<
04 August 2025
ما أسباب تدهور سوق العمل في الولايات المتحدة؟

تشهد سوق العمل الأميركية مرحلة دقيقة تثير قلق الأوساط الاقتصادية والسياسية على حد سواء، وسط تساؤلات حول قدرة الاقتصاد الأكبر في العالم على الحفاظ على زخمه.

 

التقارير الأخيرة الصادرة عن المؤسسات الرسمية والأسواق المالية كشفت عن إشارات ضعف ملحوظة، ترافقت مع تراجع ثقة الشركات وتزايد المخاطر السياسية والاقتصادية، وهي التطورات التي تبدو مؤشراً على تحولات أعمق في سوق العمل.

 

وبينما أظهرت سوق العمل الأميركية علامات ضعف تدريجي خلال الشهور الماضية، إلا أن البيانات الفيدرالية الجديدة الصادرة يوم الجمعة الماضي تشير إلى أنها "ربما وصل إلى طريق مسدود طال انتظاره"، بحسب تقرير لشبكة "سي إن بي سي" الأميركية.

ينقل التقرير عن كبير الاقتصاديين في موقع Glassdoor للوظائف، دانييل تشاو، قوله في مذكرة: ”لقد أصبحنا في عين الإعصار" وذلك بعد أشهر من العلامات التحذيرية.

 

 

أفاد مكتب إحصاءات العمل يوم الجمعة بأن أصحاب العمل أضافوا 73 ألف وظيفة فقط في يوليو. وهذا العدد أقل من المتوقع .

يعتقد خبراء الاقتصاد عموما بأن الاقتصاد الأميركي يحتاج إلى إضافة ما بين 80 ألفاً إلى 100 ألف وظيفة شهريا لمواكبة النمو السكاني، بحسب مديرة الأبحاث الاقتصادية لأميركا الشمالية في موقع التوظيف Indeed، لورا أولريش.

الأمر الأكثر إثارة للقلق من أرقام يوليو أن أرقام نمو الوظائف لشهري مايو ويونيو (المُعدلة) كانت أضعف بكثير مما كان متوقعا في البداية، وفقا لخبراء الاقتصاد.

قام مكتب إحصاءات العمل بمراجعة أرقام نمو الوظائف لتلك الأشهر بشكل حاد إلى الانخفاض، إلى 19 ألف وظيفة تمت إضافتها في مايو (انخفاضاً من 144 ألف وظيفة في البداية) و14 ألف وظيفة في يونيو (من 147 ألف وظيفة). وفي المجمل، أضاف أصحاب العمل 258 ألف وظيفة أقل مما كان متوقعا في البداية.

وبلغ متوسط نمو الوظائف 35,000 وظيفة خلال الأشهر الثلاثة الماضية، عند احتساب البيانات المُعدّلة. في المقابل، بلغ متوسط نمو الوظائف 111,000 وظيفة شهريًا خلال الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2025.

 

وقال خبراء الاقتصاد إن الوظائف الجديدة تركزت إلى حد كبير في قطاعي الرعاية الصحية والمساعدة الاجتماعية، وهو ما يعني أن الفرص لم تكن واسعة النطاق. كما ذكروا أن الرسوم الجمركية، عند تطبيقها على المدى الطويل، ترفع الأسعار على المستهلكين وتضغط على أرباح العديد من الشركات من خلال رفع تكاليف مستلزمات الإنتاج. وأضافوا أن نهج ترامب المتقطع في فرض الرسوم الجمركية يخلق حالة من عدم اليقين لدى الشركات، مما يدفع الكثير منها إلى التراجع عن التوظيف.

بيانات ضعيفة

من جانبه، يقول الرئيس التنفيذي لشركة VI Markets، طلال العجمي، لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إن:

 

بيانات سوق العمل الأخيرة في الولايات المتحدة شكّلت صدمة للأسواق، بعدما أضاف الاقتصاد الأميركي 73 ألف وظيفة فقط خلال شهر يوليو، في رقم جاء دون التوقعات بكثير.

