تشهد صناعة السيارات الكهربائية عالمياً مرحلة دقيقة تتقاطع فيها التحولات السياسية مع التحديات الاقتصادية والتكنولوجية.
بينما يُنظر إلى السيارات الكهربائية على أنها لاعب أساسي بمستقبل صناعة النقل، فإن السياسات الحكومية، لا سيما في الولايات المتحدة، بدأت تُعيد رسم ملامح المنافسة في هذا القطاع الحيوي. ومع تصاعد التوجهات الحمائية وتراجع الحوافز المالية، تتزايد الضغوط على الشركات الرائدة في السوق، وعلى رأسها "تسلا"، وسط منافسة شرسة من المصنعين الآسيويين، خاصة الصينيين.
ومن ثم تبدو صناعة السيارات الكهربائية أمام اختبار حقيقي لقدرتها على الصمود والتكيّف مع بيئة اقتصادية وسياسية متغيرة بسرعة.
مزيد من الضربات
في هذا السياق، حذرت شركة تسلا من مزيد من الضربات لإيراداتها بسبب الحرب التجارية التي يشنها ترامب، علاوة على سياساته المناهضة للسيارات الكهربائية في القانون الذي يصفه الرئيس الأميركي بـ "الكبير والجميل"، مما أدى إلى قتامة التوقعات مع انخفاض أرباح الربع الثاني بأكثر من الخمس.
ويشير تقرير لصحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية إلى أن الضربة التي تعرضت لها شركة تسلا بسبب سياسات الرئيس - بما في ذلك فقدان الحوافز الخاصة بالسيارات الكهربائية والطاقة الشمسية - تؤدي إلى تعميق الخلاف بين الرئيس التنفيذي إيلون ماسك وترامب، مما أعاد أغنى رجل في العالم إلى السياسة على الرغم من وعده للمستثمرين بإعادة تركيز انتباهه على صانع السيارات الكهربائية.
قال ماسك: "نحن في مرحلة انتقالية، حيث سنخسر الكثير من الحوافز في الولايات المتحدة.. قد نواجه بعض الأرباع المالية الصعبة".
فُسِّرت في البداية علاقة الملياردير الوثيقة بترامب، بعد دعمه لحملته الانتخابية، على أنها مفيدة لشركة تسلا.
إلا أن دور ماسك في ما يُسمى بوزارة كفاءة الحكومة أثار استياء بعض العملاء، إذ احتفى بتخفيضات فادحة في القوى العاملة الفيدرالية.
غادر ماسك البيت الأبيض في مايو بعد خلافه مع الرئيس ترامب، وأصبح منتقداً شرساً لمشروع قانون الإنفاق الجمهوري وتعهد بإطلاق حزبه السياسي الخاص .
أسهمت ردة فعل المستهلكين ضد الأنشطة السياسية التي يقوم بها ماسك في انخفاض مبيعات شركة تسلا، التي تعاني أيضاً من مجموعة طرازات قديمة ومنافسة أكبر في مجال السيارات الكهربائية من المنافسين الصينيين والغربيين.
أعلنت الشركة التي يقع مقرها في أوستن بولاية تكساس يوم الأربعاء أن صافي دخلها المعدل جاء قريباً من توقعات المحللين عند 1.4 مليار دولار للأشهر الثلاثة حتى يونيو، بانخفاض أكثر من الخمس عن 1.8 مليار دولار في العام السابق.
وحذرت شركة صناعة السيارات من أن سياسات ترامب من شأنها أن تزيد من الصعوبات التي تواجهها في الأشهر المقبلة.
وقال المدير المالي فايبهاف تانيغا إن تسلا لديها إمدادات محدودة من المركبات وربما لا تكون قادرة على تسليم سيارات كافية في الوقت المناسب لتلبية الطلبات إذا سارع المستهلكون إلى التغلب على الموعد النهائي في سبتمبر لنهاية الائتمان الضريبي الفيدرالي البالغ 7500 دولار لشراء وتأجير السيارات الكهربائية.
