أقرّت دمشق باتفاق يعطي السويداء وضعاً إدارياً خاصاً بوساطة أميركية ــ فرنسية، في ظلّ تسارع خطوات التطبيع مع إسرائيل و«تهدئة» مشتركة في الجنوب.
عامر علي-
لم يخرج اللقاء الذي عقده وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، ووزير الشؤون الإستراتيجية الإسرائيلي، رون ديرمر، برعاية المبعوث الأميركي إلى سوريا، توماس برّاك، في العاصمة الفرنسية باريس، عن المسار الذي رسمته الولايات المتحدة، وانضمّت إليه فرنسا، التي تبحث توسيع حضورها في الملف السوري. وإذ استمرّ الاجتماع لأربع ساعات متواصلة، فهو انتهى ببيان أوّلي مقتضب أعلن فيه برّاك، الذي يشغل منصب سفير الولايات المتحدة في تركيا أيضاً، نجاح مساعيه في تهدئة الأوضاع بين إسرائيل وسوريا.
ويأتي ذلك عقب التصعيد الذي شهده الجنوب السوري، والذي بدأ بشنّ فصائل تابعة للإدارة الجديدة وعشائر عربية مؤازرة لها، هجوماً على محافظة السويداء ذات الغالبية الدرزية، أعقبه ردّ إسرائيلي عنيف، في سياق محاولة تل أبيب إعادة رسم خريطة الجنوب الذي أعلنت أنها تريده «منزوع السلاح»، تحت عباءة «حماية الدروز».
وبينما لم يتسّرب الكثير من المعلومات التفصيلية حول النقاط التي تمّت مناقشتها، خلال الساعات الأربع، ذكر «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، الذي ينشط من بريطانيا، أنّ اتفاقاً إسرائيلياً – سورياً مؤلّفاً من سبع نقاط تم التوصّل إليه بخصوص السويداء. وتكشف نظرة على البنود السبعة عن رضوخ الإدارة السورية للشروط الأميركية المتعلّقة بالوضع في الجنوب، وعن منح السويداء حالة إدارية أشبه بـ«الفيدرالية»، من دون استعمال هذا المصطلح. وبحسب «المرصد»، فإنّ الطرفين اتّفقا على تحويل ملف السويداء إلى الجانب الأميركي الذي سيلتزم بمتابعته، الأمر الذي قد يفتح الباب أمام احتمالات عديدة، بينها إمكانية ربط مناطق نفوذ «قوات سوريا الديموقرطية» (قسد) بالسويداء، عبر منطقة التنف.
كذلك، تضمّن الاتفاق سحب جميع قوات العشائر وقوات الأمن العام إلى ما بعد القرى الدرزية، بمعنى إخلاء السويداء من أي وجود أمني أو عسكري يتبع للسلطات الانتقالية، ومنح إدارة المحافظة لأبنائها الذين يتوجّب عليهم تشكيل مجالس محلّية، مع وجود بند واضح يمنع دخول أي منظّمة أو مؤسّسة تابعة للحكومة المؤقّتة إلى السويداء. وبالإضافة إلى ما تقدّم، تمّ الاتفاق على تشكيل لجنة لتوثيق الانتهاكات، تقوم برفع تقاريرها إلى الطرف الأميركي، وتسهيل دور المنظمات الأممية.
وعلى مستوى الجنوب السوري عموماً، ذكر «المرصد» أنّ السلطات الانتقالية في سوريا وافقت على نزع السلاح من القنيطرة ودرعا، وإدارة المنطقتين عن طريق لجان أمنية محلّية من أبناء تلك المناطق، بشرط عدم إدخال أسلحة ثقيلة، وهو ما كانت التزمت به أيضاً منذ تولّيها الحكم.
ويأتي أول لقاء معلن على المستوى الوزاري بين السلطات السورية وإسرائيل، بعد سلسلة لقاءات، بعضها حضرها الشيباني، في آذربيجان والإمارات والأردن، ليعيد المساعي الأميركية لتطبيع العلاقات بين دمشق وتل أبيب إلى الطريق المرسومة، بعد أن تسبّبت أحداث السويداء بتعكيرها.