"المفاجأة الأكبر كانت في التعديلات التي جرت على بيانات الأشهر السابقة، والتي قلصت الأرقام بأكثر من ربع مليون وظيفة"،

"معدل البطالة ارتفع إلى 4.2 بالمئة، فيما تراجع معدل المشاركة في القوى العاملة، ما يعني أن أعداداً متزايدة من الناس بدأت تغادر سوق العمل"

يفسّر العجمي هذا التراجع بأنه نتاج "مزيج من العوامل"، أهمها:

 

أولاً، السياسات التجارية للرئيس ترامب، خصوصاً زيادة الرسوم الجمركية، رفعت التكاليف على الشركات وبالتالي قللت من عمليات التوظيف.

ثانياً، تشديد قوانين الهجرة أدى إلى تقليص المعروض من العمالة الرخيصة.

ثالثاً، قرارات مثيرة للجدل -آخرها إقالة رئيسة مكتب الإحصاء- أثارت شكوكاً حول مصداقية بعض البيانات الرسمية.

ويختم العجمي بالقول: "الرسالة واضحة جداً، الاقتصاد الأميركي يتباطأ وسوق العمل تلتقط هذه الإشارات قبل غيرها. وبالتالي، فإن الفيدرالي سيكون تحت ضغط متزايد لخفض أسعار الفائدة في اجتماعه المقبل في سبتمبر، لا سيما إذا استمرت الأرقام بهذا الاتجاه".

وصعد الرئيس ترامب هجومه على المؤسسات الاقتصادية الأكثر أهمية في الولايات المتحدة، حيث أقال رئيس وكالة إحصاءات العمل في البلاد بعد ساعات فقط من تقرير قاتم عن الوظائف. وأمر الرئيس الأميركي، الجمعة، المسؤولين بإقالة مفوضة مكتب إحصاءات العمل إيريكا ماكينتارفر، التي عينها سلفه جو بايدن.

وقال ترامب، مدعيًا دون دليل أنها تلاعبت بأرقام لمساعدة الرئيس السابق: "سيتم استبدالها بشخصية أكثر كفاءةً وتأهيلًا.. يجب أن تكون الأرقام المهمة كهذه عادلة ودقيقة، ولا يمكن التلاعب بها لأغراض سياسية" .

ويوضح صليبي أن "السياسات المرتبطة بالعمالة الأجنبية شكلت عامل ضغط إضافي، حيث أثرت على حجم المعروض من القوى العاملة، وهو ما من شأنه أن يقلل من وتيرة نمو سوق العمل بشكل عام".

 

كما يشير رئيس قسم الأسواق المالية في شركة FXPro، إلى أن الوظائف الحكومية شكلت في السنتين الأخيرتين نسبة كبيرة من إجمالي الوظائف المضافة، لكن في شهر يوليو وحده "فقد القطاع الفيدرالي حوالي 12 ألف وظيفة، وهو ما يعكس توجهات تقشفية في الإنفاق الحكومي قد تؤدي إلى تقليص فرص العمل في هذا القطاع الحيوي".

 

وفي ما يخص التحديات البنيوية، يقول صليبي إن ضعف الطلب الهيكلي والتباطؤ في التكنولوجيا والإنتاج الصناعي "أثّر على الوظائف في الصناعات المهنية، بالإضافة إلى التعديلات التي جرت في بيانات مايو ويونيو، ما زاد من الضغوط على الداخلين الجدد إلى سوق العمل، لا سيما في الوظائف المبتدئة".

 

كما يلفت إلى أن "تراجع ثقة المستهلكين في الفترة الأخيرة، وانكماش الإنفاق نتيجة توقعات سلبية لدى الأفراد والشركات حول الوضع الاقتصادي، قد يدفعهم إلى تقليص الإنفاق، وبالتالي الحد من الحاجة لتوظيف عمالة جديدة".

 

ويختتم حديثه بالإشارة إلى أن "القطاعات التي سجلت نمواً مثل الرعاية الصحية والرعاية الاجتماعية، ليست قطاعات صناعية أو إنتاجية، ما يعكس بوضوح محدودية التعافي الاقتصادي في الولايات المتحدة، واستمرار الأثر السلبي للسياسات الجمركية على النشاط الاقتصادي والتوظيف".

Skynews