ووفق تانيغا فإن تسلا واجهت تكاليف إضافية متعلقة بالرسوم الجمركية بقيمة 300 مليون دولار في الربع الثاني، وحذر من أن هذا الرقم سيرتفع خلال العام.
وفرضت الولايات المتحدة رسوماً جمركية أعلى على السيارات ومكوناتها المستوردة من الخارج، بما في ذلك خلايا البطاريات التي تستوردها تيسلا من الصين.
وأضاف "بينما نبذل قصارى جهدنا لإدارة هذه التأثيرات، فإننا في بيئة غير متوقعة فيما يتعلق بالتعرفات الجمركية".
وفي محاولة لإحياء زخم مبيعاتها، قالت الشركة إنها تهدف إلى بدء الإنتاج الضخم لنموذجها الميسور التكلفة المتأخر خلال النصف الثاني من العام.
أرباع صعبة
يقول رئيس قسم الأسواق العالمية في شركة Cedra Markets، جو يرق، لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية":
"بلا شك، تواجه شركة تسلا وقطاع السيارات الكهربائية بشكل عام أرباعاً صعبة قادمة.. فمن المتوقع أن نشهد هذه الصعوبات بعد إلغاء الحوافز المالية التي كانت تبلغ 7500 دولار للسيارات الكهربائية، حيث كانت هذه الحوافز عنصراً أساسياً في دعم الطلب".
"عودة الرئيس ترامب تعني دعماً أكبر لصناعة السيارات التقليدية من خلال تخفيضات ضريبية وتشجيع مباشر، ما يخلق بيئة تنافسية قوية ضد السيارات الكهربائية".
"التحدي الأكبر يأتي من المنافسة الدولية، وتحديداً من شركات السيارات الكهربائية الصينية مثل BYD، التي أصبحت تستحوذ على حصة سوقية كبيرة وتقدّم عروضاً مغرية في الأسواق العالمية.. هذا يضع ضغوطاً واضحة على شركات السيارات الأميركية، ويزيد من صعوبة الحفاظ على تنافسيتها".
ويضيف: "رغم أن قطاع السيارات الكهربائية ما يزال يُظهر بعض النمو، إلا أن وتيرته لم تعد كما كانت في السابق.. النمو موجود، لكنه لم يعد قوياً بنفس الزخم، وهذا يضع تحديات كبيرة أمام الشركات الكبرى مثل تسلا، خاصة في ظل ارتفاع أسعارها مقارنة بالسيارات الصينية وسحب الحوافز الحكومية".
ويستطرد:
"حتى أوروبا تشهد تحديات مماثلة، إذ تعاني من المنافسة غير العادلة من قبل السيارات الكهربائية الصينية".
"مع هذه التحديات، فإن السوق الأميركية مرشحة لتراجع في الطلب على السيارات الكهربائية، وهو ما قد يؤدي إلى تقليص الاستثمارات الجديدة أو حتى تأجيلها من قبل الشركات التي كانت تخطط للتوسع في هذا القطاع".
"الخطر الأكبر الذي يهدد مستقبل هذا القطاع يتمثل في المنافسة الصينية الدولية، التي باتت أكثر حدة وتأثيراً على الأسواق العالمية".
تكلفة الرسوم
ووفق تقرير لبلومبيرغ، فإن تقرير أرباح شركة تسلا قدّم مثالاً آخر على تكلفة رسوم الرئيس ترامب الجمركية على شركات صناعة السيارات الأميركية.
وتناغماً مع تقارير شركتي جنرال موتورز وستيلانتس هذا الأسبوع، عزت الشركة انخفاض الأرباح جزئياً إلى "بيئة اقتصادية كلية متقلبة ومستمرة نتيجةً لتغيير الرسوم الجمركية، وعدم وضوح آثار تغييرات السياسة المالية، والمشاعر السياسية".