ومن شأن هذا التطور أن يجعل عقد لقاء بين الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، ورئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في واشنطن في أيلول المقبل على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، والتي تعقد في نيويورك، أمراً مرجّحَ الحدوث، سيفتح الباب، في حال تحقّقه، أمام الوصول إلى اتّفاقية أمنية شاملة، بعد إنهاء إسرائيل اتّفاقية عام 1974، تمهّد لانخراط سوريا في ملف التطبيع الواسع الذي يعمل عليه الرئيس الأميركي، دونالد ترامب.
في السياق ذاته، لا يمكن إغفال الدور الفرنسي المتزايد في الملف السوري، والذي يشمل إلى جانب مسألة التطبيع السوري – الإسرائيلي، تقريب وجهات النظر بين الإدارة الجديدة و«قسد». وفي هذا الإطار، أُعلن عن اجتماع ثلاثي مشترك (سوري - أميركي - فرنسي) سيتمّ قريباً، بعد فشل مساعي عقد لقاء بين الشيباني وممثّل عن «قسد» كان مجدولاً أمس، الأمر الذي ينذر بتصعيد سياسي مقبل بين فرنسا من جهة، وتركيا، التي تُعتبر الطرف الأكثر استحواذاً على الملف السوري، من جهة أخرى.
ويتمثّل أحد أوجه هذا الصراع غير المعلن، في الوقت الحالي، في الإخفاق في عقد اللقاء المذكور (تردّد أنّ مَن سيحضره القائد العام لـ»قسد» مظلوم عبدي، الذي اجتمع أمس بوزير أوروبا والشؤون الخارجية الفرنسي جان نويل بارو)، في حين نجحت مساعي واشنطن وباريس في التمهيد لاتفاق بين إسرائيل والسلطات الانتقالية السورية، في ظلّ موافقة أنقرة على تهدئة الأوضاع مع تل أبيب، أملاً في تحديد ملامح نفوذ كل منهما على الخريطة السورية.
ووصف البيان المشترك الصادر عن اللقاء الثلاثي (بين الشيباني وبرّاك وبارو)، الاجتماع بأنه كان «صريحاً وبنّاءً (...) في لحظة فارقة تمرّ بها الجمهورية العربية السورية»، وتضمن «التأكيد على عدم تشكيل دول الجوار أي تهديد لاستقرار سوريا، وفي المقابل تأكيد التزام سوريا بعدم تشكيلها تهديداً لأمن جيرانها حفاظاً على استقرار المنطقة بأسرها».
كما حمل جملة من العبارات الفضفاضة، من بينها الاتفاق على «الانخراط السريع في الجهود الجوهرية لنجاح مسار الانتقال السياسي في سوريا، بما يضمن وحدة البلاد واستقرارها وسيادتها على كامل أراضيها»، و«الالتزام بالتعاون المشترك لمكافحة الإرهاب بجميع أشكاله، ودعم قدرات الدولة السورية ومؤسّساتها لمجابهة التحدّيات الأمنية»، و«دعم الحكومة السورية في مسار الانتقال السياسي الذي تقوده، بما يهدف إلى تحقيق المصلحة الوطنية وتعزيز التماسك المجتمعي، لا سيّما في شمال شرق سوريا ومحافظة السويداء».
كذلك، أكّد البيان على «دعم جولة من المشاورات بين الحكومة السورية و»قسد» في باريس في أقرب وقت، بهدف استكمال اتّفاق العاشر من آذار بشكل كامل»، و«دعم الجهود الرامية إلى محاسبة مرتكبي أعمال العنف والترهيب، والترحيب ضمن هذا الإطار بمخرجات التقارير الشفّافة بما في ذلك التقرير الأخير للّجنة الوطنية المستقلّة المكلّفة بالتحقيق في الأحداث التي شهدها الساحل السوري»، وفق البيان.