه المدة يعادل إقفال «بيت الوسط» نهائياً. ويبدو أن أصحاب هذه النظرية «يتكاثرون» في صفوف «التيار»، وهو ما ظهرت ملامحه في الانتخابات البلدية الأخيرة، وعكسه بقوة أداء «المستقبليين» في بيروت وصيدا.
وعليه، من المرجح أن يترشح «حريريون» أو شخصيات تدور في «الفلك الأزرق» في غالبية المناطق التي تُعدّ معاقل أساسية لـ«المستقبل»، النظر عمّا إذا كان الحريري سيمنحهم الغطاء الشرعي المباشر أم لا. مع الإشارة إلى أن البعض لا يستبعد إمكانية انتقال الحريري إلى بيروت للإشراف بشكل غير مباشر على العملية الانتخابية، ما قد يعزّز فرص فوز المرشحين المقربين منه.
في المقابل، يستبعد زوار الحريري في مقر إقامته أن ينتقل إلى بيروت في المدى المنظور، نظراً إلى «الفيتو» السعودي والموانع الإماراتية. ما يعني أن على المرشحين «الحريريين» الذين حسموا قرار ترشحهم أن يتلمّسوا خطواتهم من دون دعم مباشر من «دولته»، وسط توقعات بأن نحو ثمانية مقاعد شبه محسومة لـ«الحريريين».
ويتردد أن بين هؤلاء النائبة السابقة بهية الحريري التي ستترشح في صيدا، بينما يدرس نجلها أحمد الحريري، الأمين العام لتيار المستقبل، إمكانية الترشح في دائرة أخرى، على أن لا يكون ضمن لائحة في صيدا أو بيروت، خصوصاً أن حسابات «الحريريين» تجاه بيروت تبدو مختلفة.
«خبصة» مرشحين ولوائح
ويعود ذلك إلى أن «المستقبليين» الذين يراقبون عن كثب أرض العاصمة وتحولات موازين القوى فيها، لا يبدون حماسة للانخراط المباشر في معركة بيروت، مفضّلين «اللعب من تحت الطاولة» ودعم لائحة تضم مقربين منهم بشكل غير مباشر، على غرار الانتخابات البلدية الأخيرة.
ويرى بعض المتابعين أن قياديي «المستقبل» محقّون في ذلك، في ظلّ «الخبصة» التي تلوح في الأفق مع إعلان أكثر من 50 شخصية نيتها الترشح (بعضهم نواب حاليون)، وقد بدأ هؤلاء فعليّاً جولاتهم على الأرض، فيما يدرس آخرون خياراتهم بجدية، وطلبوا من شركات متخصصة إعداد استطلاعات لرصد وضعهم الشعبي، إضافة إلى دراسات مالية للإحاطة بالاحتياجات اللازمة لتفعيل الماكينات الانتخابية.
واللافت في هذا الاستحقاق أن «الورثة» من الجيل الجديد بدأوا يُشمّرون عن زنودهم للدخول في المعترك النيابي. ومن أبرز الأسماء التي يُحكى عن احتمال ترشحها في العاصمة: صائب تمام سلام، وصالح نهاد المشنوق، وجمال نجاح واكيم، وسيف سليم دياب. ويتردد أن رئيس الحكومة نواف سلام يحاول إقناع دياب وسلام بالانضمام إلى اللائحة التي ستضم النائب وضاح الصادق، مُحاولاً الإيحاء لزواره بأنه «يتبنى» تجربة المرشحين المحتملين الثلاثة.
أبرز اللوائح المحتملة
هذه الشهيّة المفتوحة قد تؤدي إلى تشكيل أكثر من 13 لائحة، يقول متابعون للشؤون البيروتية إنه يمكن رؤية غالبيتها بـ«العين المُجرَّدة»، ومنها:
- لائحة تضم مقربين من «المستقبل»، قد تكون النائبة السابقة رلى الطبش من ضمنها.
- لائحة يُشرف على تشكيلها رجل الأعمال بهاء رفيق الحريري الذي عقد خلال مدة إقامته في بيروت لقاءات مع عدد من الشخصيات البيروتية. ورغم أن البعض يؤكد أن هذه اللقاءات كانت مع شخصيات من «الصف السادس ونزول»، يتردد أن رئيس بلدية بيروت السابق بلال حمد يدرس عرض بهاء عليه أن يرأس لائحة مدعومة منه، إلا أنه لم يحسم أمره بعد.