وفقدت مبيعات تسلا زخمها لأنها لا تقدم نماذج جديدة أكثر جاذبية وبأسعار معقولة حتى مع قيام شركات صناعة السيارات الأخرى، مثل BYD الصينية، بطرح العديد من المركبات الجديدة مع خفض الأسعار، بحسب التقرير.
علاوةً على ذلك، أدى دعم ماسك للقضايا السياسية اليمينية إلى نفور العديد من مشتري السيارات الكهربائية في أوروبا والولايات المتحدة، وصرفه عن إدارة الشركة. وفي الشهر الماضي، أعلن عن خطط لتشكيل حزب سياسي جديد في الولايات المتحدة بعد تدهور علاقته بترامب.
ونقل التقرير عن خبير استراتيجيات الأسهم في شركة زاكس لأبحاث الاستثمار، أندرو روكو، قوله في بيان: "كانت توقعات وول ستريت قاتمة في ظل تباطؤ أعمال السيارات الكهربائية الأساسية، وتضرر سمعة الرئيس التنفيذي إيلون ماسك على كلا الجانبين السياسيين". وأضاف: "مع ذلك، تجاوزت تسلا الحد الأدنى المطلوب".
مستقبل صناعة النقل
وبشكل عام، يشير استراتيجي الأسواق المالية في شركة First Financial Markets، جاد حريري، لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إلى أن "السيارة الكهربائية تُعد بلا شك مستقبل صناعة النقل.. والعالم يتجه نحو كل ما يرتبط بالذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا والتقدّم".
لكنه يوضح أن هناك تحديات قائمة بالفعل تواجه هذا القطاع، من أبرزها التعرفات الجمركية، وآليات الشحن، ومشكلات الاستيراد والتصدير، مضيفاً: "أعتقد بأن التحدي الأبرز سيكون في كيفية تأمين المواد الخام الأساسية لتصنيع السيارات الكهربائية، وأين سيتم تصنيع هذه السيارات بالضبط".
كما يلفت إلى أن المنافسة في هذا القطاع تشهد تصاعداً، لا سيما بين الصين والولايات المتحدة، إذ تُعد الشركات الصينية مثل "BYD" و"NIO" من أبرز المنافسين العالميين، إلى جانب شركة "تسلا" الأميركية. ويلفت إلى أن أغلب الصعوبات التي تواجهها هذه الشركات هي ذات طابع سياسي أكثر من كونها مشكلات تشغيلية أو إنتاجية.
ويختتم حريري حديثه بالقول إن مستقبل الشراكات الدولية والتعرفات الجمركية سيلعب دوراً حاسماً في تحديد المراكز السوقية، خصوصاً في الأسواق الناشئة في أفريقيا، وأوروبا، ودول آسيا.
منعطف خطير
أما خبير العلاقات الدولية الاقتصادية، محمد الخفاجي، فيقول لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية":
تشهد صناعة السيارات الكهربائية منعطفًا خطيراً بعد إلغاء ترامب الحوافز الضريبية، وهو ما يهدد بتراجع حاد في المبيعات داخل الولايات المتحدة خلال الأعوام المقبلة وفق تقديرات مراكز أبحاث السوق.
إيلون ماسك، الرئيس التنفيذي لشركة تسلا، حذّر من فترات صعبة مقبلة، خاصة بعد تسجيل الشركة انخفاضاً في أرباحها.
في أوروبا، واصلت مبيعات تسلا الهبوط بشكل واضح منذ بداية العام، في حين حققت أسهم بعض المنافسين أداءً إيجابيًا بفضل استمرار بعض الحوافز الحكومية.
ويستطرد: هذا المشهد يعكس الضغوط المتزايدة على قطاع السيارات الكهربائية، الذي أصبح في حاجة إلى سياسات دعم جديدة واستراتيجيات مبتكرة مثل طرح طرازات اقتصادية وتطوير تقنيات القيادة الذاتية لتعويض خسارة الحوافز وضمان استمرار نمو السوق عالمياً.