زينب حمود -
بعدما كانت «المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين» (UNHCR) قد أبدت في مراحل سابقة تريثاً واضحاً إزاء ملف إعادة النازحين السوريين إلى بلدهم بعد سقوط نظام الرئيس السابق بشار الأسد، مبرّرة موقفها بـ«غياب ظروف العودة الجماعية نتيجة عدم الاستقرار في سوريا، وحجم الدمار الواسع في البنى التحتية، فضلاً عن اعتماد أكثر من 90% من السكان هناك على المساعدات الإنسانية»، تبدو المفوضية اليوم أكثر اندفاعاً في مقاربة الملف. إذ تتحدث عن «فرصة إيجابية» تستوجب استثمارها لتحقيق عودة أوسع للنازحين، أو على الأقل إطلاق مسار «عودة واقعية ومستدامة».
وفي هذا السياق، عبّر ممثل المفوضية في لبنان، إيفو فرايسن، مطلع آب الجاري، عن «طموح المفوضية بأن تشهد الأشهر المقبلة عودة ما لا يقل عن 200 ألف لاجئ سوري إضافي من لبنان إلى بلدهم، والوصول إلى نحو 400 ألف عائد مع نهاية العام».
هذا الرقم يعكس نتائج إحصاء أجرته المفوضية في شباط الماضي، وأظهر أن 24% من مجمل النازحين السوريين في لبنان يبدون استعداداً فعلياً للعودة.
ويأتي هذا التحوّل في الموقف الدولي حيال الوجود السوري في لبنان، رغم هشاشة الأوضاع داخل سوريا وتقلّبها، وعدم تسجيل أي تحسن ملموس في ظروف الحياة بعد مرور ثمانية أشهر على سقوط النظام.
فلا الواقع الأمني شهد انفراجاً، ولا الأوضاع الإنسانية والمعيشية تبدلت، وهي نفسها التي كانت المفوضية تعتبرها عائقاً أساسياً أمام العودة. فما الذي تغيّر اليوم؟
إذ لا خطط فعلية لإعادة الإعمار أو إنعاش الاقتصاد قد أُطلقت حتى الآن، فيما أكدت مصادر في المفوضية نفسها، في حديث سابق إلى «الأخبار»، أنّ سوريا تواجه «أزمة إنسانية كبرى، مع بقاء ملايين السكان بحاجة إلى مساعدات عاجلة تشمل الغذاء والمأوى والرعاية الصحية والخدمات الأساسية الأخرى».
في المحصّلة، يبدو أنّ الجانبين اللبناني والدولي توصّلا أخيراً إلى قناعة بأنّ وقت عودة النازحين قد حان، فكانت النتيجة إطلاق خطة «العودة الطوعية» مطلع تموز الماضي، بدعم من الحكومة اللبنانية، وبمشاركة المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين و«المنظمة الدولية للهجرة».
وقد جرى تقسيم الخطة إلى مسارين: الأول يقوم على ما يُعرف ببرنامج «العودة الطوعية المنظّمة ذاتياً»، إذ يتولى النازحون، بإشراف المفوضية، تنظيم عودتهم عبر المعابر الحدودية الرسمية. أما المسار الثاني فيُعهد به إلى «المنظمة الدولية للهجرة»، التي تضطلع بمهمة تنظيم عمليات النقل مباشرة إلى سوريا. وتقدّر وزيرة الشؤون الاجتماعية حنين السيد كلفة تنفيذ المرحلة الأولى من هذه الخطة بنحو 200 مليون دولار، على أن تُقتطع من الموازنة المخصّصة لخطة الاستجابة لاحتياجات النازحين.
وبحسب ما أوضحت المفوضية، فإن «اللاجئين المسجّلين لديها والراغبين في العودة يمكنهم التوجّه إلى مكاتبها للحصول على المعلومات والخدمات المتصلة بالعودة، بعد التأكد من الطابع الطوعي للقرار». وتشمل المساعدة المقدَّمة لهم تزويدهم بالمعلومات حول الوضع داخل سوريا والإجابة عن استفساراتهم، بما في ذلك تحديد المناطق القادرة على استقبالهم من الناحية الأمنية والخدمية.
كذلك، يحصل كل فرد من أفراد الأسرة العائدة، إضافة إلى النقل بالحافلات، على مبلغ 100 دولار أميركي، مع إعفائهم من الغرامات المترتبة عليهم نتيجة مخالفات قوانين الإقامة في لبنان، وفقاً لما أكده فرايسن. ولدى وصولهم إلى الأراضي السورية، تتولى وكالات الأمم المتحدة تقديم الدعم اللازم لهم في استصدار الوثائق الرسمية المفقودة، وتوفير المساعدة القانونية والنفسية والصحية، إلى جانب تقديم بعض المساعدات الإنسانية.
لكن، كيف انعكست هذه الخطة عملياً؟ بعد شهر واحد فقط على إطلاقها، سجّل أكثر من 71,900 نازح اهتمامهم بالمشاركة في برنامج العودة الطوعية، وحصلوا على الاستشارات اللازمة حول خطوات العملية وما قد يترتب عليها، وهو ما اعتُبر مؤشراً إيجابياً إلى قدرة البرنامج على تشجيع النازحين.
غير أنّ هذه الرغبة لم تتحوّل إلى أرقام ملموسة في ملف النزوح، نتيجة تردّد كثيرين في العودة بسبب غياب اليقين حيال الأوضاع في سوريا على المديين القصير والطويل. وتتركز أبرز المخاوف على: إمكانية الوصول إلى التعليم وفرص العمل، قضايا السكن والأراضي والممتلكات غير المحسومة، فضلاً عن مدى استمرارية المساعدات الإنسانية بعد العودة.
هذا التردّد انعكس عملياً في تجربة العودة الجماعية الأولى التي نظّمتها «المنظمة الدولية للهجرة» أواخر تموز، إذ لم تحمل الحافلات سوى 72 نازحاً، ولم تُسجّل بعدها أي رحلة ثانية بانتظار تجميع عدد كافٍ لإطلاق دفعة جديدة.
وتبرّر المفوضية ذلك بـ«تفضيل معظم النازحين العودة بشكل فردي»، مشيرةً في الوقت نفسه إلى أنّ نحو 168 ألف نازح عادوا فعلياً من لبنان إلى سوريا في السنوات الماضية وشُطبوا من سجلاتها، من أصل 1.5 مليون مسجّل، أي ما يعادل 11.2% فقط من مجموع النازحين السوريين.