- لائحة يرأسها النائب فؤاد مخزومي. والأخير، رغم استنفار ماكينته الانتخابية وعملها الدؤوب على الأرض، قلق من نتائج الإحصاءات الأخيرة التي أجرتها شركات متخصصة لحسابه، ومن ضعف الإقبال الشعبي على لقاءاته، وآخرها فطور دعا إليه في أحد المقاهي البيروتية، حضره 22 شخصاً فقط من بينهم 10 من العاملين في مؤسسته ومكتبه والمقربين منه. وعندما فتح «بيت البحر» لزواره، حضر أقل من 70 شخصاً، غالبيتهم طلاب خدمات شخصية ومساعدات اجتماعية. مع ذلك، يبذل مخزومي كل جهد ممكن لتحقيق حلمه بالانتقال من النيابة إلى رئاسة الحكومة، ويعمل على تقديم مساعدات مالية شهرية بقيمة 300 دولار لنحو 300 عائلة بيروتية حتى موعد الانتخابات.
- لائحة لـ«جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية». ورغم استمرار التنسيق مع مخزومي لتشكيل لائحة موحّدة، يبقى الحسم مرهوناً بنتائج الإحصاءات وتحليل الأرقام التي يُحسب لـ«الأحباش» تفوّقهم فيها. كما يجري الحديث عن احتمال أن يرشح رئيس «جمعية بيروت للتنمية الاجتماعية» أحمد هاشمية، الذي يشارك لقاءات مخزومي و«المشاريع»، أحد المقربين منه على اللائحة. إلا أن المتابعين يستبعدون أن يسمح الحريري بانضواء محسوبين عليه في لائحة مخزومي، لما قد يترتب على ذلك من منافسة محمومة بين «الحريريين» على اللوائح المتنافسة.
- لائحة لحزب الله وحركة أمل. ويتردد أن «الثنائي» يدرس جدياً تجيير أصوات لجمال نجاح واكيم عن المقعد الأرثوذكسي. ويشير المتابعون إلى أن «الثنائي» بدأ يعدّ للانتخابات المقبلة ويدرس جميع الخيارات لاستنفار قواه الشعبية، بإشراف مباشر من رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي يولي أهمية كبيرة لهذا الاستحقاق في جميع الدوائر.
- لائحة يرأسها النائبان نبيل بدر وعماد الحوت، مع ترجيح انضمام العميد المتقاعد محمود الجمل إليها. لكن البعض يشكك في هذا السيناريو، متحدثاً عن احتمال أن يقلب الجمل الطاولة على حلفائه، عبر الانضواء في لائحة تضم مقربين من «المستقبل»، رغم أن مقربين منه ينفون هذا الأمر.
- لائحة لوضاح الصادق بدعمٍ من رئيس الحكومة.
- لائحة للمجتمع المدني ومرشّحها الأساسي النائب إبراهيم منيمنة.
- لائحة لحركة «مواطنون ومواطنات في دولة» بقيادة الوزير السابق شربل نحاس.
- أكثر من لائحة لجمعيات من المجتمع المدني، ويتردد أن رلى حوري تدرس إمكانية ترشحها وتشكيل إحدى هذه اللوائح، بعدما تمكنت من استقطاب عدد من أهالي العاصمة لدى ترشحها منفردة إلى الانتخابات البلدية الأخيرة.
- لائحة للقيادي في «حزب النجادة» عدنان الحكيم.
في المقابل، لم يحسم صائب تمام سلام خياراته بعد، رغم استعداده الجدّي لخوض المعركة، فيما يؤكد مقربون أن والده الرئيس تمام سلام لا يرغب في انضواء ابنه في لائحة يرأسها مخزومي أو «المشاريع».
ورغم «زحمة» الترشح التي بدأت تظهر قبل أشهر من الاستحقاق، يتوقع المتابعون أن يتراجع بعض المرشحين عن نيتهم مع اقتراب فتح باب الترشيحات، أو أن تندمج بعض اللوائح في ما بينها. ويشيرون إلى أن الحسم سيكون مع بداية كانون الأول المقبل، بعد الانتهاء من دراسة الأرض وتحليل الأرقام، ولا سيما أن المعركة ستكون صعبة في ظلّ توقع أن يبلغ الحاصل الانتخابي الأول أكثر من 13 ألف صوت، إضافة إلى الحاجة المالية التي يُتوقع أن تتجاوز المليون دولار لكل لائحة.